الرئيسيةخاص

القصة الكاملة لقضية متابعة عمدة مراكش ونائبه بتهمتي اختلاس وتبديد أموال عامة

اختلالات 50 صفقة تفاوضية بقيمة 28 مليارا على هامش مؤتمر «كوب 22» جرت رموز «البيجيدي» أمام القضاء

أحال الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بمراكش كلا من عمدة مراكش محمد العربي بلقايد، عضو الأمانة العامة لـ«البيجيدي»، ونائبه يونس بنسليمان، المنتمي للحزب نفسه، على قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة الخاصة بجرائم الأموال بغرفة الجنايات، في الملف المعروف بـ «كوب 22». وحسب المعطيات المتوفرة، فإن الوكيل العام للملك قرر متابعة المسؤولين بجنايتي تبديد واختلاس أموال عمومية.
جاءت المتابعة بعد شكاية للجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، تتهم فيها عمدة مراكش ونائبه الأول بتبديد المال العام، وطالبت، في الشكاية الموجهة إلى الوكيل العام، بفتح بحث قضائي مع كل من تورط في تبديد المال العام، قبل أن يصدر المكتب المسير للمجلس بلاغا يرد فيه على اتهامات الجمعية، والتي وصفها بالوشاية الكاذبة..
الوثائق التي سبق لـ«الأخبار» أن نشرتها تكشف أن أغلب الصفقات التفاوضية التي باشرها النائب الأول للعمدة، تعتريها اختلالات واضحة، وأن كلفتها المالية ضاعفت تكلفة نظيراتها في إطار عروض الأثمان. فضلا عن أن 14 صفقة من أصل 50 صفقة تفاوضية أبرمت باسم «كوب22»، لم يتم الشروع في الأشغال الخاصة بها إلا بعد انتهاء المؤتمر العالمي للتغييرات المناخية المنعقد بمراكش شهر نونبر من سنة 2016، كما وثق ذلك محضر معاينة أنجزه مفوض قضائي لفائدة الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، والتي تقدمت بشكاية أمام الوكيل العام متهمة العمدة ونائبه الأول بتبديد أموال عامة.
بداية الحكاية
خلال مطلع شهر غشت من سنة 2016، وعلى بعد أقل من ثلاثة أشهر على انطلاق فعاليات مؤتمر التغييرات المناخية (كوب22)، التي احتضنتها المدينة الحمراء ما بين 07 و18 نونبر من السنة نفسها، وقفت مختلف الجهات المعنية بالإعداد وإنجاح هذه التظاهرة، خاصة وزارة الداخلية، على بعض الاختلالات والبطء في الأشغال، ما جعلها تمر إلى السرعة القصوى في التحضير. وهو الأمر الذي جعل عبد الفتاح لبجيوي، والي جهة مراكش- آسفي المعزول، يراسل رئيس المجلس الجماعي لمراكش بتاريخ 16 غشت، من أجل التسريع في وتيرة الأشغال.
وبحسب هذه الرسالة، التي (تتوفر «الأخبار» على نسخة منها)، فإن الوالي أشار إلى أن الأشغال ذات الأولوية في إطار التحضير للقمة العالمية (كوب22)، والتي لم يتم الشروع فيها، ولم يتم اللجوء فيها بعد إلى مساطر عروض الأثمان، أن يتم اعتماد الصفقات التفاوضية من أجل إنجازها في الوقت المقرر لهذه التظاهرة العالمية. فهل التزم عمدة مراكش بمضامين هذه الرسالة وأجرى صفقات تفاوضية خاصة بالأشغال المرتبطة بالتحضير لقمة المناخ، أم أن هناك صفقات أخرى لا علاقة لها بهذه القمة؟ وهل الصفقات التفاوضية التي تم إبرامها باسم قمة المناخ أنجزت في الوقت المحدد، أي قبيل انطلاق هذه القمة؟ وهل الكلفة المالية لهذه الصفقات المسطرة في وثائقها توازي حجم الأشغال المنجزة على أرض الواقع؟
بلغ مجموع الصفقات التفاوضية التي أبرمها المجلس الجماعي لمراكش مع العديد من المقاولين 50 صفقة، ويتعلق الأمر بأشغال الإنارة العمومية، تهيئة الطرقات والتزفيت، الترصيف وتهيئة الحدائق وغيرها، وهي الصفقات التي كلفت حوالي 28 مليار سنتيم، ضمنها أزيد من21 مليارا ونصف المليار سنتيم، عبارة عن دعم من وزارة الداخلية، وأزيد من مليار و600 مليون سنتيم، كدعم من وزارة البيئة. وبلغ عدد الصفقات التي أشرف عليها النائب الأول للعمدة 49 صفقة، في وقت قياسي لا يتعدى شهرا واحدا، فهل لهذا الرجل، إلى جانب المهندس البلدي، القدرة والمؤهلات الكفيلة بالدراسة والاطلاع على عشرات الملفات ومئات الوثائق التقنية والمالية الخاصة بهذه الصفقات في ظرف وجيز؟
صفقات خارج السياق
بالعودة إلى طبيعة الأشغال المتعلقة ببعض هذه الصفقات والأماكن التي تمت فيها، يتضح أن لا علاقة لها بقمة المناخ. فالصفقة رقم 87-16، الخاصة بتهيئة ملعب القرب بحي الازدهار والتي كلفت حوالي 550 مليون سنتيم، لا تمت بصلة لقمة المناخ، فهذا الحي بعيد عن القرية التي احتضنت القمة بأزيد من 10 كيلومترات، وليست فيه أي مرافق سياحية أو فندقية لإقامة ضيوف المؤتمر. وهو الأمر نفسه الذي ينسحب على الصفقتين رقم 86-16، ورقم 81-16، ويتعلق الأمر أيضا بتهيئة الملعب الرياضي الحي الحسني بمقاطعة المنارة، والملعب الرياضي الحي الجديد بمقاطعة سيدي يوسف بن علي، وهما الصفقتان اللتان كلفتا على التوالي حوالي 350 مليونا و650 مليون سنتيم.
ومن بين أغرب الصفقات التي أبرمها نائب العمدة مع إحدى المقاولات «المحظوظة»، تلك المتعلقة بصباغة الأعمدة الكهربائية لشارع الحسن الأول الممتد من نافورة «البردعي» بشارع محمد الخامس حتى حدود شارع محمد السادس، مرورا عبر ملعب الحارثي، والتي كلفت 350 درهما للعمود الكهربائي الواحد، قبل أن يعود النائب الأول للعمدة بعد أيام ويبرم صفقة ثانية مع المقاولة نفسها من أجل إزاحة هذه الأعمدة وإثبات أخرى مكانها، «ما يكشف عن ارتجالية نائب العمدة في تدبير هذه الصفقات، وإمعانه في تبديد المال العام»، يعلق عبد الإله طاطوش، رئيس المجلس الوطني للجمعية الحقوقية السالف ذكرها.
والمثير للاستغراب في هذه الصفقات التفاوضية هو القيمة المالية التي كلفتها، إذ تضاعف تلك المسجلة على مستوى الصفقات الخاصة بعروض الأثمان التي تخضع للمنافسة بين المقاولات. فالصفقة التفاوضية رقم: 111-16 ، الخاصة بصيانة الطرق (التزفيت) كلفت حوالي 650 مليون سنتيم، والتي فازت بها الشركة المحظوظة (GRTP) التي حددت قيمة الطن الواحد من الزفت في 800.00 درهم، والكشط (كشط طبقة الزفت القديمة) في 30 درهما للمتر المربع، علما أن الأمر يتعلق بأزيد من 35 ألف متر مربع، وبـ5200 طن من الزفت.
أما الصفقة التفاوضية رقم 132-16، الخاصة بصيانة الطرق والتي فازت بها الشركة نفسها، فقد حددت قيمة الطن الواحد من الزفت في 800.00 درهم، بينما قيمة الكشط في 40 درهما للمتر المربع الواحد، وبلغت قيمة هذه الصفقة حوالي 200 مليون سنتيم، علما أن هذه الشركة المحظوظة فازت بصفقات تفاوضية أخرى بأثمان خيالية.
وبالعودة إلى الشركة نفسها، فقد سبق وأن فازت بصفقة في إطار عروض أثمان، خاصة بتهيئة الطرق، شاركت فيها مجموعة من المقاولات، حيث حددت قيمة الطن الواحد في 445 درهما، والكشط في 10 دراهم، بتاريخ 25 أكتوبر 2016، وبالمقابل فازت بصفقات تفاوضية من أجل إنجاز الأشغال نفسها وضاعفت قيمتها، حيث بلغت قيمة الطن الواحد من الزفت 800.00 درهم، بدل 445 درهما في الصفقة التنافسية، و40 درهما للمتر المربع للكشط بدل 10 دراهم في الصفقة التنافسية. والغريب في الأمر هو أن الصفقة التفاوضية تمت بتاريخ 20 أكتوبر والتنافسية (عروض الأثمان) بتاريخ 25 أكتوبر، أي أن الفارق بينهما هو خمسة أيام فقط، كانت كافية لمضاعفة القيمة المالية للأشغال، «دون أن تثير هذه الأرقام أي تساؤل لدى النائب الأول للعمدة الذي أشرف عليها، أو لدى محمد العربي بلقايد، رئيس المجلس الجماعي، الذي أشر عليها بالموافقة»، يعلق عبد الإله طاطوش.
لا علاقة للداخلية بصفقات المجلس
المعلومات التي استقتها «الأخبار»، من مصادر مسؤولة بوزارة الداخلية، تفيد بأن مصالح ولاية الجهة ووزارة الداخلية اكتفت بجرد الحاجيات والأشغال ذات الأولوية المرتبطة بالتحضير لمؤتمر التغييرات المناخية (كوب22)، «ولم يكن لها أي دخل في إبرام الصفقات التفاوضية أو تحديد قيمتها أو الشركات التي ستتكلف بإنجاز الأشغال المتعلقة بها، فهذا من اختصاص المجلس الجماعي وليس مصالح ولاية الجهة أو وزارة الداخلية»، يقول المصدر المذكور، مؤكدا أن ولاية الجهة لم تأمر بإبرام صفقات خاصة بأشغال تهيئة ملاعب القرب بكل من حي الازدهار، الحي الحسي وسيدي يوسف بن علي، «كما أنها لم تتدخل في أية صفقة من الصفقات التي أبرمها المجلس الجماعي لمراكش»، يضيف المصدر ذاته معلقا على تصريحات النائب الأول للعمدة.
بنسليمان يعترف
أكد البرلماني يونس بنسليمان، خلال الاستماع إليه من طرف الفرقة الجهوية للشرطة القضائية المكلفة بجرائم الأموال بولاية أمن مراكش، بتعليمات من الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالمدينة نفسها، أنه حصل على تفويض من عمدة المدينة لإبرام صفقات تفاوضية بمناسبة استعداد مدينة مراكش لاحتضان المؤتمر متعدد الأطراف حول التغيرات المناخية «كوب 22» سنة 2016.
وأوضح بنسليمان، في معرض تصريحاته، أن عملية تفويت الصفقات بشكل مباشر إلى الشركات عوض اللجوء إلى مسطرة طلب العروض، تمت بتعليمات كتابية من الوالي السابق لجهة مراكش- آسفي، عبد الفتاح البجيوي، والذي طلب من المجلس التسريع بعملية إطلاق الأشغال والأوراش استعدادا لهذا الحدث العالمي، وذلك عن طريق الصفقات التفاوضية، لتفادي تعقد مسطرة طلبات العروض.
وأوضح بنسليمان أن رئيس مجلس المدينة كلفه بالإشراف على هذه الصفقات بسبب غياب أمال ميسرة، نائبة الرئيس المكلفة بالصفقات العمومية، حيث قام بتفويت 49 صفقة بشكل مباشر إلى الشركات المستفيدة دون اللجوء إلى مسطرة طلب العروض، تتعلق بتهيئة المساحات الخضراء، وترميم وإصلاح الشوارع والطرق والإنارة العمومية. وبلغ المبلغ الإجمالي لكل هذه الصفقات، ما مجموعه 221.572.242,00 درهما، أي ما يفوق 22 مليار سنتيم. وكشف بنسليمان بخصوص الصفقات المتعلقة بإصلاح وترميم الشوارع والطرق، أنه تم تفويتها يوم 30 دجنبر 2016، تحت إشراف العمدة بلقايد، وذلك تفعيلا لطلب والي الجهة السابق، من خلال مراسلة رسمية مؤرخة بتاريخ 27 دجنبر 2016، يطالب من خلالها المجلس بتسريع وتيرة الأشغال قبل حلول موعد زيارة ملكية كانت مبرمجة في بداية سنة 2017.

التحقيق مع مقاولين
في إطار أبحاث الفرقة الجهوية التابعة للفرقة الوطنية للشرطة القضائية في شأن الصفقات التفاوضية التي أشرف عليها برلماني «البيجيدي» يونس بنسليمان، النائب الأول لعمدة مراكش، تم الاستماع إلى جميع المقاولين الذين استفادوا من هذه الصفقات للبحث معهم في ظروف وملابسات حصولهم عليها، ومدى احترامها للمساطر القانونية المعمول بها.
واستمعت الفرقة الجهوية إلى الممثلين القانونيين لشركتين، الأولى استفادت من صفقات الإنارة العمومية والثانية استفادت من صفقات خاصة بأشغال «التزفيت» و«البافاج».
وكان النائب الأول لعمدة مراكش أبرم 16 صفقة خاصة بالإنارة العمومية كلفت أربعة ملايير سنتيم، استفادت منها الشركة السالف ذكرها بست صفقات، إضافة إلى صفقة سابعة استفادت منها شركة أخرى مسيرتها ليست سوى قريبة صاحب الشركة الأولى، وبلغت القيمة الإجمالية للصفقات السبع المشار إليها مليارين و500 مليون سنتيم.
وعلمت «الأخبار»، من مصادر مطلعة، أن من بين الصفقات التي وقفت عليها أبحاث الفرقة الوطنية مع الممثل القانوني لهذه المقاولة، الصفقة الخاصة بصباغة الأعمدة الكهربائية لشارع الحسن الأول، والتي كلفت 350 درهما للعمود الكهربائي الواحد، قبل أن يعمل النائب الأول للعمدة على إبرام صفقة ثانية مع المقاولة نفسها من أجل إزالة الأعمدة الكهربائية واستبدالها بأخرى، وهو ما اعتبرته الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، في شكايتها الموجهة إلى الوكيل العام بمحكمة جرائم الأموال، «إمعانا في تبديد المال العام من قبل العمدة ونائبه الأول».
وهمت الأبحاث التي باشرتها الفرقة الوطنية مع الممثل القانوني للمقاولة التي استفادت من مجموعة من الصفقات التفاوضية الخاصة بالأشغال، القيمة المالية لصفقات همت عملية التزفيت لبعض شوارع المدينة بمناسبة (كوب22)، إذ بلغت 40 درهما للمتر المربع في عملية كشط الطبقات الأولى من الزفت، فيما بلغت عملية التزفيت 800 درهم للطن الواحد، علما أن الشركة نفسها، وقبل أيام معدودات من هذه الصفقة، استفادت من صفقة مماثلة في إطار تنافسي مع شركات أخرى، حيث حددت 10 دراهم للكشط عن المتر المربع الواحد، و450 درهما للطن الواحد في عملية التزفيت، حيث يبدو الفرق شاسعا بين أرقام الصفقة التنافسية والصفقات التفاوضية.
يذكر أنه سبق لمصالح الفرقة الجهوية للشرطة القضائية المكلفة بجرائم الأموال، أن استمعت إلى بنسليمان حول القضية نفسها بتاريخ 27 فبراير 2018، كما استمعت إلى عمدة المدينة، العربي بلقايد بتاريخ 23 فبراير 2018، واستمعت مصالح الشرطة القضائية إلى أزيد من 100 مقاول فازوا بهذه الصفقات، وبذلك تكون الأبحاث قد شارفت على نهايتها، إذ لم يتبق أمام الفرقة الجهوية سوى الاستماع إلى المهندس البلدي رئيس قسم الأشغال، والذي تعذر عليه الحضور إلى مقر الفرقة الجهوية لأسباب مرضية، ومن المتوقع أن يتم الاستماع إليه، بحر الأسبوع الجاري، بعدما سبق أن تم الاستماع إلى أربعة من زملائه، ويتعلق الأمر بمهندسين وتقنيين يشغلون مهام رئاسة مصلحة البنايات، مصلحة الطرق، مصلحة الإنارة والتشوير ومصلحة الأغراس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى