الرأيشوف تشوف

اللي طلع يطلب السلامة فالنزول

من الكلمات العميقة التي خلفها الشاعر جبران خليل جبران قوله “يحتاج الحق إلى رجلين، رجل ينطق به ورجل يفهمه”.
ولعله من باب قول الحق أن نصارح الحزب الذي يسير البلاد، بأن فوزه في الانتخابات الجماعية وتخليه عن رئاسة الجهات، رغم أحقيته بها، يدخل في باب خيانة الأمانة، فالناس عندما صوتوا للعدالة والتنمية اختاروا الحزب لكي يحكم، لأنه قال لهم بأنه يحارب أحزاب الفساد، فلما منحوه أصواتهم حملها في صناديق ومنحها للحزب الذي ينعته بالفساد. وقد كان أولى بعبد الإله بنكيران أن يطلب من الناس أن يمنحوا أصواتهم مباشرة للأصالة والمعاصرة، حتى يعفوه من التدبير المفوض للانتخابات.
والواقع أنه أحيانا تحدث الأشياء عكس ما نتوقع تماما، صحافية منحطة عرقلت طفلا سوريا حتى تمنعه من اجتياز أسلاك الحدود، فإذا به يحقق حلمه ويدخل ملعب ريال مدريد ويحتفل به نجوم الفريق ويصبح والده، اللاجئ الهارب من الخوف والجوع، مدربا لفريق شباب خيطافي بمدريد.
في أمريكا مراهق سوداني تحول في رمشة عين من متهم بالإرهاب إلى طالب نجيب يتلقى دعوة لزيارة البيت الأبيض وأخرى لزيارة مقر غوغل ويتوصل بعتاد تكنولوجي من مايكروسوفت، مع اشتراط التقاط صورة له مع العتاد على سبيل الإشهار، للشركة الأمريكية طبعا وليس للمراهق السوداني.
في المغرب بنكيران ربح الانتخابات وعوض أن يحكم الجهات جلس يحصي كل الجهات ومجالس العمالات التي أهداها للأصالة والمعاصرة، وعلى رأسها جهة الدار البيضاء التي فاز بها الباكوري بفضل أصوات العدالة والتنمية، هو الذي لم يستطع الفوز حتى في المحمدية مسقط رأسه.
أما في جماعة بني زرين التابعة لإقليم شفشاون فالعدالة والتنمية لم يكتف بالتصويت للأصالة والمعاصرة بل إن إخوان بنكيران منحوا أصواتهم إلى مرشح ينتمي إلى هذا الحزب ضدا على مرشح حزبهم الذي فاز بعشرين مقعدا، لنيل رئاسة المجلس الجماعي، رغم أن “البام” لم يحصل سوى على أربعة مقاعد بهذه الجماعة.
أما في وزان فقد تسبب العربي المحرشي، المستشار البرلماني وعضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة الذي طالب مزارعي الكيف بالثورة على رجال الدرك وعوض أن تتم متابعته تم إعفاء الجنرال مصمم، في زلزال داخل حزب العدالة والتنمية، إثر تحالف مستشارين من حزب رئيس الحكومة بإقليم وزان مع “البام” لدعم المحرشي الذي فاز بولاية ثانية على رأس المجلس الإقليمي.
حتى إن عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة الذي كتب مقالات تهاجم المحرشي، انتفض في وجه قيادة حزبه، مطالبا بمعاقبة من وصفهم بـ”الخونة” الذين تحالفوا مع “البام” لمنحه رئاسة المجالس الإقليمية بمدن وزان والعرائش وشفشاون.
أما الأمين بوخبزة برلماني العدالة والتنمية في تطوان الذي تم إبعاده من لوائح الحزب الانتخابية فقد خرج لها نيشان ووصف أخاه في الحزب ورئيس جماعة تطوان، إدعمار، بالتافه والألعبان، واتهمه بترشيح مبيضي الأموال القذرة في لوائح الحزب.
قبل أيام شاهدت برنامجا في البي بي سي حول طريقة صيد الأسماك، حيث يستعمل الصيادون الصينيون طيور الغاق بربط عنقها بحبل وإرسالها تحت الماء لاصطياد الأسماك.
طيور الغاق تعتقد بغباء، وهي تغوص وراء الأسماك لصيدها، أنها ستبتلعها لكنها بمجرد ما تصعد نحو السطح حتى يمسك بها الصياد ويخرج السمكة من حلقها ويضعها في سلته، وعندما تمتلئ سلال الصياد يمنح طيوره بضع سمكات صغيرة كطعام، وإن استطاعت مغافلة الصياد وسرقة سمكة والهرب بها بعيدا فعلت.
هذا بالضبط ما حدث لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة.
لذلك نستطيع أن نقول الآن بعدما هدأت طبول الحرب أن الحزب الحاكم خان الأمانة.
والسبب في ذلك في رأيي هو أن الحزب فطن إلى المأزق الذي يتجه إليه ففضل المشاركة عوض الحكم حتى لا يكون مضطرا لإقفال البيران.
سأل أحدهم مستشارا من الدار البيضاء ينتمي للحزب الحاكم حول السر في تنازلهم عن تسيير جهة الدار البيضاء ومراكش وغيرها، فأجاب جوابا يكشف عن براغماتية سياسية واضحة، قال له إن سعي الحزب وراء الابتعاد عن الجهات وإشراك حلفاء في التسيير كالأصالة والمعاصرة سيجعله بعيدا عن التسيير المنفرد وبالتالي سيبرر عدم إغلاقه للملاهي والحانات في عين الذياب وفنادق البالموري، انسجاما مع قناعات الحزب الدينية، فهو سيقول لمن ينكر عليه استمرار ترك البارات والملاهي مفتوحة كونه لا يسير وحده وأنه لو كان يسير بمفرده لكانت يده مبسوطة غير أن التحالفات تغل يداه.
وفي مراكش مثلا وجد الحزب الحاكم نفسه في ورطة وهو يرى رفض الأصالة والمعاصرة الانضمام إلى الأغلبية في تسيير المدينة واختياره المعارضة، خصوصا وأن الجميع يتذكر ما قاله وزير العدل الرميد وهو جالس في حضرة المغرواي شيخ سلفيي مراكش من أن أتباعه يذكرون الله في مدينة يحج إليها الناس لارتكاب المعاصي، فهل سيستطيع حزب الرميد وهو اليوم يسير مدينة مراكش أن يقطع دابر المعاصي ويغلق الخمارات والنوادي الليلية والبارات وشقق الدعارة السرية والعلنية أم أنه سيدس رأسه في الرمال مثل نعامة مفضلا جني عائدات هذه التجارة الفاسدة كضرائب لصندوق البلدية ؟
وبمناسبة الحديث عن الضرائب، لا أعرف ما إذا كنتم قد انتبهتم أم لا لما قاله وزير المالية والخازن العام للمملكة بخصوص تمويل الدولة مستقبلا لميزانية المدن.
وإذا فاتكم التقاط الإشارات التي أراد المسؤولان عن مالية الدولة إيصالها فيكفي أن نوضح أن الدولة عازمة على قطع التمويل العمومي عن المدن، أي أن المدن يجب أن تتعلم العيش على مواردها عبر تحصيلها للجبايات المحلية.
الآن نفهم بشكل أفضل لماذا فاز حزب العدالة والتنمية في المدن، فالحزب الذي أعطى مثالا جيدا على المستوى الحكومي في فرض الضرائب الجديدة وأيضا عندما استطاع أن يوفر 100 مليار درهم من صندوق المقاصة، تم وضعها في ميزانية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المبرمجة لسنة 2016 مطلوب منه الآن وهو يسير البلديات أن يعمل على وضع حد لمشكلة عويصة اسمها “الباقي استخلاصه”، أي كل تلك الجبايات المحلية الخيالية التي تقاعست الجماعات والبلديات ومجالس المدن عن استخلاصها.
والمدهش في المغرب أن كل مدنه وجماعاته تسجل بلدياتها فائضا سنويا كبيرا، لكن الرئيس الجديد عندما يأتي لا يجد أي أثر لهذا الفائض، ببساطة لأنه ليس في الصندوق بل في جيوب أصحاب المحلات التجارية والفنادق والمقاهي وكل الذين تتراكم لديهم مراسلات إدارة الجبايات داخل دواليب مكاتبهم دون أن يؤدونها للبلدية، فهم يكتفون بدفع “القهيوة” لبعض الموظفين المرتشين المكلفين بتحصيل الجبايات والذين تحولوا من موظفين بسطاء إلى ملاك للعمارات والأراضي الفلاحية.
وهكذا فالمطلوب من الحزب الحاكم اليوم أن يوفر أموال الجماعات من الجبايات غير الباقي استخلاصه كما وفر أموال صندوق المقاصة بإلغاء الدعم العمومي.
هذا الإجراء سينتج عنه أمران، الأول أن الدولة لن تصبح ملزمة بتمويل المدن وسيتم تخفيف ثقل مالي كبير عليها، وثانيا سيدفع حزب العدالة والتنمية ثمنا باهظا من شعبيته جراء إجبار التجار على دفع جباياتهم، فالمغاربة يحبونك طالما أنك لا تدس يدك في جيوبهم وبمجرد ما تغامر بذلك تصبح عدوهم الأول.

مقالات ذات صلة

ولا يقل لي أحد أن بنكيران فرض ضرائب على المغاربة وحذف عنهم الدعم ومع ذلك صوتوا له، فمن صوت لبنكيران هم شعب بنكيران وليس الشعب المغربي، لأن الشعب المغربي لم يصوت أصلا.
ولا تصدقوا بائع “البونج” الذي قال إن الطبقة البورجوازية صوتت للعدالة والتنمية لتجنب النموذج اليوناني، لأن الطبقة البرجوازية لا تصوت، ولو كانت تصوت لكان جمهور موازين الذي يقدر بمليونين والذي يشتري بطاقات ذهبية بأربعة آلاف درهم وسوداء بثلاثين ألف درهم للوقوف أمام المنصات قد صوت، والحال أن مليونين من جمهور موازين لو صوت في الرباط ربع عددهم لتجاوزت نسبة المشاركة سبعين بالمائة.
الآن هناك حملة للمطالبة بمنح الأغلبية الساحقة في الانتخابات التشريعية المقبلة لبنكيران، وأنا أطرح سؤالا بريئا، لماذا تريد هذه الأغلبية الساحقة، هل لتسحق بها البسطاء والفقراء ؟ لأن الأثرياء وكبار رجال الأعمال لن تجرؤ على الاقتراب منهم.
الجيش الإلكتروني لبنكيران أنشأ للمطالبة له بالأغلبية المطلقة صفحة على موقع للتواصل الاجتماعي تطالب الناس بمنحه الأغلبية الساحقة في الانتخابات المقبلة، تقول الصفحة “نريد صوتك للعدالة والتنمية”، أعطهم صوتك إذن واجلس لكي تنتظر المزيد من الضرائب التي ستصلك من تحت الباب.
أعطهم صوتك لكي يجمعوه مع الأصوات الأخرى لأشباهك ثم يشحنوه في صناديق الجرار الذي يحرث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى