الرأي

الزفت في كل مكان.. إلا في الطرق

الزفت لم يوضع في مكانه الصحيح. كل شيء مزفت إلا الطرق. وتبقى محاولات الناس في فضح الطرق المغشوشة مجرد ذر لـ«الكرافيت» في العيون. فالغش كان ولا يزال أصلا تجاريا لصيقا بنا.
أخيرا خرج عبد الرحمن من السجن، واكتشف المغاربة أن وزير العدل لا يحركه أن يُسجن مواطن بسيط، باسمه، فقط لأنه كشف أن هناك طريقا مغشوشة، «دردر» العمال فوقها قشرة من الحصى والعِلكة بدل أن يقوموا بتعبيدها كما يجب. ما لا يمكن فهمه أبدا هو كيف أن وزارة التجهيز تبرأت من الطريق المغشوشة وقال الوزير إنه ليس مسؤولا أبدا عن تلك الطريق وإن وزارته لم تشرف على تلك الأشغال، وحمّل المسؤولية للشركة التي حصلت على المشروع من الجماعة المحلية. فيما عضو من الجماعة ذهب إلى مسرح الجريمة، وبدأ في تقشير الطريق هو الآخر ليؤكد فضح الغش في الأشغال ويبرئ الجماعة من المسؤولية. من بقي إذن؟ الشركة التي حصلت على المشروع وباشرت الأشغال.
كل هذا ووزير العدل صامت، ولا بد أن يحسد عزيز رباح، وزير التجهيز، لأنه وجد تخريجة ليبرئ نفسه. كان مصطفى الرميد ليفرح لو أن العدل كان مثل تعبيد الطرق، ليتم تفويته إلى شركة أخرى، وهكذا يمكن أن يجد «تخريجة» ليبرئ نفسه بصفته رئيسا للنيابة العامة، ويقول للرأي العام الوطني إنه لا علاقة له باعتقال الشاب عبد الرحمن وإن المسؤولية تعود إلى الشركة الخاصة التي سيكون عليها أن تعتقله، بناء على صفقة تجمعها بوزارة العدل. لكن الرميد غير محظوظ مثل رباح.. للأسف.
لماذا لا تعين وزارة التجهيز لجنة للوقوف على جميع الأشغال التي تجري في المغرب، حرصا على سلامة المواطنين وحرصا أيضا على حماية المال العام من هذا النوع من السرقات الحقيرة؟ الكلام الذي دبجه وزير التجهيز على صفحته الرسمية لا يعني إلا شيئا واحدا، وهو أنه يتملص من مسؤوليته عن الغش في تلك الطريق، ليرمي الكرة في ملعب رئيس الجماعة والشركة التي نفذت المشروع، أو طبخته على الأصح. في الوقت الذي كان حريا به أن يعتذر أولا للمغاربة بصفته وزيرا وصيا على وزراة تدخل الطرق في أولى مسؤولياتها. ويعمل على إرسال لجنة عاجلة إلى المكان بنتسيق مع السلطات ليعرف ما وقع، ولماذا لا يفكر في اعتماد مخطط عاجل لمراقبة أشغال أخرى في الأقاليم؟ ما دام مواطنون آخرون قد انخرطوا، تضامنا مع عبد الرحمن، في تقشير الطرق القريبة منهم وتصوير حفرها التي يمكن أن تمارس فيها نشاطا زراعيا وليس أن تعبرها إلى مكان آخر.
يمكن لأي شخص أن يؤسس شركة خاصة للبناء وتعبيد الطرق وتركيب الألمنيوم، وإذا كان أحد أفراد عائلته رئيس جماعة محلية، فإنه سيفوز بالمشروع بلا منازع. وأرجو ألا يقول لنا وزير العدل ووزير التجهيز، ورئيس الحكومة، إنهم لا يعلمون بوجود هذه الممارسات التي تمرر المال العام من الورق إلى جيوب المسؤولين بسلاسة، وتكون النتيجة مخجلة وكارثية.
يبدو أن هؤلاء الذين تكلفوا بإنجاز مشروع الطريق التي أصبحت أشهر من نار على علم، كانوا يستمعون إلى ضمائرهم، لأنهم تكرموا وصبغوا الطريق للمواطنين على أساس أنها طريق معبدة، ربما حتى لا يجرحوا مشاعرهم لو تركوها دون إنجاز الأشغال من الأصل، كما وقع في كثير من المناطق التي مرت فيها الصفقات ولم تنجز الشركات أي شيء على الأرض.
خرج عبد الرحمن واستقبله الناس استقبال الأبطال، رغم أنه كان جالسا في المكان الخطأ في التوقيت الخطأ، ولم يكن يخطط لترؤس حركة لفضح الأشغال المغشوشة. من الخطأ أن نعتقد أن ضغط الشارع هو الذي أنهى ساعات اعتقال الشاب عبد الرحمن. والدليل أننا سنكون مستقبلا أمام طرق أخرى مغشوشة. استعدوا للتقشير، وستكون المفاجأة كبيرة لأن وزير التجهيز سيضطر مرة أخرى لتوضيح ألا علاقة لوزارة التجهيز بالموضوع، وكأنه يرأس وزارة لتبليط العقول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى