شوف تشوف

الرأي

الخطيئة

«البعض ترفعه الخطيئة، والبعض تسقطه الفضيلة»، ويليام شكسبير
بالأمس كنت أحاول ربط اتصال مع عوالمي الداخلية لأنني شعرت بحاجتي إلى كتابة بعض الفرح نكاية في الألم الذي نط من حقيبة اليد، ليجثم على أنفاسي المرحة، وأعتقد أنني فشلت في محاولتي أن أكتب شعرا أو نثرا أو صبرا… لكنني عثرت، وأنا أمتطي رحلة البحث في أبجدياتي، على إحدى الرسائل القصيرة من زمن عابث، تقول: «إنني حين أعجز عن الكتابة في تفاصيل الجسد، ألهو بأصابعي كي أختبر ما يمكنني أن أنحته بها.. أعلم أنها التواءات تحمل الكثير من الأخطاء، ولكن تهمني الخطيئة أكثر من الخطأ».
لا أذكر أبدا أننا اختلفنا في مسألة الاعتقاد بأننا نولد في هذا العالم من خطيئة مقدسة، وبأننا سرعان ما نحاول تجديد صلتنا بالخطيئة الأم عبر الأخطاء الصغيرة.. لقد كان فهمنا للخطأ شيئا آخر تماما، شيئا يجعلنا نثب فوق كبوة الاستثناءات الفكرية والإيديولوجية، ما يجعلنا نتحفظ كثيرا في البوح بقناعاتنا. لم نكن نغامر كثيرا في اختيار المخاطب المفترض، أنتقيك بعناية فائقة لتكون مخاطبي الوحيد وتنتقيني بلهفة العاشق العالق بأهذاب لذاتي، لكي أغدو حديقتك المشتهاة وشاطئ خلاصك وقصيدتك التي لم تكتب بعد.. فهل كنت زمنا، خطيئتك المقدسة؟ أم أننا كنا ننتشي بالموت حياة، فنتخذ من الوهم أفيونا، حتى نصير وهما من أوهامنا؟
لطالما حدثتني عن سيرة المنفى في الزمان، في اللامكان، عن سيرة من ضاع مرتين على إيقاع التشظي، بين صور تعرفها أكثر مما تعرف قلبك، وبين حقائب السفر إلى اللاعودة.. كنت تحت خط الحزن، تشكو ألما وتنزف جرحا ينخر في أعماقك إلى الأبد.
السفر باتجاه الشمال أو الجنوب تتحمله الخرائط، لكن السفر شرقا أو غربا معناه الغياب، معناه الفقد، معناه أن ترحل كي تترك كل شيء ولا تأخذ أي شيء. علمنا ياكوبسون أن «المكان ليس جغرافيا بسيطة، إنما هو عالم معقد تختلط فيه المشاعر والهواجس والأحلام»، ألم تكن أحلامك سببا في إقدامك على الانتحار في اتجاه الغرب؟ ألم تكن تشتعل في حرائق المستقبل والغيب، كلما وقفت على زرقة المحيط؟
«الغيوب لا تأتي إلا منا، أو من زرقة البحر» كانت تلك عباراتك، كانت حكمة وفيضا، وكنت مدينتك وأنت المطر، لقد أدركت أن المطر يخلق في المرء كل صفات الفلاسفة والشعراء، وأدركت أننا أردنا الشعر حياة الأمس، وبأننا كتبنا بنبوءة الشعراء، لذلك لم نرغب في الكلام، ربما كتبنا ما ينأى عن الشعر لكنه إلى القلب أقرب، وعن العقل أغرب، وربما تفتحت مسام الجلد لتمتص قطرات استرقناها من عرق اللحظات الهاربة، لآلئ تلمع، بريق جسد فاح عطره، وآثار خطيئة مؤجلة.
فإلى أن تتوقف زخات السواد المندلق على «الخدين مدرارا»، وإلى أن تمطر غيوم استيهاماتك، لك وجه الله وزرقة المحيط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى