الرأي

السيسي وأساطير الأولين

اللواء مدحت المنشاوي، مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن المركزي في مصر، وقبل ساعات قليلة من حلول الذكرى الخامسة لـ»25 يناير»، استبق الحدث بهذا التصريح الناري: «اللي هيحاول يتعدى على ممتلكات الدولة أو أقسام ومراكز الشرطة والسجون هنواجهه بالقانون. والقانون هنا بيسمح للقوات بمواجهة مثل تلك الأعمال بإطلاق الرصاص عليه، لأننا مش هنسمح أبداً إن اللي حصل قبل كده يحصل تاني».
شباب مصر، ممّن اعتصموا في ميدان التحرير قبل خمس سنوات، ترجموا التصريح جيداً، ودون صعوبة تُذكر؛ وكذلك فعلت وسائل إعلام، ومواقع عديدة على الإنترنت: لن نسمح بثورة ثانية! وبالفعل، تمّ تطويق الميدان، وأغلقت معظم المنافذ إليه، ومحطة المترو، وانتشر رجال اللواء المنشاوي كما يليق بتهديداته تماماً. وهذه كانت علائم افتضاح أولى أساطير انقلاب عبد الفتاح السيسي على «25 يناير»، أي تلك التي تقول إنه جاء لإنقاذ الثورة من الإخوان المسلمين، ولكنه لم يفعل طيلة عهده سوى ردّ المجتمع المصري إلى تنويعات مختلفة من عهود حكم العسكر.
وفي سياق زمني متصل بالذكرى ذاتها، يقرأ المرء الخبر التالي: تمّ توقيف المواطن المصري الدكتور عاطف بطرس، أثناء عودته إلى مصر، واحتُجز طيلة سبع ساعات في مطار القاهرة، قبل أن يُرحّل إلى ألمانيا، بعد إبلاغه بأنه ممنوع من دخول مصر… إلى الأبد! وبطرس أستاذ في قسم دراسات الشرق الأوسط، جامعة ماربورغ الألمانية، وعضو مؤسس في «ميادين التحرير للتنمية المستدامة»، ذات التوجه الاقتصادي والتنموي العلماني. كما أنه مسيحيّ بالولادة، ويصعب أن يكون إخوانياً بالطبع؛ ولا ذنب له سوى أنه يعارض سياسات السيسي، وبالتالي يفضح الأسطورة الثانية التي اقترنت بالانقلاب: أنّ خصومه هم من الإخوان المسلمين، حصرياً. وللبرهنة، أكثر فأكثر، على طبيعة الإجراءات القمعية التي يطيب لرجال السيسي اتخاذها، لم يُمنع بطرس من دخول بلده هذه المرّة فقط، أو طيلة عشر سنوات مثلاً، بل ببساطة: مدى الحياة!
خبر ثالث يقع عليه المرء، في إطار ذكرى «25 يناير» يقول: المستشار مرتضى منصور، عضو مجلس نواب الانقلاب، شنّ هجوماً مقذعاً على المذيع يوسف الحسيني، عبر قناة «صدى البلد» الفضائية. وقال منصور: «أنا عايز أضربك بالجزمة، وأديك 50 ألم على قفاك، وأروح لأمك الحاجة تحية أقولها سامحيني أنا ضربت يوسف على قفاه». ما هو أطرف من الردح هذا، أنّ منصور كان قد عدّل القسم الدستوري لأنه «مش معترف بـ25 يناير»، وهو لا يكفّ عن التهديد باستخدام «الجزمة» ضدّ خصومه؛ الأمر الذي لم يمنع انتخابه رئيساً، في البرلمان، للجنة… حقوق الإنسان! أمّا الحسيني فهو ليس من إمعات النظام الإعلامي لانقلاب السيسي، فحسب؛ بل هو أيضاً صاحب الشتائم الأقذع، والاتهامات الكاذبة الأقبح، حول بغاء النساء السوريات خلال اعتصام رابعة. وليس الخصام بين منصور والحسيني سوى مظهر السطح، لما يجري في الأعماق من تفكيك للأسطورة التي قالت إن نيران انقلاب السيسي لن تأكل بعضها في أيّ يوم قريب.
وهكذا فإنّ سلسلة الوقائع، التي تفضح منظومة الأساطير، أكثر من أن تُحصى في مقام كهذا: بعضها طريف طبي (مثل عقار الكفتة الشهير، لعلاج الإيدز)، وبعضها طريف اقتصادي (أكذوبة قناة السويس الثانية)، وثالثها طريف إعلامي (التهديد بـ«ما يصحش كده»، على لسان السيسي نفسه)… المحزن في الأمر أنها أساطير تذكّر بالأوّلين أيضاً، خاصة نظام حسني مبارك وأواخر أيام أنور السادات؛ وبالتالي فإنّ تلويح اللواء المنشاوي يمكن قراءته هكذا: لن نسمح إلا بإعادة إنتاج تلك الأساطير، ولكن على نحو أشدّ استبداداً وانحطاطاً وابتذالاً!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى