شوف تشوف

الرأي

بطيخات أردوغان الأربع المهددة بالسقوط..

هناك مثل تركي يقول إن المرء لا يستطيع أن يحمل بطيختين تحت ذراع واحد.. ولكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يعرف هذ المثل جيدا، وجد نفسه يحمل أربع بطيخات، وربما أكثر تحت الذراع نفسه، وجميعها من الوزن الثقيل جدا.
تركيا الآن تخوض حربا شرسة ضد المتمردين الأكراد بقيادة حزب العمال الكردستاني وحلفائه شمال غرب سوريا، مثلما تنجرف بشكل متسارع إلى حرب باردة تسخن تدريجيا مع الروس، وتغرق في الملف السوري، دون وجود أي طوق للنجاة في الأفق، وتعيش أزمة متفاقمة في العراق بسبب اعتراض السلطات العراقية على وجود قواتها قرب الموصل، وانحياز واشنطن إلى جانب السيد حيدر العبادي، رئيس الوزراء، في مطالبة الرئيس أوباما بضرورة انسحاب هذه القوات التركية فورا.
السيد أردوغان دعم المعارضة السورية بقوة من أجل إطاحة النظام السوري ورئيسه، وتبنى ثورات الربيع العربي خاصة في مصر وتونس وليبيا، وها هو يجد نفسه يشرب من الكأس نفسه بعد إسقاطه الطائرة الروسية، ويجد نفسه يقاتل وحده على عدة جبهات في الوقت نفسه.
من سوء حظ الرئيس التركي أن روسيا أصبحت تحاصره في الشمال والشرق، وباتت بعد تدخلها العسكري في سورية دولة شرق أوسطية، وتصعد من وتيرة محاولاتها لإسقاطه وحكومته بشكل متدرج، ابتداء من العقوبات الاقتصادية، وانتهاء بالتدخل في الشؤون الداخلية التركية، ودعم المتمردين الأكراد.
التاريخ يعيد نفسه، فمن المفارقة أن روسيا دعمت حزب العمال الكردستاني في الثمانينات، وطلبت من حليفها الرئيس حافظ الأسد أن يوفر الملاذ الآمن لزعيم الحزب، عبد الله أوجلان على الأرض السورية، بهدف زعزعة استقرار تركيا التي كانت تمثل الخط الأمامي لحلف «الناتو» في مواجهة الامبراطورية السوفييتية في عز الحرب الباردة، ولكن انهيار هذه الامبراطورية وانهيار الكتلة الاشتراكية، وحلف «وارسو»، ترك العالم برمته مفتوحا أمام القوة الغربية المنتصرة بزعامة أمريكا، واستخدمت تركيا أوراق ضغط عديدة على سورية، من بينها تخفيض حصتها إلى النصف من مياه نهر الفرات بعد تشييد سد أتاتورك، والتلويح باستخدام القوة من خلال حشد القوات على الحدود السورية، ما دفع بالرئيس الأسد الأب إلى إبعاد أوجلان إلى كينيا، حيث تمت عملية اعتقاله وتسليمه إلى أنقرة.
الرئيس فلاديمير بوتين يريد الانتقام لإسقاط طائرته «السوخوي» بعد رفض الرئيس أردوغان شروطه بالاعتذار وتقديم تعويضات، وكان لافتا دعوته للسيد صلاح الدين دمرداش، زعيم حزب الشعوب الديمقراطي ذات الأغلبية الكردية إلى موسكو، وتأكيد وزير خارجيته سيرغي لافروف، الذي استقبل الأخير، استعداد بلاده دعم الجماعات الكردية المسلحة في سورية، وربما في تركيا أيضا.
السيد أحمد داوود أوغلو، رئيس الوزراء التركي، ندد بانتقادات وجهها السيد دمرداش لإسقاط الطائرة الروسية ووصفها بأنها «عار» و«خيانة»، ولكنها السياسة ومقتضياتها وألاعيبها، فعندما تتدخل في شؤون الآخرين عليك أن تتوقع أن يفعلوا الشيء نفسه، وبالطرق نفسها، فلا أحد يملك حصانة في هذا الصدد.
طموحات تركيا في سورية تتآكل، وسياساتها الخارجية تتغير بفعل التطورات المتسارعة، فاللافت أن المطالبات بإقامة مناطق عازلة على الحدود التركية- السورية الشمالية الغربية بطول مائة كيلومتر، وعمق أربعين مترا، لكي تكون مأوى للاجئين السوريين، ونقطة انطلاق للمعارضة السورية المسلحة تراجعت، بل وتبخرت كليا منذ التدخل الروسي العسكري، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الأخير بشأن سورية، والذي ينص على التفاوض، ومرحلة انتقالية، ودون أي ذكر لحاضر الرئيس الأسد أو مستقبله.
الرئيس أردوغان استخدم الحرب على حزب العمال الكردستاني، وقال سيخوضها حتى النهاية، ومهما كلف الأمر للوصول إلى الفوز في انتخابات أعطته فرصة العودة إلى الحكم بحكومة أغلبية، وربما يؤدي هذا اللعب على ورقة الوطنية التركية إلى وصوله إلى الدولة الرئاسية التي يتطلع إليها، ولكن ربما يكون الثمن باهظا، أي تثوير الأقليات في تركيا، وغرق البلاد في حرب أهلية، أي عكس ما أراده أردوغان في سورية، أي تثوير الأكثرية ضد الأقليات، ولأسباب طائفية في معظمها.
لا نعرف كيف سيحافظ الرئيس أردوغان على توازنه وهو يحمل هذه البطيخات الأربع تحت ذراعه، وإذا نجح هذا التحدي فإلى أي مدى ومتى؟ أشهر أم سنوات؟ وما هي البطيخة التي ستسقط وتتهشم أولا؟ هل هي الحرب الباردة مع روسيا المرجحة للتحول إلى صدامات مسلحة؟ أم هي سياسته في سورية؟ أم تلك المتعلقة بالإصرار على عدم انسحاب قواته في العراق؟ أم الرابعة، وهي الحرب مع الأكراد؟
لا نملك بلورة سحرية تمكننا من قراءة المستقبل التركي وتطوراته، لكن ما نملكه هو الاجتهاد بالقول إنه في الوقت الذي يخرج فيه النظام السوري عدو الرئيس أردوغان الأكبر من عنق الزجاجة تدريجيا، بدعم إيران وروسيا، وخنوع أمريكا ودول غربية، يدخل الرئيس أردوغان إلى زجاجة أخرى، وبعنق أكثر إحكاما.
الغاز الإسرائيلي ربما يعيد بعض الدفء إلى العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، ولكن تطبيع العلاقات هذا لن يكون حلا، بل ربما يزيد من المأزق التركي، خاصة أن بنيامبن نتنياهو يرفض شروط التطبيع التركية، وأبرزها رفع الحصار عن قطاع غزة، ويستغل الحاجة التركية للغاز والأصدقاء لممارسة أبشع أنواع الابتزاز.
السياسة التركية بحاجة إلى مراجعة شاملة لتجنيب البلاد العديد من الألغام شديدة الانفجار المزروعة في طريقها، وأبرزها، بل وأكبرها، لغم تفجير الجبهة الداخلية وحالة الاستقرار التي أوصلت تركيا إلى الإنجازات الكبيرة التي حققتها في الأعوام الـ15 الأخيرة، بفضل حكمة الرئيس أردوغان وحنكته وسياساته الخارجية والداخلية، وأبرزها سياسة صفر مشاكل مع دول الجوار.
أردوغان البراغماتي والسياسي المحنك يجب أن يذهب إلى موسكو، وليس إلى تل أبيب، إذا أراد فعلا السير ببلاده إلى الأمان والاستقرار والمزيد من الازدهار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى