شوف تشوف

شوف تشوف

“بازار” تركي 2.1

 

 

خلافا لباقي القرارات التي اتخذتها الحكومة بالرفع من الرسوم المطبقة على استيراد مجموعة من المواد المصنعة في بلدان أوربية وآسيوية، انتفض إخوان حزب العدالة والتنمية على القرار الذي اتخذته وزارة الصناعة والتجارة والاستثمار الرقمي، بفرض ضرائب على مستوردي منتجات النسيج والألبسة من تركيا، بهدف حماية المنتوج المحلي الذي لحق به الضرر بسببها، وهكذا ضربت النفس بعض برلمانيي العدالة والتنمية على إخوانهم التجار الترك الذين سيكون على المستوردين المتعاملين معهم دفع رسم الاستيراد بنسبة تصل إلى 90 بالمائة من السعر الأساسي للسلعة.

ولكي نفهم سبب “بكائيات” قادة وبرلمانيي حزب العدالة والتنمية، وعلى رأسهم البكاي الكبير الأزمي، فإن أغلبهم يملكون شركات استيراد من تركيا التي تغدق عليهم بالسلع المدعمة من طرف الدولة، وإلا لماذا لم يحتجوا على التدابير المضادة لإغراق السوق التي اتخذتها الحكومة قبل ثلاثة أشهر، والتي فرضت على منتجات مستوردة من الصين والبرتغال وإسبانيا، لأن فرض الرسوم على الملابس التركية سبقته قرارات بفرض رسوم مضادة للإغراق، أو ما يسمى dumping بخصوص الثلاجات ذات المنشأ الصيني والتايلاندي والتركي، و”بلاطات” الزليج ذات المنشأ الإسباني، والدفاتر المدرسية ذات المنشأ التونسي، وأيضا الواردات أيضا من الأنسولين ذات المنشأ الدنماركي، وصفائح الصلب المدرفلة بالحرارة ذات المنشأ الأوروبي والتركي، وصفائح الصلب المدرفلة الباردة والمطلية أو المغطاة والخشب المتعاكس ذات المنشأ المصري، والبولي كلوريد الفينيل ذات المنشأ الأوروبي والمكسيكي، ولفائف الورق وماعون الورق.

كل هذا لم يشأ برلمانيو العدالة والتنمية وعلى رأسهم البكاي الأزمي رؤيته، فكل ما يهمهم هو “علاش تفرضو رسوم على حوايج تركيا”، لإعطاء انطباع للشعب المخدوع أن السلعة التركية مستهدفة.

تركيا استفادت من الحرب في سوريا واستطاعت تنمية قطاع النسيج لديها بفضل القطن السوري المهرب من طرف داعش على الحدود بين سوريا وتركيا، وهناك الْيَوْمَ مصانع اشتراها أتراك في الدار البيضاء تصنع الألبسة وتضع عليها علامة صنع في تركيا، فضلا عن وجود استثمار تركي كبير في مشروع بالجزائر بقيمة مليار ونصف مليار يورو، لصناعة الألبسة والنسيج الموجه إلى المغرب، لأن الأتراك ينظرون إلى المغرب كبلد مستهلك فقط وليس بلد استثمار وإنشاء المصانع.

من حق المغرب أن يحمي قطاعاته المشغلة لليد العاملة، خصوصا بعدما ألحقت الصادرات التركية الموجهة إلى المغرب، والمدعمة من طرف أردوغان، أضرارا وخيمة بالاقتصاد الوطني الذي يقدر بـ1200 شركة متخصصة في صناعة الملابس والنسيج، توفر حوالي 170 ألف منصب شغل من أصل 400 ألف يشتغلون بقطاع النسيج والألبسة، باعتباره المشغل الأول في قطاع الصناعة بما يقارب 27 في المائة من الوظائف الصناعية الوطنية.

لقد شهدت صناعات النسيج والألبسة الموجهة إلى السوق المحلية اضطرابات خطيرة خلال السنوات الأخيرة بسبب تزايد ورادات هذا المنتوج بأسعار تنافسية من المنشأ التركي، بالإضافة إلى انخفاض متوسط أسعار هذه الواردات مقارنة مع موردين آخرين في المغرب.

وتستفيد الواردات التركية من ولوج تفضيلي للسوق المغربية بموجب اتفاقية التبادل الحر الموقعة بين المغرب وتركيا، وقد أدى هذا إلى تزايد حدة ارتفاع الصادرات التركية نحو المغرب من منتوجات النسيج والملابس بنسبة 175 في المائة ما بين سنتي 2013 و2017، تزامنا مع حكومة عبد الإله بنكيران السابقة، وقد أدى هذا الارتفاع المستمر من المنتوجات التركية إلى إضعاف العديد من الوحدات الصناعية الموجهة نحو السوق المحلية، وإحداث خسائر مهمة في مناصب الشغل لقطاع جد حساس بالنظر إلى العواقب الاجتماعية التي يمكن أن يحدثها هذا التطور.

والحقيقة أن كل ما نجح رئيس الحكومة السابق فيه هو إفساح المجال للشركات التركية التابع أغلبها لتنظيم الخدمة الذي يقوده عبد الله غولن المتهم من طرف أردوغان بتدبير انقلاب ضده.

وهكذا في الوقت الذي أفلست فيه 13 ألف مقاولة بين 2013 و2015، بسبب الركود المالي والاقتصادي نرى كيف انتعشت الشركات التركية وتوسعت في المغرب.

 

والفضل في ذلك يرجع طبعا إلى العلاقات السرية والعلنية التي تربط رجال أعمال أتراك من حركة غولن مع مسؤولين وقياديين في حزب العدالة والتنمية وفي التنظيمات الموازية للحزب الذي يرأس الحكومة.

هذه العلاقة تظهر بشكل جلي في الحضور البارز للأتراك في أنشطة التنظيمات الموازية لحزب العدالة والتنمية، خاصة الأنشطة الاقتصادية بالدرجة الأولى، وكمثال على ذلك، لقاء من ضمن العديد من اللقاءات عقدته جمعية “أمل” للمقاولات المقربة من حزب رئيس الحكومة، خلال سنة 2013 بمراكش والذي عرف حضورا بارزا لرجال أعمال ومسؤولين أتراك مقابل حضور باهت لرجال الأعمال المغاربة.

وفي الوقت الذي تعاني فيه أغلب سلاسل التوزيع الكبيرة بالمغرب من تراجع الطلب، الذي أثر نوعيا على رقم معاملاتها، ودفعها إلى تقليص العروض التخفيضية بشكل طفيف، حافظت شركة “بيم” على وتيرة عروضها التخفيضية، بل أكثر من ذلك استحدثت عروضا أخرى أكثر إغراء للزبون، وذلك من خلال إطلاق تخفيضات استثنائية كل يوم جمعة، تصل إلى 50 في المائة عن السعر الحقيقي.

وبالإضافة إلى الدعم المادي والمعنوي الذي تستفيد منه سلسلة متاجر “بيم” والممنوح لها من الدولة التركية، فإنها تستفيد أيضا من دعم خفي من قبل حزب العدالة والتنمية بالمغرب، ويتضح ذلك بشكل جلي في الصفقات والامتيازات التي تحظى بها الشركات التركية، ومن ضمنها سلسلة “بيم”، التي تتوفر على حماية بالمدن التي يسيرها رؤساء ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية.

الدعم غير المباشر الذي استفادت منه سلسلة متاجر “بيم” التركية في عهد حكومة بنكيران، يتم عبر إجراءات قانونية مست المواد الاستهلاكية بالسوق المغربي، إذ اتجهت الحكومة نحو رفع الدعم عن مواد المنتجات الاستهلاكية والسلع، وهو ما يعني أن الشركات العاملة بقطاع توزيع السلع والمواد ترتفع تحملاتها بشكل مباشر، وهو ما يولد ضغطا على خزائنها المالية ويثقل كاهلها بمزيد من التحملات، ولا تسوق سلسلة متاجر “بيم” سوى عينة محدودة من المنتوجات المغربية، فيما أغلبية المنتجات تحمل علامة “صنع بتركيا”.

والآن ولتفادي فتح المزيد من أسواق “بيم” أصبح الأتراك يقترحون على المغاربة فتح دكاكين على حسابهم وبأسمائهم مقابل تزويدهم بالسلع التركية شرط أن لا يبيعوا معها أية سلعة أخرى، هكذا سوف تصبح للشركات التركية نقط بيع تعد بالآلاف في كل مدن المغرب حتى دون حاجة لاستثمار أي درهم في البنية التحتية.

وبالإضافة إلى الدعم المادي والمعنوي الذي تستفيد منه سلسلة المتاجر التركية، فإنها تستفيد بطريقة أخرى عبر الإعلام، وذلك من خلال الأفلام والمسلسلات التركية لا تنفك تبث على قنوات الإعلام العمومي، وتدخل بيوت كل المغاربة، وهو أمر آخر رسخ التبعية الثقافية والفنية لتركيا، وزاد من دعم الإقبال على المنتجات الاقتصادية ذات المنشأ التركي.

 

تضاف إلى كل هذا استفادة المنتجات التركية من شروط اتفاقية التبادل الحر التي وقعها المغرب مع تركيا في أبريل من سنة 2004، التي دخلت حيز التنفيذ في سنة 2006، حيث ساهمت هذه الاتفاقية في تعزيز تدفق المنتجات والسلع التركية المختلفة إلى المغرب بشكل كبير.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى