شوف تشوف

شوف تشوف

انتخابات 4 شتنبر في عشر نقط (2/1)

تماما كما توقعت
الآن وقد وضعت حرب الانتخابات أوزارها أود أن أسجل بعض الملاحظات على هامشها في عشر نقط.
أولا، لم أجانب الصواب عندما كتبت في عمود الجمعة الماضية أن حزب العدالة والتنمية سيحرز المرتبة الثالثة في الانتخابات الجماعية، وهو ما حدث بالفعل في انتخابات كانت أول انتخابات في تاريخ المغرب تجري تحت الإشراف المباشر لرئيس الحكومة، وبالتالي فقد كانت أسوأ انتخابات من حيث التنظيم ومن حيث الحملة الانتخابية لجميع الأحزاب بدون استثناء.
فالجميع شاهد العنف الجسدي، الهمجي في بعض أوجهه، من صراع بالسلاح الأبيض بين الخصوم وقطع للأعضاء وخطف وابتزاز، والجميع سمع العنف اللفظي الذي كان رئيس الحكومة بطله بدون منازع.
وطبعا لا يمكن فصل العنف الجسدي واللفظي الذي شهدته الانتخابات عن العنف الذي يعيشه المغاربة يوميا في المجتمع، فالسياسيون عندنا يشرملون بعضهم البعض مثلما يشرمل المغاربة في الشارع بعضهم البعض، فلدينا السياسيون الذين نستحق.
ثانيا، سيكون من السابق لأوانه الحديث عن فوز انتخابي لهذا الحزب أو اندحار لحزب آخر الآن، ومن يتسرع في إعطاء النتائج النهائية للانتخابات سيبدو كأي شخص «مسبق الفرح بليلة»، فما ظهر اليوم من نتائج تعطي المرتبة الأولى للأصالة والمعاصرة والمرتبة الثانية لحزب الاستقلال والمرتبة الثالثة للعدالة والتنمية، ليس هو النتائج الحقيقية، إذ يجب لتكوين صورة شاملة ومضبوطة لنتائج الانتخاب انتظار ما سيسفر عنه انتخاب أعضاء المجالس البلدية وأعضاء المجالس الإقليمية وأعضاء المجالس الجهوية، الذين بدورهم سيصوتون في الثاني من أكتوبر المقبل على أعضاء مجلس المستشارين، الغرفة الثانية التي تعتبر «القرقارة» التي تنتهي إليها كل القوانين، وفيها يتقرر رفع الفيتو في وجه بعضها وترك بعضها الآخر يتسرب.
وبالنظر إلى النتيجة المعلن عنها في الانتخابات البلدية فمن المحتمل جدا أن خريطة مجلس المستشارين لن تخرج عن الترتيب الحالي، بمعنى أن الأصالة والمعاصرة سيبسط سيطرته على الغرفة الثانية، يتبعه الاستقلال والعدالة والتنمية.
ثالثا، لا يمكن فصل هذه الانتخابات ونتائجها عن المناخ الإقليمي والدولي الذي يحيط بالمغرب، وهنا لا يجب أن يفوتنا التقاط الإشارة التي أرسلتها الخارجية الأمريكية على شكل بلاغ على الساعة العاشرة ليلا حيث اعتبرت واشنطن أن انتخابات الرابع من شتنبر تعتبر خطوة دالة وإيجابية نحو الجهوية، مما يعني أن واشنطن مرتاحة لنتائج هذه الانتخابات التي مكنت العدالة والتنمية من الفوز بالأغلبية المطلقة في المدن الكبرى ذات نظام المدينة كطنجة والبيضاء وسلا وفاس والقنيطرة والرباط وأكادير ومراكش وطانطان.
بيان الخارجية الأمريكية جاء بعد صمت وزارة الداخلية عن إعلان النتائج الأولية دام ست ساعات بعد إغلاق مكاتب التصويت. وخلال هذا الوقت اجتمع الأمناء العامون للاتحاد والاستقلال والأصالة والمعاصرة لبحث موقف سلبي من الانتخابات.
وقد تسرب حديث غامض، وغير مؤكد، عن اتصال وزير العدل برئيس الحكومة لإطلاعه على عدم ارتياحه لهذا الصمت الذي يخرق الاتفاق الذي تم بين وزارة العدل ووزارة الداخلية للإشراف على الانتخابات، إلى أن وصلت الواحدة ليلا ففك الله عقدة لسان وزير الداخلية وأعطى الأرقام الأولية.
رابعا، عندما شبه الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران في مقر الحزب نفسه بالنملة المجدة فيما شبه خصومه بالصراصير المنشغلين باللهو، فإنه لم يأت بجديد، بل إنه فقط «سرق» مني هذا الوصف دون أن يذكر المصدر عندما كتبت يوم 12 فبراير الماضي عمودا في نفس هذا المكان تحت عنوان «الصرار والنملة» قلت فيه بالحرف «طوال ثلاث سنوات، وأحزاب المعارضة نائمة في العسل وخدر معارك الزعامة، فيما حزب العدالة والتنمية الذي يقود التحالف الحكومي، يكد ويجد في جمع الأصوات وتمويل الجمعيات و«تبليص» أطره في المناصب العليا وإحكام قبضته على الإدارات والمؤسسات المانحة للدعم للجمعيات والتعاونيات.
وغدا سيأتي هؤلاء الصراصير، الذين رقصوا وغنوا طيلة الصيف، إلى التلفزيون وطرق البيوت باحثين عن حبات القمح شبه باكين مستعطفين، لكي يمنحهم الناس القليل من أصواتهم حتى يعودوا إلى أفراحهم وإقاماتهم الفارهة ودواوينهم الدافئة ورواتبهم السمينة».
وهذا ما حصل بالضبط، فحزب العدالة والتنمية، رغم حصوله على المرتبة الثالثة، فإنه في الواقع حصل على المرتبة الأولى، لأنه أحرز على الأغلبية المطلقة في مدن استراتيجية كانت تحت نفوذ خصومه، كفاس التي انتزعها من الاستقلال وسيضع في عمادتها الوزير الأزمي، أو بأكادير والرباط قلعتي الاتحاد، أو الدار البيضاء التي سيضع على عمادتها الوزير العماري.
فوز العدالة والتنمية لم يكن مفاجئا إلا للذين يملكون ذاكرة ملساء، وللذين يهتفون اليوم بفوز العدالة والتنمية متهمين كل من ينتقد تسيير الحزب للبلد بالخيانة والفساد، عليهم أن يعودوا إلى عمودي الثلاثي الأجزاء الذي يحمل عنوان «لهذا سيفوز بنكيران بالانتخابات» الصادر يوم 21 فبراير، لكي يتأملوا كيف توقعت انتصار حزب العدالة والتنمية أشهرا قبل موعد الانتخابات، خصوصا عندما قلت «ووصفة النجاح ليست سحرية، بل إنها معروفة و«مجربة» كما يقول الطباخون المحترفون.
هناك التنظيم وانضباط القواعد، وهناك الأدوات والوسائل (…) عندما خاطب عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، المعارضة في البرلمان مستهزئا قائلا إنه مع معارضة كهذه سينام وسيفوز بالانتخابات، فإنه لم يكن يمزح، بل إن كلامه جد في جد. إذ لم تعش المعارضة حالة من التشرذم والضعف في التاريخ السياسي المغربي مثلما تعيشها اليوم. ولذلك فقوة حزب العدالة والتنمية تكمن في ضعف المعارضة وليس في شيء آخر. فالحزب الذي يقود الحكومة اجتمعت لديه كل أسباب الفشل والسخط الشعبي (…) لكن الحزب مع ذلك يبدو في صحة جيدة ويعطي مؤشرات قوية على قدرته على اكتساح الانتخابات المقبلة.
والواقع أن المستفيد الأكبر من عزوف المواطنين عن التسجيل في اللوائح، وبالتالي مقاطعة العملية الانتخابية برمتها، هو حزب العدالة والتنمية تحديدا.
فالحزب الحاكم غير محتاج لكي يسجل المواطنون أنفسهم في اللوائح الانتخابية، لأن الحزب يتوفر على جيش جاهز للتصويت لصالح مرشحيه، وهم أعضاء الحزب ومناضلوه وعائلاتهم والمتعاطفون مع الحزب.
وبأصوات هذا الاحتياطي الهائل من الأصوات يستطيع الحزب أن يربح الانتخابات، أولا لأن عددهم يصل إلى حوالي 900 ألف صوت، وثانيا لأنهم منضبطون وملتزمون مع الحزب وغير قابلين للمساومة، وبالتالي فأصواتهم مضمونة ومحسومة قبلا.
وإذا تسجل بضعة آلاف آخرين من المواطنين في اللوائح الانتخابية وأدلوا بأصواتهم لصالح مرشحي العدالة والتنمية، فذلك سيكون من باب «المعروضة من الخير»، أي أن الحزب الحاكم «ماعوالش» على أصوات الناخبين العرضيين، بل إنه يعول أساسا على أصوات مناضلي الحزب وأعضاء الشبيبة وأذرعه الدعوية والنقابية والجمعوية، وأعضاء التعاونيات المنتشرة في كل أقاليم ومدن المملكة، والممول أغلبها من صندوق التعاون الوطني.
وبعدما عرف رئيس الحكومة أن معركة الانتخابات محسومة لصالح حزبه، عبر عن ذلك صراحة وقال لمناضلي حزبه إنهم سيفوزون بالانتخابات المقبلة وبالتي ستليها، يقصد التشريعية. مما يدل على أن رئيس الحكومة ضمن البقاء في رئاسة الحكومة، أو في الحكومة على الأقل، لعشر سنوات كاملة، وهي بالضبط المدة التي قضاها الاتحاد الاشتراكي في الحكومة قبل أن ينتهي إلى ما هو عليه اليوم».
هذا بالضبط ما كتبته قبل أشهر من اليوم، وقد أظهرت الأحداث والوقائع صدق ما توقعت.
لذلك نقول للذين يتحمسون اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي للشماتة في شخصي، أنني كنت أول من توقع حصول حزبكم على ما حصل عليه، للأسباب التي ذكرت.
يعني بعبارة أخرى أقول لهؤلاء الجهلة «سيرو تقراو»، حتى لا أقول لهم شيئا آخر، فأنا لست خصما سياسيا لبنكيران أو غيره، بل أنا مجرد صحافي سيستمر في مراقبة طريقة صرف المال العام من طرف كل من يرشحه المغاربة لتسيير شؤونهم، حتى ولو حصل على رئاسة بلديات المغرب قاطبة.
خامسا، حصول العدالة والتنمية على المرتبة الأولى في بعض المدن لا يعني أنه سيفوز برئاستها، فهو سيترأس المدن التي حصل فيها على أغلبية مطلقة تعفيه من البحث عن تحالفات، أما المدن التي لم يحصل فيها على الأغلبية المطلقة فهناك احتمال كبير لكي لا يترأسها، لسبب بسيط، وهو أن حلفاءه في الحكومة، أي الأحرار والحركة الشعبية، سيتحالفون مع خصومه في الحكومة، أي الاستقلال والأصالة والمعاصرة لتشكيل المجالس البلدية والمجالس الإقليمية والمجالس الجهوية.
وهذه مفارقة مغربية بامتياز، فالأحزاب المتحالفة مع العدالة والتنمية في الحكومة ستدير له ظهرها وستتحالف مع خصومه في المجالس الجماعية.
«وفهم شي حاجة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى