شوف تشوف

الرأي

الوقوف بين يدي القنصليات

كلما أقبل الصيف وحلت معه فترة العطل والإجازات، يجد بعض المغاربة أنفسهم وقد حكمت عليهم الأقدار بالوقوف بين يدي واحدة من القنصليات المعتمدة في بلادنا، طلبا لتأشيرة ما. إذا كانت المرة الأولى فسيدرك حينها مدى الحجم والاعتبار الذي تحظى به بلاده، أو ما يسميه أهل السياسة والدبلوماسيون الوزن الدولي لبلاده. وعليه حينها أن يدع ما تلوكه نشرات أخبارنا عن التقدير والإكبار الذي تناله بلادنا شرقا وغربا، وأنه لم يبق أحد في الكون إلا وهو يكيل لنا المدح ويشيد بكرم خصالنا… عندما يقف ابن أجمل بلد في العالم تحت الشمس الحارقة خلفه صفوف وأمامه صفوف، وحين تستقبله وجوه واجمة ومتوجسة فستدور برأسه أفكار أخرى قد لا يعلم عنها شيئا أولئك المفروض فيهم أن يكونوا ساهرين على صورة البلد وحمايتها من هذا النوع من الإهانة التي تمس سيادة البلد وكرامته.
هذا الأمر يحدث يوميا أمام جل القنصليات الأجنبية في المغرب، وثمة روايات متعددة عن صنوف التنكيل بالمواطنين المغاربة الذين اضطرتهم الظروف القاهرة إلى تسول هذا النوع من التأشيرات اللعينة، والتي تقتضي من بعضهم السفر لمئات الكيلومترات ذهابا وإيابا، وقد يظفرون بها، أو لا يظفرون دون رد مصاريفهم، أو حتى كلمة أسف مواسية… ومع تكاثر الشكايات، تلجأ بعض القنصليات إلى التحايل بإدخال خدمات الأنترنيت في حجز المواعد للتقليل من صفوف الانتظار، إلا أن جوهر المشكل ظل ثابتا، والذي يكمن في عدم شفافية منح التأشيرات والمبالغة المفرطة في فرض وثائق تعجيزية والتي لا تعني سوى شيء واحد هو أن المواطن المغربي كيف ما كان، هو مهاجر سري ينتحل كل الصفات الممكنة لينتقل إلى قارتهم العجوز، حيث الجنة المزعومة…إن ما تروجه العولمة حول تحطيم الحدود بين البلدان، والدخول بالعالم إلى حقبة يتحرر فيها الاقتصاد العالمي والمبادلات التجارية، إنما هو كيل بمكاييل متعددة: فالحرية مكفولة للراسميل والشركات العابرة للقارات والاقتصاديات المختلفة، هي مضمونة للتكنولوجيات المتقدمة، لغزو الأسواق، هي أيضا ميسرة لانتقال الأشخاص من الشمال، ولم لا استيطانهم لبلدان الجنوب. ولكن، هي غير مقبولة لبلدان الجنوب بدواعي حقيقية وأخرى غير حقيقية مثل الهجرة السرية أو الإرهاب…
لو عادت بنا الذاكرة إلى عهود خلت يوم كان المغاربة يجدون مشقة في الحصول على جواز السفر من الإدارات المخولة لها بذلك، هذا الجواز الأخضر الذي كان أيامها بمثابة البطاقة الوطنية الحقيقية، لفهمنا كيف كان دائما وما زال السفر إلى الخارج إشكالا حقيقيا ولم يكن أبدا ممارسة عادية. هكذا يستمر هذا الوضع التمييزي الذي تحرص عليه هذه القنصليات والسفارات في وجه الوافدين غير المرغوب فيهم بفرض وثائق هي في الأصل شروطا، من أهمها إثبات دخل محترم ووضعية مهنية لائقة بهذا البلد العزيز المراد زيارته، فضلا عن تقديم ما يفيد القيام بكافة الحجوزات من نقل وإقامة، أو تعهد موثق للإيواء طيلة هذه الفترة. والمشهد الأخير الذي يحمل دلالة رمزية هو حين يعمد موظفو هذه القنصليات إلى أخذ بصمات المرشحين والمرشحات لهذه التأشيرات مع صور شخصية، حيث يبدو من عملية التحري من صحة تلك الوثائق المجحفة هي التأكد بما لا يفيد الشك أن المترشح للتأشيرة المباركة ليس مهاجرا مندسا، وأن عمليات أخذ البصمات والصور هي اليقين عينه بأنه ليس إرهابيا. آخر ما تفتقت عنه أريحية القنصليات والسفارات الأجنبية، هو اللجوء إلى خدمات شركات خاصة عملا بنظام المناولة وبذلك ضربت أكثر من عصفور بحجر واحد، تضمن من جهة مداخيلها الوافرة الأشبه بمكوس الأسواق في الأزمنة الغابرة، وتتخلص في الآن نفسه من الحشود الواقفة على أبوابها. وهنا بالتحديد يطرح السؤال الذي قد لا نجد له جوابا: كم تجني البلدان الغنية عبر سفاراتها وقنصلياتها في البلدان المتخلفة من أموال طائلة؟ لو عرفنا الجواب فلن يكون وقوفنا بين يدي القنصليات طلبا لتأشيرة ما، بل هو أشبه بمطلع قصيدة أمل دنقل (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى