شوف تشوف

الرأي

الموقعون أسفله

يلزمك الكثير من الصبر لإحصاء عدد الوقفات الاحتجاجية التي تقوم وتقعد في المغرب في كل لحظة. ربما يكون هناك من يحتج أثناء كتابة هذه السطور ضد أي شيء.
تقول حكمة قديمة: «لا تنفق وقتك في الاحتجاج ستصاب بالتهابات حادة في المفاصل. تعلّم أن تحتج جالسا، سيكون الأمر مفيدا لصحتك». ربما تكون هذه حكمة يابانية رغم أن البعض يقولون إنها روسية، والحال أن دولا أخرى تنسبها لنفسها دون أن يخرج صاحبها لإعلان ملكيتها الفكرية.. ربما كان جالسا ولم يقو على النهوض!
قد يكون هذا الأمر مضحكا، لكن الحقيقة أن هذه العبارة جديرة بالتأمل، أنفقنا سنوات طويلة ونحن نحتج ضد كل شيء تقريبا. ضد الحكرة وضد المقدم، وضد غلاء المعيشة وارتفاع فواتير الماء والكهرباء وضد ثقب الأوزون، وتضامنا مع القضية الفلسطينية التي نخرج من أجلها للشوارع ونتركها في الشوارع لنعود إلى بيوتنا في المساء.
وقفات احتجاجية ودقائق صمت تكفي لتوزيع هذه الفضيلة على دولة بأكملها ليصمت مواطنوها طوال حياتهم وليس لدقيقة فقط.
لكم أن تتصوروا حجم الجمعيات والرابطات والفعاليات التي تحتج في المغرب كل يوم ضد شكل من أشكال سوء التدبير أو الشطط في استعمال السلطة. كل يوم وقفات احتجاجية في جميع المدن ضد مشاكل متشعبة.
آخرون لم يعتادوا بعد على رياضة الوقفات الاحتجاجية، أو ربما يكونون حديثي عهد بها، وينسون أن الوقوف أمام الإدارات من أجل التنديد ضد سوء المعاملة قد يصيبهم بضربة شمس، وأن مشاكلهم كانت لتسوى لو ضغطوا فعلا على الموظفين أو قاطعوا الرشوة، بدل الوقوف في وقفات احتجاجية ورفع الشعارات لدقائق، ثم ممارسة رياضة المشي وصولا إلى المنازل، دون أن يتغير شيء.
يمكن للمواطن أن يحتج، فهذا حقه على كل حال، لكن ما فائدة الاحتجاج إذا كان تقديم الرشوة عقيدة وطنية. لا يمكن مثلا الاحتجاج ضد تراجع الخدمات العمومية والمواطنون يفرخون كل يوم أولادا مجانين يحطمون كل شيء بعد مباريات كرة القدم؟
لا يمكن مثلا أن تحتج ضد البلدية لأنها لا تجمع الأزبال دون أن تبادر إلى عدم إلقائها في أي مكان.
يمكنك أن تستغني عن الاحتجاج ضد تأخر الخدمات العمومية في الإدارات إذا قاطعت هذه الإدارة أساسا ورفضت كمواطن أن تلجأ إلى خدماتها، بدل أن تنظم الوقفة أمام الإدارة وتتسلل في المساء عبر الباب الخلفي لتمنح الموظف «قهوة» حتى تقضي مصالحك أولا.
لا يمكن لمواطن أن يحتج ضد المحسوبية والزبونية، وهو لا يستطيع بعدُ احترام الضوء الأحمر وتقدير قدسية ممر الراجلين.
سيكون من المضحك أيضا أن ينظم الآباء وقفة احتجاجية أمام ثانوية، ويرفعون شعارات تطالب المدير الوديع بالنهوض بجودة التعليم، رغم أن هؤلاء الآباء لم يسألوا أبناءهم يوما عن مقررات الدراسة.
لا يمكن أيضا، أن تحتج ضد غلاء فواتير الماء والكهرباء، وأنت تترك الصنابير مفتوحة. لا يمكن أيضا الاحتجاج ضد رداءة خدمات شركات الاتصالات وأنت تشاهد المباريات مقرصنة على حاسوب عتيق.
كيف يستطيع مواطن أن يحتج ضد رئيس جماعة، لم يسبق أن التقاه يوما إلا في صالون بيته، ذات وجبة عشاء دسم لشراء الأصوات قبل خمس سنوات؟ هل تتصور أن وقوفك تحت الشمس والمطر، وصبرك الطويل وأنت تشرب الماء من قارورة المياه المعدنية، وتعدل قبعتك الرياضية، سيأتي بالإصلاح أو يطيح بالمسؤول عن كل تلك المأساة؟
الذين يفهمون أن الاحتجاج عقيم في هذا البلد، هم المتسولون، إنهم أذكياء وعمليون. أدركوا أن الاحتجاج للفوز بسكن لائق لا يمكن أن يأتي بنتيجة، لذلك توزعوا بين الإشارات المرورية وفي كل مكان ظليل، ليمارسوا ثقافة الاحتجاج جالسين. هناك مستولون اليوم لا يمكنهم أبدا التخلي عن مناصبهم كمتسولين محترفين، لأن أي مهنة شريفة أخرى قد يشتغلونها، ستكون أقل أجرا من التسول وجمع «العملة» بالمجان.
بإمكانك، عزيزي المواطن، أن تكتب العرائض والملتمسات والمطالب، وتبدأها دائما بعبارة: «نحن الموقعون أسفله»، وبإمكانك أيضا أن تبدع في رفع اللافتات.. من سيقرؤها على كل حال؟ هل نسيت أن المسؤول نفسه غادر مقاعد الدراسة قبل تعلم حروف الهجاء؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى