شوف تشوف

الرئيسية

اللغط الكبير

سعيد الباز
يبدو أن الكثير من مجتمعاتنا العربية قد دخلت إلى طور من الانحسار الثقافي والفني، بدأت تلوح ملامحه من خلال وقائع وأحداث مسترسلة بالغة الأهمية والدلالة. وصار بالإمكان القول اليوم إن الشاعر محمد الماغوط كان صادقا في وصفه للبلدان العربية، بأنها ذلك التابوت الممتد من الخليج حتى المحيط الأطلسي. ذلك أن الرأسمال الرمزي الذي تمثله الثقافة، يبقى أكثر المكونات التي تحصن المجتمع وتقيه من التيه والسقوط في الانحدار، وكلما كانت المؤسسات الثقافية على درجة من الوعي بدورها ووظيفتها التاريخية والاجتماعية إلا واستطاعت أن تمتلك القدرة على خلق النموذج الثقافي، الذي يطمح كل مجتمع إلى الوصول إليه.
ومن الظواهر السلبية التي يمكن تسجيلها، رغم تفاهتها أحيانا أو مطالبة البعض غض البصر عنها واعتبارها من الحوادث العرضية الخالية من أي معنى، حادثة تكريم الممثلة المصرية إلهام شاهين ومنحها لقب «سفيرة سيدة الأرض» وخاتما حاملا لصور أشهر المعالم التاريخية الفلسطينية، تقديرا لدورها في تجميع الجهد العربي لدعم القضايا والمبادرات الإنسانية، حسب قول اللجنة المنظمة.
هذا التكريم الذي تنظمه بشكل سنوي منظمة «سيدة الأرض» الفلسطينية، الذي تستمد اسمها من القصيدة الشهيرة للشاعر الفلسطيني محمود درويش «على هذه الأرض»، التي يقول فيها: «على هذه الأرض ما يستحق الحياة/ على هذه الأرض سيدة الأرض/ أم البدايات أم النهايات/ كانت تسمى فلسطين، صارت تسمى فلسطين».
ونظرا لما تمثله القضية الفلسطينية في الوجدان العربي، يحق السؤال الذي طرحه العديد من المتتبعين في الصحافة العربية وبعض وسائل التواصل الاجتماعي، عن أي دور يمكن أن تكون قد أدته الممثلة المصرية إلهام شاهين من أجل فلسطين أو غيرها يمكن أن يؤهلها لنيل هذا اللقب، لا على مستوى المواقف أو الأعمال الفنية؟
في حادثة موازية وارتباطا بما ترغب فيه العربية السعودية من محاولة مواكبة الاحتفالات العالمية، وخاصة اليوم العالمي للمرأة، ارتأى في المدة الأخيرة بعض المنظمين والفاعلين تنظيم احتفال بالمناسبة لتكريم مجموعة من السيدات كانت من بينهن المغنية المصرية سمية الخشاب، التي لم تخطف الأضواء فقط بسبب نجوميتها وإقبال المعجبين والمعجبات، بل خلقت ضجة أخرى حول دواعي تكريم نجمة غنائية لا تمت بصلة إلى المعاني الرمزية للاحتفال، وما قد يمثله المحتفى به في مثل هذه المناسبات من قيم نموذجية في شتى المجالات العلمية والأدبية والاجتماعية…
على المستوى المغربي، أثارت بعض الحوادث الكثير من التساؤلات حول وضعية الثقافة المغربية ومآلاتها، فقد تمت دعوة شاعرة لبنانية في ما يشبه نوعا من التكريم الذي كان الحرص فيه على أن يكون كبيرا. المثير في الأمر أن يطلق عليها هذا الوصف: «سليلة بيت الحداثة الشعرية»، باعتبار أن والدها هو الشاعر أنسي الحاج، وكأن بالحداثة وقد صارت لها شجرة أنساب تورث وتتوارث.
وفي حادثة أخرى بدت نزعة الألقاب والصفات الرنانة قد وصلت إلينا، وصار من الممكن أن نسمي سيدا أو سيدة للشعر العربي، فقط رغبة في المجاراة والعودة إلى تقاليد عفا عنها الدهر. إن هذه المظاهر بدأت تأخذ شكلا متزايدا في تكريسها وفرضها على المشهد الثقافي، من أهم خصائصها أن تصبح الفعاليات الثقافية ذات صبغة استعراضية لا تتورع عن دعوة نجم من النجوم بدعوى جلب الجمهور، والاحتفاء الزائد بالألقاب والمسميات… وما هي في الحقيقة سوى محاولة لتطويع العمل الثقافي يسعى إلى إفراغه من كل محتوى ثقافي، وتحويله إلى طقس احتفالي كرنفالي يحتفظ بالشكل ويلغي المضمون، ويصبح في النهاية مجرد لغط كبير. هذا اللغط الكبير عنوانه الغرق، أو كما قال الشاعر السوري نزيه أبو عفش: «فقط، حين يوشك على الغرق، المركب يتسع للجميع».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى