الرئيسية

العثماني يفشل للمرة الثانية في تقديم خطة لإصلاح التكوين المهني

المصطفى مورادي
ترأس الملك محمد السادس، يوم الخميس الماضي في الرباط، جلسة عمل خصصت لتقديم برنامج تأهيل عرض التكوين المهني وتجديد الشعب والمناهج البيداغوجية. وتأتي جلسة العمل هذه استكمالا للاجتماعين السابقين المخصصين لقطاع التكوين المهني، باعتباره «رافعة استراتيجية للتنافسية ونهجا واعدا بالنسبة للإدماج المهني للشباب»، وأيضا لـ«التداول حول برنامج تأهيل عرض التكوين المهني وتجديد الشعب والمناهج البيداغوجية». وفي مخرجات الجلسة، التي حضرها الوزراء المعنيون بالقطاع، بدا واضحا أن الخطة التي تقدمت بها الحكومة لم تنل رضا الملك على غرار سابقتها، والتي سجل بخصوصها الملك محمد السادس ملاحظات تهم إشكالات يتوجب على الحكومة الإجابة عنها، وعلى رأسها التمويل وحكامة التمويل.

مقالات ذات صلة

فرصة ثالثة وأخيرة
فشل العثماني للمرة الثانية في تقديم خطة محكمة قادرة على تأهيل قطاع التكوين المهني، حيث نبه الملك، وللمرة الثانية على التوالي، الوزراء المعنيين بالقطاع إلى ضرورة «اعتماد مقاربة واقعية تحدد، بكيفية صارمة، الأولويات وفقا لحاجيات الاقتصاد الوطني وسوق الشغل، والانتظارات الاجتماعية وتطلعات المغاربة»، على أن يكون هذا الملف موضوع اجتماع مقبل وأخير للجنة.
هكذا يفشل العثماني في استغلال التمديدات التي استفاد منها لتطوير البرنامج الذي تقدم به. الفترة الأولى كانت مباشرة بعد انقضاء فترة الثلاثة أسابيع التي منحها الملك للحكومة يوم فاتح أكتوبر من السنة الماضية، لبلورة وعرض برنامج مشاريع وإجراءات دقيقة والتطبيق الفوري التي تهم إعادة هيكلة شعب التكوين المهني، وإحداث جيل جديد من مراكز تكوين وتأهيل الشباب، وإقرار مجلس التوجيه المبكر نحو الشعب المهنية، وتطوير التكوين بالتناوب، وتعلم اللغات وكذا النهوض بدعم إحداث المقاولات من طرف الشباب في مجالات تخصصاتهم، والتي سيتم تمويلها، على الخصوص، بدعم من صندوق الحسن الثاني.
وبهذه المناسبة، ستقدم اللجنة، أيضا، وضعية تقدم تحضيرات اللقاء الوطني للتشغيل والتكوين المزمع تنظيمه قبل متم السنة. مرت ثلاثة أسابيع وعجزت الحكومة عن تقديم المطلوب منها في الأمر الملكي، ليتم منحها فترة أخرى امتدت لسبعة أسابيع إضافية..، قبل أن يتم استقبال العثماني ومختلف الوزراء المتدخلين في قطاع التكوين المهني، وهم عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، وعزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وسعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، ومولاي حفيظ العلمي، وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، وعبد القادر اعمارة، وزير التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء، وأنس الدكالي، وزير الصحة، ومحمد ساجد، وزير السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، ومحمد يتيم، وزير الشغل والإدماج المهني، ولبنى طريشة، المديرة العامة لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل. وعقب هذا اللقاء، عبر الملك محمد السادس صراحة عن رفضه للخطة المتقدم بها، ليدعو الوزراء المعنيين إلى استدراك النواقص التي اعترت خطتهم، حيث تبين أنه تم تقديم خطة عبارة عن «نوايا» دون تقديم إجابات عملية لمعضلة أساسية تتعلق بالتمويل، وهي المسألة التي ستعني رفع عدد الممنوحين كوسيلة لتشجيع الشباب للتوجه نحو التكوين المهني.
عدم إجابة الحكومة عن سؤال التمويل كان موضوع ملاحظة سجلها الملك لحظة تقديم مشروع هذه الخطة بعد انتهاء فترة التمديد الأولى، عندما أكد على «ضرورة الانكباب على بعض النواقص التي تشوبه، وعلى مسألة ضبط مصادر وآليات تمويله»، مشددا على أن «النهوض بهذا القطاع يجب أن يتم في المستقبل، ضمن منظور متكامل لإصلاح منظومة التكوين المهني، مع الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة، وخاصة اعتماد التناوب بين التكوين النظري والتدريب داخل المقاولات». غير أنه، وبعد مرور أكثر من شهرين على ذلك اللقاء، فإن الحكومة ماتزال عاجزة عن إيجاد حل للتمويل، علما أن المشكلة ذاتها يواجهها قطاع التربية الوطنية، وتم التعبير عنها بوضوح في القانون الإطار الخاص بالتربية والتكوين، الذي اعتمد آلية دفع الأسر الميسورة لرسوم التسجيل، كآلية لتمويل القطاع. وهي الآلية التي لا يمكن اعتمادها في قطاع التكوين المهني، لكونها ستكون عائقا إضافيا في توجه الشباب المغاربة، ولاسيما الذين يجدون صعوبات في التمدرس، إلى التكوين المهني، قبل أن يتم رفضها للمرة الثانية، عندما طلب الملك من اللجنة الحكومية ضرورة «اعتماد مقاربة واقعية تحدد، بكيفية صارمة، الأولويات وفقا لحاجيات الاقتصاد الوطني وسوق الشغل، والانتظارات الاجتماعية وتطلعات المغاربة».

ترقب زلزال سياسي جديد
فشل اللجنة الحكومية في تنفيذ التوجيهات الملكية، وعدم استغلال كل التمديدات التي منحت لها، أديا إلى ظهور تكهنات لمراقبين وتحليلات إعلامية تتحدث عن قرب «زلزال حكومي» جديد سيطيح بالعديد من المسؤولين في الحكومة، حيث تحدثت تقارير إعلامية، نقلا عن مصادر موثوقة، عن أن جلسة العمل التي ترأسها الملك محمد السادس عرفت توجيه عاهل البلاد انتقادات مباشرة للوزراء المعنيين بالتكوين المهني. وما يزكي مصداقية هذه التحليلات هو التأكد من أن الحكومة الحالية ستعرف حركة تغييرات واسعة مع انتهاء النصف الأول من ولايتها، كما جرت العادة في الحكومة السابقة لعبد الإله بنكيران. ويتعلق الأمر خاصة بكل من وزير التربية الوطنية والتعليم العالي سعيد أمزازي، محمد يتيم، وزير الشغل، ومحمد الغراس، كاتب الدولة المُكلف بالتكوين المهني.
إمكانية حدوث زلزال يطيح بهؤلاء المسؤولين تبقى قوية، قياسا للاهتمام الملكي الخاص الذي يوليه الملك محمد السادس لقطاع التكوين المهني، وهو ما ظهر بجلاء في الخطب الأخيرة بمناسبة الذكرى الـ 65 لثورة الملك والشعب، عندما قال الملك: «ها نحن اليوم ندخل في ثورة جديدة لرفع تحديات استكمال بناء المغرب الحديث، وإعطاء المغاربة المكانة التي يستحقونها، وخاصة الشباب، الذي نعتبره دائما الثروة الحقيقية للبلاد»، معتبرا أنه «لا يمكن أن نطلب من شاب القيام بدوره وبواجبه دون تمكينه من الفرص والمؤهلات اللازمة لذلك، علينا أن نقدم له أشياء ملموسة في التعليم والشغل والصحة وغير ذلك، ولكن قبل كل شيء، يجب أن نفتح أمامه باب الثقة والأمل في المستقبل». وأضاف قائلا: «غير أن ما يحز في نفسي أن نسبة البطالة في أوساط الشباب تبقى مرتفعة، فمن غير المعقول أن تمس البطالة شابا من بين أربعة، رغم مستوى النمو الاقتصادي الذي يحققه المغرب على العموم. والأرقام أكثر قساوة في المجال الحضري»، مضيفا أنه «رغم المجهودات المبذولة، والأوراش الاقتصادية والبرامج الاجتماعية المفتوحة، فإن النتائج المحققة تبقى دون طموحنا في هذا المجال. وهو ما يدفعنا، في سياق نفس الروح والتوجه، الذي حددناه في خطاب العرش، إلى إثارة الانتباه مجددا، وبكل استعجال، إلى إشكالية تشغيل الشباب، لا سيما في علاقتها بمنظومة التربية والتكوين». وأكد الملك في خطاب 20 غشت أنه «لا يمكن أن نقبل لنظامنا التعليمي أن يستمر في تخريج أفواج من العاطلين، خاصة في بعض الشعب الجامعية، التي يعرف الجميع أن حاملي الشهادات في تخصصاتها يجدون صعوبة قصوى في الاندماج في سوق الشغل. وهو هدر صارخ للموارد العمومية، ولطاقات الشباب، مما يعرقل مسيرات التنمية، ويؤثر في ظروف عيش العديد من المغاربة».
ودعا الملك في الخطاب ذاته الحكومة والفاعلين إلى اتخاذ مجموعة من التدابير في أقرب الآجال، تهدف، على الخصوص، إلى القيام بمراجعة شاملة لآليات وبرامج الدعم العمومي لتشغيل الشباب، للرفع من نجاعتها وجعلها تستجيب لتطلعات الشباب، مع تنظيم لقاء وطني للتشغيل والتكوين، قبل نهاية السنة، لبلورة قرارات عملية وحلول جديدة، وإطلاق مبادرات ووضع خارطة طريق مضبوطة للنهوض بالتشغيل.
يذكر، أيضا، أن الخطة التي فشلت الحكومة حتى الآن في تنفيذها، هي موضوع أمر ملكي مباشر كان في فاتح أكتوبر، حيث حث الملك محمد السادس أعضاء الحكومة على الإسراع بتأهيل قطاع التكوين المهني، وأمهلهم حينها ثلاثة أسابيع من أجل بلورة وعرض برنامج مشاريع وإجراءات دقيقة، لمباشرة التطبيق الفوري لهذه التعليمات، وذلك في أفق تطوير تكوينات جديدة في القطاعات والمهن الواعدة، مع تأهيل التكوينات في المهن التي تنعت بالكلاسيكية، وتبقى المصادر الرئيسية لفرص الشغل بالنسبة للشباب، مثل تلك المرتبطة بقطاعات الصناعة والخدمات، والبناء والأشغال العمومية، والفلاحة والصيد والماء والطاقة والصناعة التقليدية. وأكد الملك في توجيهاته أن هذه المشاريع سيتم تمويلها بدعم من صندوق الحسن الثاني، على أن يتم، بالموازاة مع ذلك، عرض وضعية تقدم تحضيرات اللقاء الوطني للتشغيل والتكوين المزمع تنظيمه قبل متم السنة. وهو الأمر الذي تعجز الحكومة حتى الآن عن الوفاء به..، إذ مر شهر كامل على السنة الجديدة دون ظهور أية مؤشرات عن قرب تنظيم هذا اللقاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى