شوف تشوف

الرأي

الويل لمن لا يعرف التاريخ

خالص جلبي
الويل لمن لا يعرف التاريخ لأنه يكرر ارتكاب الأخطاء مع الفوائد المركبة، ومن ليس عنده إحاطة بالتاريخ لا يوثق بعلمه. ومن كوارث الأمة أنها لا تريد معرفة تاريخها كما ينادي أصحاب القطيعة المعرفية، وبالمقابل كارثة أخرى من ادعاء قدسية تراثنا وهو تبجح كبير لأننا معشر البشر نصعد ونهبط، فلسنا ملائكة ولا شياطين. ومن أجمل ما خلفه لنا علماؤنا (علم الجرح والتعديل)، وكذلك (علم الأديان المقارن). ففي جو الصراع السياسي يستخدم المقدس كسلاح بتار، وهكذا تم تلفيق آلاف الأحاديث. ومما يروى عن (ابن حنبل) أنه دفع ابنه إلى حفظ خمسة آلاف حديث، حتى إذا تمكن منها قال له: يا بني إنها مكذوبة! تعجب الشاب عن جهد ضائع في كلام مكذوب ومروي عن رسول الرحمة (ص)، لم؟ لم؟ قال له: يا بني حتى إذا رأيتها عرفت أنها كذب في كذب. بل يروى عن (يحيى بن معين) وكان من الرواة أنه حضر في مسجد، فإذا بواعظ يروي عن يحيى بن معين، قال له: ويلك أنا يحيى بن معين ولم أتحدث بما تقول؟ أجاب ببلاهة: وهل تظن أنه لا يوجد أحد غيرك يدعى يحيى بن معين؟
هكذا نشأ علم الحديث (رواية) و(دراية). الرواية هي سند النقل عن فلان عن فلان، أما الدراية فهي المعقولية في الحديث. نرى على سبيل المثال حديث أبي هريرة عن قطع الصلاة بثلاث من الحمار والمرأة والكلب الأسود (زيادة في العنصرية)! بل يسأل الصحابي: يا رسول الله فما بال الكلب الأسود؟ يجيب رسول الرحمة (ص): إنه شيطان! مسكين الكلب الأسود! أنا شخصيا في طريقي من تطوان رأيت كلبة سوداء رائعة معها عشرة جراء يلفحهم البرد تكوموا على بعض، تمنيت لو كنت قريبا من بيتي كي آويهم. نقرأ في باب التهجد عند البخاري استنكار عائشة (رضي الله عنها) هذا الحديث اللاعقلاني والعنصري وتقول: ويلك أبا هريرة وضعتنا بين الكلاب والحمير؟ الشيء نفسه نراه عن عمر (رضي الله عنه) وهو يعلو بالدرة (الزرواطة بالتعبير المغربي) رأس أبا هريرة لإكثاره من الأحاديث. لذا نحن أمام مصطلح جديد ليس الأحاديث الموضوعة، بل الأحاديث العقلانية، وهي الطريقة الثانية التي غفل عنها العالم الإسلامي بما عرف برواية الحديث دراية. وفي هذا يبدع ابن خلدون في مقدمته، حين يضع قاعدة سداسية للتأكد من الأخبار (لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبائع العمران وأحوال الناس ولا قيس الغائب منها بالشاهد والذاهب بالحاضر، فلا يأمن فيها الإنسان من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق، وهو ما وقع لكثير من أئمة النقل والتفسير)، وانتبه إلى الفقرة الأخيرة جيدا.
بوركتم يا علماء الأمة لهذا الجهد الرائع في وضع منهج التعرف على الكذب من الصدق في الأخبار، وهو علم يتخصص فيه الناس بأوربا في الوقت الحاضر، بثلاث طرق من فبركة الخبر بالكامل، أو التلاعب به، أو تضخيم وتقزيم المحتوى. أذكر من إيران والأسد الأب يدك مدينة حماة على رؤوس أهلها، كما هو الحال الآن في اجتياح روسيا لسوريا، كيف ذكرت جريدة «كيهان» الإيرانية الحدث بخمس عشرة كلمة، أن ثمة إرهابيين يقتلون. وهو الشيء نفسه في مؤتمر دول عدم الانحياز في طهران، والرئيس المصري مرسي المنتخب يذكر سوريا، فيبدل المترجم الفارسي كلمة سوريا بالبحرين. إنها كلمة بكلمة كما فعل صديقنا الشحرور في منهجه في اللعب بالكلمات، فكلمة نساء تعني نسيئة والبنون البنايات. وهكذا
علم الحديث وعلم الأديان المقارن تم على يد جهابذة من علماء الإسلام. وعلى القارئ المهتم بالثقافة أن تكون في مكتبته ثلاثة كتب: الملل والنحل لابن حزم والشهرستاني، ثم الفرق بين الفرق للقرافي.
الويل لمن لا يعرف التاريخ والسوريون دفعوا ثمن الغفلة مليون قتيل وفرار عشرة ملايين بسبب خطأ تاريخي. نفتح كتاب الملل والنحل صفحة 24 لنقرأ ما يلي: النصيرية والإسحاقية من غلاة الشيعة ولهم جماعة ينصرون مذهبهم، وبينهم خلاف في كيفية إطلاق (الألوهية) على الأئمة من أهل البيت، قالوا: ظهور الروحاني بالجسد أمر لا ينكره عاقل إما في جانب الخير كظهور جبريل عليه السلام ببعض الأشخاص والتصور بصورة أعرابي والتمثل بصورة البشر، وإما في جانب الشر كظهور الشيطان بصورة الإنسان، وظهور الجن بصورة بشر حتى يتكلم بلسانه، فلذلك نقول إن الله ظهر بصورة أشخاص ولما لم يكن بعد رسول الله (ص) شخص أفضل من (علي) عليه السلام وبعده أولاده المخصوصون هم خير البرية، فظهر الحق بصورتهم ونطق بلسانهم وأخذ بأيديهم فعن هذا أطلقنا اسم (الألوهية) عليهم، وإنما أثبتنا هذا الاختصاص لعلي دون غيره لأنه كان مخصوصا بتأييد من عند الله مما يتعلق بباطن الأسرار. قال النبي (ص): أنا أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. وعن هذا كان قتال المشركين للنبي (ص) وقتال المنافقين لعلي، وعن هذا شبهه بعيسى بن مريم وقال: لولا أن يقول الناس فيك ما قالوا في عيسى وإلا لقلت فيك مقالا وربما أثبتوا له شركة (مشاركة) في الرسالة، إذا قال فيكم من يقاتل على تأويله كما قاتلت على تنزيله ألا وهو خاصف النعل؛ فعلم التأويل وقتال المنافقين ومكالمة الجن وقلع باب خيبر لا بقوة جسدانية هو من أدل الأدلة على أن فيه جزءا إلهيا وقوة ربانية، أو أن يكون هو الذي ظهر الإله بصورته وخلق بيده وأمر بلسانه وعن هذا قالوا: كان هو موجود قبل خلق السماوات والأرض؛ فالنصيرية أميل إلى تقرير الجزء الإلهي والإسحاقية إلى تقرير الشراكة في النبوة). على القارئ مراجعة هذه النصوص لمعرفة التاريخ، وأن سوريا الحالية هي بيد هذه الطائفة التي سماها الفرنسيون حين احتلوا سوريا العلويين. حاليا يدفع السوريون ثمن الغفلة التاريخية، ويسلم البلد إلى القوزاق الروس والفرس الإيرانيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى