الرئيسية

الخطر الحقيقي

يونس جنوحي
إذا كنا في المغرب نعاني من التسيب في تمرغ أغلب السياسيين في الريع وتحايلهم للاستفادة منه قدر الإمكان، حتى لو كان الأمر بالنسبة لبعض الأثرياء منهم مجرد الاستفادة من بطاقة للبنزين، فإن نخب الدول الكبرى تتهافت على نوع آخر من الريع يتعلق بالدراسات التي تتعلق بنا نحن الفقراء.
ملايين الدولارات أنفقت خلال السنة الماضية لتنفيذ دراسات بشراكات مع مؤسسات ومنظمات غير حكومية، الهدف منها احتواء المهاجرين وتسليط الضوء على قضايا الهجرة غير الشرعية، وأيضا «التطرف» الديني وصعوبات الإدماج.
هذا دون الحديث عن المراكز التي تفتح ترشيحات تغرينا نحن الشباب المغربي لأنها تدفع منحا مالية سخية بالأورو من أجل دراسات تتمثل في ملء استمارات أو إعداد تقارير مصورة تتداخل أحيانا مع مهمة الصحافيين.
منذ سنة 2011 أقامت هذه المؤسسات والمنظمات، بشراكات مع مؤسسات تدريب في مجال الإعلام، عشرات الدورات التدريبية في الصحافة وفي العمل الجمعوي وحتى البحث الأكاديمي، واستفاد منها شبان في مختلف المدن المغربية، لكن أغلبها اعترفت رسميا بأنها لم تستكمل برامجها بسبب عدم التزام المنخرطين وانقطاعهم عن استكمال برنامج الدورات التي يستمر بعضها لأشهر.
تعرفون طبعا أن النتائج النهائية تتمثل في معلومات مهمة عن المناطق النائية وأوراش اشتغال الشباب، وأيضا تتبع أخبار المجتمع المدني.
يحدث هذا في المغرب، أما في الغرب فقد استفادت جمعيات يديرها مغاربة، بعضهم عاطلون عن العمل وحاصلون على جنسيات أجنبية، يعيشون من خلال إعانات الدول التي منحتهم جنسيتها، ويتفرغون لتسيير جمعيات المساجد. هؤلاء صناديق متنقلة للمعلومات عن المهاجرين سواء المقيمين في أوربا بطريقة شرعية أو الذين يقيمون بدون أوراق إقامة.
بعد أحداث باريس قبل أربع سنوات تقريبا، تم تحديث المعطيات، حسب ما نشرته الصحافة الفرنسية، عن كافة النشطاء المغاربة والعرب في جمعيات المهاجرين لمعرفة اهتماماتها. ولم تكن الدولة الفرنسية تحتاج أكثر من مكالمة مع المشرفين على الدراسات التي استهدفت المهاجرين، والتي كان يؤطرها باحثون جامعيون، لكي تفهم أكثر التحولات الاجتماعية للمجتمع الفرنسي.
أما عندنا فإن واقعة طريفة تبقى كافية لوصف الوضع بدقة. حدث في سنة 2012 أن قامت بعض الجمعيات الأوربية، بشراكة رسمية مع الاتحاد الأوربي، بتنظيم تدريب تأطيري للشبان المغاربة، واختارت فندقا فخما بمدينة الرباط لاحتضان الدورة. بعض الذين حضروا وقتها أكدوا أن كل شيء مجاني وأنهم قدموا طلب الاستفادة إلى الموقع الرسمي للدورة باعتبارها فرصة للشباب. وتم اختيار أزيد من خمسين شابا للاستفادة وزعت عليهم أحدث الهواتف والحواسيب وآلات التصوير، وتلقوا تكوينا مكثفا في طرق التعامل مع التقنية وإدخال المعطيات وتحويلها إلى استمارات ومبيانات وتوظيف الصور.
انتهت الدورة في غضون أيام وضرب المكونون الأوربيون للشباب موعدا بعد شهرين لكي يتابعوا معهم تطور المشاريع التي اقترحوا الاشتغال عليها خلال الدورة. كانت المفاجأة صادمة عندما جاء المشرفون على المشروع ولم يجدوا غير خمسة شبان من أصل الخمسين، هم الوحيدون الذين التزموا بالحضور، لكن المفاجأة الكبرى أنهم لم يحققوا أي تقدم في البرنامج الذي كُلفوا به.
كانت الخيبة كبيرة، لكنها في الحقيقة تعكس الواقعية المغربية في البحث عن الهمزة، حتى لو كانت قادمة من الخارج. فما كان يهم المنخرطين السابقين هو الحصول على الحواسيب وعندها يتوقف «الفيلم» كله. وبدل أن يكون هناك طموح شبابي للتعريف بقضايا الشباب المغربي عبر العالم وخلق جيل من الشبان ربما يصلون يوما إلى أروقة الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الكبرى، نجد أن الطبع يغلب التطبع. ولعل الأكثر طرافة أن صاحب الفندق وقتها أسرّ لمدير الدورة، البرتغالي الجنسية، بأنه خشي في المرة السابقة أن يخبره بأن الشبان المستفيدين قاموا بتمشيط غرف الفندق قبل مغادرتهم، وأغلبهم أخذوا معهم الصابون والفوط وحتى جهاز التحكم عن بُعد الذي يشغل المُكيف. فكيف يفكرون في العودة بعد أخذ الحواسيب والهواتف؟
الخطر الحقيقي الذي يهدد هذا البلد ومكوناته، في الحقيقة، هو أن أغلبنا لا يرى أبعد من أرنبة الأنف. فكيف، إذن، ننتظر إصلاح التعليم وتحديث الإدارة والكل يبحث عن أقصر الطرق لتحقيق المصلحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى