الرئيسيةصحة

الهوس الاكتئابي.. عندما تجتمع الأضداد مع بعضها

يمكن اعتبار مرض الهوس الاكتئابي أحد أكثر الأمراض النفسية غرابة وإثارة للدهشة، ببساطة لأنه المرض الوحيد الذي يجمع الأضداد مع بعضها، فهل رأيت في يوم من الأيام شخصا قد يكون في القمة لتجده بين عشية وضحاها في الحضيض؟ وهل جربت أن ترى شخصا في نشوة الشغف والجنون ليظهر لك فجأة وهو في قمة الاكتئاب، وأن يكون هذا الشخص مندفعا ومتهورا ليبدو فجأة أنه شخص غير مبال؟ هي حالات لا تشبه بعضها بل أكثر من ذلك، كل حالة من هذه الحالات عكس الأخرى تماما، لكن في حالة الإصابة بالهوس الاكتئابي فإنها تماما ما يعيشه المريض.

يحمل مرض الهوس الاكتئابي اسما آخر وهو «الذهان الهوسي الاكتئابي» أو «اضطراب ثنائي القطب»، وهو من الأمراض النفسية التي تتعلق بعدم اتزان المزاج، وهو، أيضا، من الأمراض النفسية الصعبة لأنه يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية للمريض.
سمي هذا المرض الهوس الاكتئابي لأن المريض قد يعاني من حالة يتصرف خلالها بطريقة جنونية، وهو ما يسمى «الهوس»، ويصاب، كذلك، بالاكتئاب الشديد، لهذا فالمريض يحمل مرضين معا فيسمى المرض «الهوس الاكتئابي».
الأشخاص الذين يعانون من الهوس الاكتئابي يعانون لفترات طويلة قد تصل لأسابيع من حالات تغير المزاج الصعبة جدا، وكل هذه التغيرات المزاجية المتطرفة تؤثر بشكل كبير على الحياة الطبيعية للمريض، ليس هذا فحسب، بل إن المعاناة تمتد إلى الأسرة والعائلة وكل المحيطين بالمريض.

أعراض الهوس الاكتئابي
يرى الباحثون، بعد الأبحاث التي تم إجراؤها لدراسة حالة الهوس الاكتئابي، أن الأشخاص الذين يعانون من هذا المرض يعانون في الواقع من العديد من الأعراض، وهو سبب كبير يؤدي لعدم القدرة على تشخيص الحالة بسهولة، والأخطر أنه كلما تأخر المريض في أخذ العلاج ساءت حالته أكثر، خصوصا وأن هذه الحالة المرضية تؤدي في الكثير من الأحيان بمرضاها إلى الانتحار. لهذا يستوجب الأمر اكتشاف المرض بسرعة وتلقي العلاج الضروري لتجنب الأسوأ، ناهيك عن أن العلاج يعطي نتائج مذهلة ويستطيع بعدها المريض أن يسير حياته بشكل طبيعي، بالرغم من إصابته بالمرض إلا أن العلاج يساعده على التحكم فيه.
وبشكل عام، فإن المصابين بالهوس الاكتئابي يعانون من حالات غريبة متضادة بشكل واضح وكبير، فقد يبدون في أوج السعادة والفرحة وفجأة ينقلبون ليظهروا في قمة الاكتئاب، وهذه الأعراض قد تكون خفيفة أحيانا لكنها قد تكون شديدة في أحيان أخرى، بل يمكن أن تكون جد خطيرة، وفي أحيان أخرى قد لا يظهر المريض أية علامات للمرض، وهي فترة سكون.

بين الهوس والاكتئاب
من أهم الأعراض الظاهرة التي يصاب بها المريض بالهوس، أنه قد يكون في قمة وأوج السعادة، حيث تظهر عليه السعادة العارمة وفرط التفاؤل، ويظهر أنه شخص يثق في نفسه بشكل كبير، قبل أن يفقد هذا الشخص القدرة على تحكيم عقله، ويبدأ بالكلام بشكل سريع، وتبدو الأفكار في ذهنه كما لو أنها متراكمة وتريد الخروج في آن واحد، ويبدأ بالتصرف بشكل عدواني، كما يزداد نشاطه الجسماني وتزداد لديه الرغبة الجنسية، ويفقد الرغبة في النوم، وقد يبدأ بالتصرف بشكل خطير، والأكثر من هذا أنه قد يبدأ باستهلاك المواد المخدرة أو المسببة للإدمان.
الاكتئاب هو الجزء الثاني من المرض ويكون في الحالة المرضية الثانية التي يصاب بها المريض بعد حالة الهوس التي كان يعيشها. وهذه الأعراض قد تكون خفيفة لكنها قد تصبح شديدة، والأخطر أنها قد تؤدي بالمريض إلى الانتحار.
يصاب المريض عادة بالحزن وفقدان الأمل، لتبدأ الأفكار الانتحارية في السيطرة على عقله وفكره، مع شعور مستمر بالذنب، وفقدان القدرة على النوم، أي أن المريض يصاب باضطرابات النوم وبالإرهاق، ويفقد بالتالي الاهتمام بحياته اليومية وبالأنشطة التي كان يقوم بها، مع فقدانه القدرة على التركيز ويصاب بالتوتر والعصبية وبآلام مزمنة دون ظهور سبب لها.

أنواع الإصابة
من الممكن تقسيم الهوس الاكتئابي إلى قسمين، ويتعلق النوع بالحالة المسببة للمرض.
فالمصابون بالهوس الاكتئابي من النوع الأول هم، في العادة، أشخاص عانوا في الماضي من حالات الهوس، حتى وإن كان مرة واحدة على الأقل، وليس شرطا أن يكون المرض مرتبطا بالإصابة بالاكتئاب.
بينما المصابون بالهوس الاكتئابي من النوع الثاني، فهم، عادة، أشخاص عانوا في فترة أو فترات من حالة الاكتئاب، وأصيبوا لفترة أو لفترات بحالة الهوس الخفيف، وهي حالة تظهر معها على المريض أعراض الهوس لكنها تبدو أقل ضررا وأكثر اعتدالا، ولا تستمر إلا لبضعة أيام ولا تعتبر حالة خطيرة.
الفرق بين الحالتين الأولى والثانية يكمن في أن المصابين بالهوس الاكتئابي من النوع الأول تظهر عليهم أعراض الهوس، وترافقها بعض أعراض الاكتئاب، لكن، بالرغم من ذلك، فإن المريض يبقى قادرا على القيام بمهامه بشكل طبيعي ولا يحتاج إلى المكوث في المستشفى. هذا بخلاف المصابين بالهوس الاكتئابي من النوع الثاني، إذ إن أعراض الاكتئاب لدى هؤلاء تكون ظاهرة أكثر وأطول.
هناك نوع من الهوس الاكتئابي يسمى «اضطراب المزاج الدوري»، ويعتبر هذا المرض نوعا معتدلا من الاضطراب ثنائي القطب، ويشمل تبدل المزاج وترنحه بوتيرة سريعة جدا، إلا أن المريض لا يصل للحظات القمة والحضيض الخطيرتين على غرار الأنواع الأخرى من الهوس الاكتئابي.

الأسباب الحقيقية
في الواقع لم يحدد الباحثون، بعد، السبب الرئيسي وراء الإصابة بهذه الحالة النفسية الغربية، لكنهم يرون أن هناك مجموعة من الأسباب والعوامل التي تتداخل في ما بينها مسببة هذه الحالة، وهي عبارة عن عوامل وراثية وأخرى بيئية تؤثر بشكل كبير في الإصابة بالهوس الاكتئابي.
ولاحظ الباحثون، بعد مجموعة من الفحوصات، أن المرضى يعانون من تغيرات فيزيولوجية واضحة في أدمغتهم، وأن المصابين باضطراب الهوس الاكتئابي هم في الواقع تربطهم علاقة قرابة دموية مع أشخاص كانوا مصابين بالمرض نفسه. غير أن الأبحاث التي أجريت على التوائم أظهرت أن أحد التوأمين قد يصاب بالاضطراب بينما الآخر لا، وهو ما يدل على أن العامل الوراثي وحده غير كاف لتحفيز ظهور المرض.
يصيب النوع الأول من الهوس الاكتئابي النساء والرجال بشكل متساو، بينما الهوس الاكتئابي من النوع الثاني فيصيب عادة النساء أكثر من الرجال، وفي أغلب الحالات، فإن هذا الاضطراب يبدأ في الظهور ما بين سن الخامسة عشرة والثلاثين سنة.
ومن هنا يمكن تلخيص الأسباب الرئيسية المؤدية للإصابة بالهوس الاكتئابي في نقاط معينة، وهي قرابة الدم، أي التحدر من عائلة لها تاريخ مرضي مسبق للمرض، الإصابة بالتوتر الشديد أو الاكتئاب أو بالهوس في مراحل سابقة من عمر المريض، إدمان بعض المواد المخدرة، وأيضا تغيرات حادة في نمط الحياة، من قبيل فقدان شخص عزيز.

تشخيص المرض
عندما يشك الطبيب في كون المريض مصابا بالهوس الاكتئابي، يطلب منه القيام بمجموعة من الفحوصات، منها ما هو نفسي ومنها ما هو مختبري، مثل فحوصات الدم والرنين المغناطيسي وغيرها. وحتى يستطيع الطبيب أن يشخص الحالة بدقة، فعلى كل الأعراض الظاهرة له أن تتطابق مع المعايير المنشورة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، وهو دليل تم نشره من قبل الجمعية الأمريكية للطب النفسي، وهو المعتمد من قبل أخصائيي الأمراض النفسية من أجل تشخيص جل الأمراض والاضطرابات النفسية.
ومن المهم جدا أن يقوم الطبيب بتشخيص النوع المحدد للإصابة باضطراب ثنائي القطب، ويقوم بمعاينة النوبات التي تصيب المريض، على غرار الهوس أو الاكتئاب.
عند الانتهاء من التشخيص تبدأ مرحلة العلاج التي عادة ما تكون طويلة جدا، بل إنها قد تدوم مدى الحياة، بحيث يتم وصف أدوية لعلاج الهوس الاكتئابي يأخذها المريض حتى بعد تحسن حالته الصحية، مع استشارة الطبيب بشكل مستمر، مع إمكانية أن يخضع المريض للعلاج السلوكي الإدراكي أو العلاج الجماعي أو العلاج العائلي، وكلها طرق يتم اعتمادها من قبل الطبيب المختص في حالة المريض من أجل التوصل لأفضل النتائج العلاجية. وبالطبع، فإن العلاج يختلف من حالة لأخرى والطبيب هو من يقرر طريقة العلاج المثلى لكل مريض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى