الافتتاحية

الخط الأحمر

تقوم المنظمات الدولية غير الحكومية، المهتمة بمراقبة احترام الأنظمة لحقوق الإنسان، بدور مهم في جس نبض منسوب الحرية داخل الدول التي تسلط عليها تقاريرها ومراقبيها.
لكن بعض هذه المنظمات تستهويها أحيانا «الحسانة باللي كاين» كما تقول الدعاية التلفزيونية القديمة، فتتحول حقوق الإنسان إلى حقوق فئة معينة من الإنسان ويتم إقصاء فئات أخرى منها بدعوى أنها تشغل وظائف أمنية، وكأن رجل الأمن ليس إنسانا له حقوق، وكأن شتمه وسب زوجته وأمه وعائلته حق مكفول تضمنه العهود والمواثيق الدولية.
ولطالما انتقدنا تصلب حكام الجزائر ومصر وروسيا وتركيا وغيرها من الدول مع بعض هذه المنظمات الحقوقية ورفضهم التصريح لها بالعمل داخلها أو مجرد منحها تراخيص لدخول البلد، لكننا الآن بدأنا نتفهم أن هذا الموقف له ما يبرره، خصوصا عندما تتحول هذه المنظمات من شاهد محايد إلى خصم يحرض ببلاغاته ضد مؤسسات الأمن ببلد ذي سيادة ويدعو إلى اعتبار شتم وسب وتحقير رجال الأمن حقا مشروعا من حقوق التعبير.
إن مؤسسات الأمن في كل بلد هي صمام الأمان الذي يحمي الشعب ويحافظ على النظام ويحقق الاستقرار الذي يجلب الاستثمار، وبالتالي فإن أي ضرب للمؤسسات الأمنية هو ضرب للاستقرار وتهديد للسلم الاجتماعي.
نعم هناك أخطاء وهناك تجاوزات يرتكبها عناصر ينتمون إلى الجهاز الأمني، ويوميا نسمع عن توقيفات وتنقيلات ومحاكمات لرجال أمن ينتهون في السجن تقودها الإدارة العامة، وهذا طبيعي في مؤسسة اختارت محاربة الفساد داخل أجهزتها وتحويل المؤسسة إلى مؤسسة حديثة شفافة وفعالة.
ولذلك فمن غير المسموح لأي كان أن يعطي لنفسه الحق في تهديد السلم الاجتماعي وبث روح الفرقة بين المواطنين ورجال الأمن عبر استهدافهم بمحتويات مكتوبة أو مرئيّة تحتقر عملهم وتبخس تضحياتهم وتشتم عائلاتهم.
إن التقاعس أو التردد في ترتيب جزاءات ملائمة لحجم الضرر الذي تعرضت له سمعة رجال الأمن ضد من تسبب في ذلك، عن قصد ونية مبيتة، سيكون من شأنه التسبب لرجال الأمن في الإحباط والشعور بأن كرامتهم يمكن أن تداس دون أن تترتب عن ذلك آثار قانونية. وليس أخطر على النظام والشعب من أن يتسرب الإحباط إلى نفوس رجال الأمن.
كما أن هذه المنظمات الحقوقية الدولية عليها أن تفهم أن التحريض ضد مؤسسات الأمن خط أحمر وعمل معاقب عليه قانونيا وأخلاقيا. فالمنظمات الحقوقية عليها أن تدافع عن الحق في التعبير الحر والمسؤول وليس الحق في الشتم والسب وكيل الأوصاف التحقيرية بسبب الجنس أو العرق أو الحريات الفردية للأشخاص، وبين التعبير الفني والشتم السوقي بون شاسع لا يخفى على أحد.
إن هيبة الأمن من هيبة الدولة في كل البلدان، وعندما تتعرض هيبة الأمن للخدش دون أن يستتبع ذلك أثر قانوني فإن هيبة الدولة تدفع الثمن من رصيدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى