شوف تشوف

الطنز العكري

السياسيون عندنا منافقون بالفطرة، متلونون كالحرباء، ويمارسون الكذب كرياضة وطنية، وأنكى من ذلك أنهم يعتقدون أنفسهم أذكى الناس وأقدرهم على استغباء الرأي العام وتوظيف الإعلام واستبدال المعاطف وتغيير البندقية من كتف إلى كتف حسب تغير مواقع الأهداف.
قبل أسابيع، وفي برنامج تلفزيوني تم تخصيصه للتعيينات في مناصب المسؤولية، قالت البرلمانية أمينة ماء العينين، عن حزب العدالة والتنمية، إن إسناد منصب إداري بالرباط لزوجها الذي كان يشتغل مدرسا بتزنيت، يدخل في خانة لم الشمل الأسري والعائلي، واعتبرت أن الأمر يتعلق بإلحاق وليس بتوظيف.
بغض النظر عن جانب «الطنز» في كلام البرلمانية، فإنه من الناحية القانونية حركة الالتحاق بالأزواج في إطار لم الشمل الأسري لا تسري على البرلمانيين، لأن صفة البرلماني ليست مهنة أو وظيفة عمومية، وإنما هي تكليف مرتبط بولاية تشريعية لا تتعدى خمس سنوات، ولا تمنح الحق للبرلماني أو البرلمانية في الاستفادة من حق الالتحاق بالزوجة أو الزوج.
كما أن الموظفين بالقطاع العام عند حصولهم على مقاعد برلمانية بدورهم يستفيدون من وضعية الإلحاق، وتنتهي هذه الوضعية بانتهاء الولاية التشريعية، وهو ما تنص عليه المادة 14 من القانون التنظيمي لمجلس النواب، والتي تحدد وضعية البرلمانيين الموظفين بالوظيفة العمومية، حيث تنص المادة على أنه عند انتخابهم بأحد مجلسي البرلمان، يصدر رئيس الحكومة قرار الإلحاق باقتراح من الوزير المعني بالأمر بعد تأشيرة الوزير المكلف بالمالية والوزير المكلف بالوظيفة العمومية. وينص القانون التنظيمي لمجلس النواب والقانون التنظيمي لمجلس المستشارين على أنه عند انتهاء مدة الانتداب، يعاد المعني بالأمر تلقائيا إلى سلكه بإدارته الأصلية.
يعني أن القانون يلزم ماء العينين بدورها بالعودة إلى سلكها الأصلي للعمل بقطاع التعليم بالنيابة الإقليمية لمدينة تيزنيت، فهل سيطالب زوجها بدوره بعودة معاكسة للالتحاق بزوجته بمدينة تيزنيت، أم ستطلب هي الالتحاق به بمدينة الرباط، بعدما حصل على منصب رئيس مصلحة بوزارة العلاقات مع البرلمان؟
كما أن أحمد أكنتيف، زوج البرلمانية أمينة ماء العينين، ترك منصبه كأستاذ للاجتماعيات بإعدادية الوحدة بتزنيت لمدة شهر بدون مبرر خلال السنة الدراسية، دون أن تتخذ في حقه أي إجراءات رغم مراسلة مدير المؤسسة للنائب الإقليمي، والتحق بديوان الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، في حين أن الحركة الانتقالية في إطار الالتحاق بالأزواج التي تنظمها مذكرة وزير التربية الوطنية، تفرض على المستفيد أن يشتغل داخل قطاع التعليم وليس داخل إدارة أخرى.
ولكي تداري البرلمانية ماء العينين فضيحة استغلالها لنفوذها كبرلمانية، شرعت في نظم قصائد الغزل في الأمين العام لحزبها عبد الإله بنكيران، فقالت في وصفه إنه كاسحة ألغام ولم يغير خطابه.
المصيبة أن بنكيران وفي الأسبوع نفسه قال إنه ولد دار المخزن، وإنه يقول للملك سيدنا لأنه تمخزن.
وطبعا فرئيس الحكومة يرسم التوجه العام الجديد لحزبه ويترك لحوارييه مهمة الشرح، وهي المهمة التي تكلف بها وزير الجامعات الحرة لحسن الداودي، والذي قال إن الخريطة السياسية مثل كثبان الرمل، وإن الخط الأحمر اليوم يصبح غدا خطا أصفر.
الداودي يعتقد أن البراغماتية في السياسة تعني النفاق والكذب على الناس، إذ يمكن أن تقنع الشعب بأنك مصلح وتريد محاربة الفساد وأنك تحتاج صوته لكي تقوم بهذه المهمة، وعندما ينخدع الشعب ويمنحك صوته تأتي وتقول له إن الشعب هو الفاسد الأكبر ويجب أن يبدأ التغيير من نفسه أولا.
الداودي يتغافل عن قاعدة معروفة في السياسة وهي أنه عندما تتعارض قناعات المسؤول مع مسؤولياته يستقيل، تماما كما فعلت وزيرة العدل الفرنسية عندما رفضت أن يمر قانون نزع الجنسية باسمها، وليس تغيير قناعاته من أجل البقاء في المنصب كما يقول الداودي، وأن يبرر ذلك بكون الخريطة السياسية تشبه كثبان الرمل التي لا تكف عن التنقل حسب اتجاه الريح.
لقد قال بنكيران في نشاط نظمه شيوعيو آخر زمن، إن التقدم والاشتراكية كان شيوعيا سابقا وهم حركة إسلامية سابقا والحمد لله أنهم كانوا سابقا.
ولعل الملاحظين انتبهوا منذ مدة لمحاولات بنكيران المتكررة التنكر لماضيه وماضي حركته وحزبه، لكن يبدو أنه اليوم أكثر إصرارا على التنكر بشكل قطعي لكل ما يربطه بالماضي الإسلامي لحزبه، خصوصا بعدما سمع الأمين العام للأصالة والمعاصرة يقول مباشرة بعد انتخابه إن حزبه جاء لمحاربة الإسلاميين، وكأن بنكيران يقول له «ماشي حنا هوما هادوك اللي جيتي تحاربهم حنا ولاد دار المخزن».
وبنكيران لم يفقد أعصابه فقط بعد إعلان الحرب الواضح الذي تلقاه من الأصالة والمعاصرة في حلته الجديدة، بل إنه فقد توازنه كذلك فشرع يعطي تصريحات غريبة، عندما هدد خديجة الرويسي بحلاوة خيزو الذي ستذوقه في الدنمارك حيث عينها الملك سفيرة، أو كقوله إن الملك لا يحبنا، متحدثا عن حزبه.
أما الرميد فقد قال إنه تعب من تحمل حقيبة وزارة العدل، محاولا إعطاء صورة الزاهد في الحقيبة، والحال أنه يطمع في واحدة أثقل منها هي حقيبة رئيس الحكومة المقبل أو وزير دولة على أقل تقدير، بعدما يكون قد نجح في الإطاحة بغريمه بنكيران من عرش الأمانة العامة للحزب.
فالرميد يطبق نفس استراتيجية اليازغي ويحاول أن يستعمل الضغط الإعلامي والحزبي لانتزاع منصب وزير دولة للاستمرار في خدمة ورعاية أصحاب المصالح الذين خلقهم ورعاهم إدريس البصري.
وهو يتحرك نحو هذا الهدف مسنودا بتابعه حامي الدين وقرينه الصيرفي وبعض المنابر التي يحرك الرميد خطوطها التحريرية من وراء الكواليس.
وحتى إن لم يكن الأمر ظاهرا فالعداء مستحكم بين الرميد وبنكيران، وعندما تم إعلان بنكيران أمينا عاما صدرت عن الرميد حركة امتعاظ على مسمع ومرأى من هذا الأخير، ما ترك في نفسه أثرا بالغا.
ولكي نفهم الصراعات حول مواقع الريادة داخل الحزب الحاكم يجب أن نعرف أن الرميد والبلاجي وحامي الدين ينحدرون من رابطة المستقبل، فيما بنكيران ويتيم ومعتصم ينحدرون من حركة الإصلاح والتجديد، قبل أن تتحول للتوحيد.
هذا الاصطفاف القديم يلقي بظلاله على الوضع الداخلي للحزب حاليا.
وفي السابق كان البصري يفضل التعامل مع الرميد وتياره عوض بنكيران خلال مفاوضات تأسيس الحزب، رغم أن بنكيران حاول أن يضع نفسه في خدمة البصري بتلك الرسالة الشهيرة التي وصف فيها نفسه بخادمه المطيع، لذلك سيلجأ بنكيران إلى حضن الخطيب وحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، وخرج الحزب من مسرح محمد الخامس خلال ندوة نظمها نادي الفكر الإسلامي التابع للخطيب، بمناسبة انتصار المجاهدين الأفغان على الروس.
ومنها كان اللقاء ببيت الخطيب لتأسيس الحزب بحضور ممثلي تنظيم الإخوان المسلمين بمصر وسوريا صالح أبو الرقيق وعمر بهاء الأميري، وهذا هو التاريخ الذي يحاول بنكيران التنكر له ومحوه من الذاكرة .
والواقع أن الرميد حظوظه ضعيفة في خلافة بنكيران، فيما حظوظ الرباح أكبر، والذي لديه مداخله ومخارجه في بعض أجهزة الدولة.
والرباح عكس الرميد تقف معه أياد خفية، لأنه لا يعقل أن يرأس أكبر مدينة شهيرة بتوافد كل الأجهزة الاستخباراتية العالمية، مدينة معروفة بأجوائها الخاصة، دون أن يكون مسنودا، هذا بالإضافة إلى علاقته القوية بجنرال قوي، عن طريق إسماعيل العلوي الذي فوت له الرباح العديد من التجزئات السكنية بالقنيطرة، وأشهرها الطيبية، نسبة إلى جد إسماعيل العلوي مولاي الطيب أشهر باشا بسلا، والذي اشتهر بامتطاء حصانه والتمنطق بسيفه وطوافه بمدينة سلا ليلا رفقة «مرينة»، أحد أعضاء فرقة الحسين السلاوي الذي كان يعزف الوترة لجد إسماعيل العلوي، وأيضا تجزئة الإسماعيلية نسبة لجده السلطان إسماعيل العلوي، كما ورد في مذكراته ومذكرات صهره أستاذ التاريخ بكلية الآداب بالرباط، والذي اشتهر بكتابة مؤلفات عن أصول السهول وعامر وبني حسن وثقافاتهم وعاداتهم وقيمهم، وله كتاب في الموضوع من تقديم إسماعيل العلوي استعان به هذا الأخير لـ«أكل» عقول بني حسن حيث كان يترشح، وفي منطقة السهول حيث يترشح أمين الصبيحي، شقيق زوجة إسماعيل العلوي.
أما وزير العدل فمزاجي ومتقلب، رغم أنه يجهد نفسه لإعطاء صورة رجل الدولة حول نفسه، فالرميد لا يمثل قيمة الوقار، خصوصا بالنظر لماضيه، ولذلك يجد صعوبة في إقناع القضاة بذلك، فقد كان يحتك بالأمن، وكان يخرج في المظاهرات من أجل الركوب عليها، وطالب بالملكية البرلمانية خلال الحراك والآن تخلى عن قناعاته بعدما غرر بكثيرين وأرسلهم إلى السجن.
لكنهم هكذا، يتصورون السياسة مثل كثبان الرمل التي تتحرك طيلة الوقت باتجاه الرياح، والحال أن السياسة مبادئ ثابتة ومواقف راسخة دونها السجون والمنافي، أو الاستقالة، وهذا أضعف الإيمان.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى