خاص

المرجان «الأسود».. حين تهدد معاصر «الرحا» غير المرخصة الفرشة المائية ومستقبل البيئة الفلاحية بوزان

وزان: محمد أبطاش

مقالات ذات صلة

«خلال هذه السنة وعلى غرار السنوات الماضية، سيتم التعامل بصرامة أكثر مع المخالفين من أصحاب المعاصر التي قد تعرف تسرب مادة المرج من خلال فتح المتابعات القضائية في حقهم، ولن يكون هناك أي تساهل مع هذه الظاهرة التي أعتبرها عملا اجراميا في حق البيئة وساكنة الإقليم»، بهذا القول افتتح عامل إقليم تاونات كأعلى سلطة إقليمية، لقاء رسميا خصص لتدارس ملف معاصر الزيتون التي أصبحت تهدد الأرض والماء ومستقبل الفلاحة بإقليمي تاونات ووزان.
ورغم التحذيرات المرافقة لهذا الموضوع، فإن الظاهرة لا تزال مستمرة،  إذ إن «فيتور» الزيتون الصادر عن معاصر «الرحا» العشوائية أو ما يوصف بالمرجان «الأسود»، يدمر الفرشة المائية، ويهدد أهداف «المخطط الأخضر» لتنمية سلاسل هذا المنتوج بجهة طنجة تطوان الحسيمة، بالرغم من الجهود المبذولة لمحاصرة المعاصر العشوائية المتسببة في الظاهرة..

إنتاج ضخم
بالرغم من بعض السلبيات التي ترافق قطاع إنتاج الزيتون بوزان على وجه الخصوص، فإنه لا يمكن الحديث عن هذه الظاهرة دون التطرق لأهمية هذا القطاع، الذي يلعب دوراً اجتماعياً واقتصادياً هاماً بمتوسط ​​إنتاج سنوي يبلغ 200 ألف طن على مستوى جهة طنجة تطوان الحسيمة، وفقا لمعطيات توصلت بها «الأخبار» من قبل المديرية الجهوية للفلاحة بطنجة، على هامش إنجاز هذا الملف، والتي تؤكد أن هذه النسبة تعادل 10 في المائة من الإنتاج الوطني. ويتم توفير هذا الإنتاج من مساحة تبلغ 197 ألف هكتار من زيت الزيتون. وتضيف المعطيات الرسمية نفسها أن هناك 125 وحدة سحق حديثة في المنطقة، وكان هذا العدد لا يتجاوز 32 وحدة بعد بدء مخطط «المغرب الأخضر».

«الفيتور» والتلوث
أثناء عملية تدوير الزيتون، تتم إضافة كميات هامة من المياه قصد تسهيل هذه العميلة، ما ينتج مياها زائدة يطلق عليها المرجان أو «الفيتور»، وهي مادة سامة سائلة تتسبب في تلوث المحيط البيئي، فضلا عن أن لهاته المادة عدة آثار سلبية على مجاري وموارد المياه، سيما التي تصدر عن المعاصر العشوائية المسماة «الرحا» نسبة إلى الحجر المستعمل في ذلك، حيث تعتبر هذه المادة، حسب الخبراء، من بين أخطر المواد التي تفقد المياه طبيعتها وتجعلها شبه ميتة، وتفقدها مقومات الحياة، كما تفوق بـ100 مرة آثار التلوث التي تخلفها المياه العادمة المترتبة عن الاستعمالات المنزلية داخل الوسط الحضري والمناطق الصناعية، ويظهر ذلك من خلال لونها الأحمر الداكن، تشير بعض المعطيات العلمية في هذا الصدد، وهو ما جعل فعاليات ومؤسسات رسمية وشبه رسمية تدق ناقوس الخطر حول هذه المياه التي تلوث مناطق جبلية بوزان.
وحول خطورة هذه الظاهرة، قال عبد الرحيم الزويتني، (فلاح) بمنطقة الزومي بوزان، وعضو في تعاونية «أرياف وزان لزيت الزيتون»، في تصريح لـ»الأخبار»، إن هذه الظاهرة تلوث الأشجار وكل ما يتعلق بالبيئة، مسجلا أن الآبار المجاورة لهم بالمنطقة أضحت في خطر. وأضاف المصدر ذاته أنهم على تواصل دائم مع المؤسسات الفلاحية محليا للقضاء على هذه الظاهرة التي وصفها بـ»الفوضى»، وأنه بات من اللازم تقنين القطاع العشوائي، سيما معاصر «الرحا» على حد قوله، مشددا على أن كل المنتوجات الفلاحية بالمنطقة أصبحت مهددة، ومقترحا ضرورة إحداث صهاريج بيئية لهذه المعاصر حتى يتسنى لها توقيف عملية تلويث البيئة.

عطش واحتجاج
بالرغم من أن الظاهرة معزولة في ظل وجود معاصر تحترم الضوابط والمعايير القانونية الجاري بها العمل، فإنها دفعت سكان دوار بني عمران بجماعة زومي بإقليم وزان، في وقت سابق، إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام عمالة الإقليم، تنديدا بما تسببه معاصر الزيتون من مخلفات سامة، وطالبوا، على هامش هذه الوقفة، بإغلاق معصرة زيت الزيتون التي توجد بوسط الدوار لما تخلفه من أضرار بيئية وصحية على السكان. وتطرق المحتجون، في شكاياتهم، إلى أن المجالس الجماعية التي تصدر تراخيص للمعاصر دون التحري وراء ذلك، تتحمل مسؤولية جسيمة في هذا الجانب.
إلى ذلك، دخلت إطارات حقوقية على الخط، منها العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بوزان، والتي وجهت تقريرا مفصلا تنبه فيه إلى كون البيئة تتعرض لانتهاك خطير جراء مخلفات معاصر الزيتون المنتشرة بكل تراب إقليم وزان. وأكدت العصبة أنه تم الاستماع إلى مجموعة من المواطنين الذين أكدوا أن مخلفات الزيتون ألحقت أضرارا بالغة بالمجاري المائية والمنتوجات الفلاحية، معبرين عن استغرابهم واستنكارهم لتقاعس الجهات المختصة عن حماية البيئة من التلوث والانتهاكات الخطيرة التي تتعرض لها على مرأى ومسمع المسؤولين.
ومن النقاط المثيرة التي وردت في تقرير هذا المصدر الحقوقي، أنه لما استبشر السكان خيرا بالتساقطات المطرية التي من المنتظر أن تنعش الفرشة المائية وتساهم في جريان الوديان والأنهار لفترة أطول من السنة لتعويض النقص الحاصل من هذه المادة الحيوية بالإقليم خصوصا في فصل الصيف، فهم يجدون أنفسهم اليوم أمام كارثة بيئية قد تأتي على الأخضر واليابس، ومنها على وجه الخصوص العطش، خصوصا أن كل المجاري المائية والوديان أصبحت ملوثة بالكامل بفعل مادة المرجان الخطيرة التي تجهز بشكل شامل على كل مظاهر الحياة، سواء للبشر والشجر، والمواشي والمنتوجات الفلاحية الصيفية.

حلول وسط الأزمة
أظهرت عدة دراسات أن مخلفات المادة ذات الحمضية المرتفعة، والتي تحتوي على معادن ثقيلة، منها الزنك والحديد، لها تأثير غير هين على البيئة والفرشة المائية، ما جعل هذه الدراسات تبحث عن حلول وسط الأزمة، حيث اقترحت بعض هذه الدراسات، ومنها الصادرة عن مركز الإرشاد الفلاحي بوزان، أنه لتفادي هذا التلويث الخطير، لابد من اتباع ثلاث خطوات، أولاها بناء أحواض مكسوة بالخرسانة ومفروشة بصفائح بلاستيكية وفق مواصفات تساعد على تبخر سائل «المرجان»، ثم التخلص من المواد الصلبة المتبقية بعد التبخر، والخيار الثاني يتمثل في طريقة إيكولوجية عن طريق استعمال آليات حديثة تستند إلى التدرج في المعالجة عبر ما يعرف بنظام الدورتين المعمول به حاليا في كل من إيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان. وأكد المركز أن الخيار الثالث يتمثل في إنشاء محطة إقليمية متخصصة في معالجة مادة المرجان، عن طريق الاستعانة بالخبرتين الإسبانية والإيطالية، بالنسبة للمعاصر التقليدية التي لا تتجاوز طنا واحدا في اليوم، وتتعلق بالتخلص التدريجي من المرجان عبر رمي أكوام من التبن بأحواض مبلطة لتجميعه وتجفيفه في ما بعد، وإعادة استعماله أو بيعه كوقود يستعمل للأفرنة والحمامات.

مؤطر
المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية: «مسؤولية التلويث تتحملها المجالس الجماعية»
انتقلت «الأخبار» إلى المديرية الجهوية للفلاحة بطنجة، بغرض الحصول على بعض المعطيات الخاصة بالحد ظاهرة المرجان الأسود، والتي أحالتنا، بدورها، على مصالح المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية. وفي هذا الصدد، قال المدير الجهوي للمكتب محمد زردون، ردا على سؤال «الأخبار» حول المسؤوليات، بأن الجهات المختصة في السلطات المحلية والمنتخبة هي التي تتحمل المسؤولية بخصوص هذا الملف، على اعتبار أنها لم تقم بأي بادرة للحد من ظهور العشرات من المعاصر العشوائية التي تساهم في هذه الظاهرة، وذلك عن طريق القضاء على هذه المعاصر، لكونها تلوث البيئة، حيث إن غالبيتها تشتغل خارج المساطر القانونية الخاصة.
وأضاف المسؤول ذاته «لدينا برنامج لتأهيل وحدات زيت الزيتون بالمغرب، ككل، وخصوصا بالمناطق التي تعرف إنتاجا مهما كإقليم وزان. هذا التأهيل فيه تدرج، لأن عدد الوحدات كثير، ونحن في المكتب مسؤوليتنا في الترخيص لوحدات إنتاج الزيتون بترخيص صحي، وهناك تراخيص تسبق، منها الخاصة بالجماعات والقطاعات الموازية، ونحن لا نعطي ترخيصا حتى يحصل صاحب المعصرة على رخصة جماعية للبناء»، يضيف زردون.
وأفاد زردون بأن «المسطرة التي نتبعها هي الملف الإداري والتقني، أما بالنسبة لمسطرة التلويث فهي مرتبطة بالترخيص الجماعي، والمعروف أن دراسات التأثير على البيئة تكون سابقة للتراخيص القانونية، وغالبية هذه المعاصر المتسببة في هذا الوضع لا تتوفر على تراخيص «أونسا»«، مضيفا أن عدد المعاصر المرخصة بوزان لا تتجاوز 19 معصرة في الوقت الراهن، منبها إلى أن على الدولة والجهات الممولة أن تقوم بإعداد برنامج لتأهيل الفلاحين الصغار، حتى لا يتضرروا لأن غالبية هذه المعاصر تشكل خطرا على البيئة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى