الافتتاحية

«بلوكاج» تشريعي

نزل حزب العدالة والتنمية، مرفوقا بأذرعه الموازية ورموزه الدينية والسياسية، بكل ثقلهم من أجل استعراض قوتهم السياسية على الأغلبية والمعارضة، والتسبب في «البلوكاج» التشريعي تجاه تمرير قانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين. ونجحت تحركات الحزب الحاكم واستراتيجية تبادل الأدوار بين الحمائم والصقور في تعليق اجتماعات التصويت على القانون لأربع مرات متتالية، والمغامرة بمصير الدورة الاستثنائية التي عقدت خصيصا للتصويت بالإجماع على القانون الذي يراهن عليه لإصلاح أعطاب تعليمنا.
الغريب في الأمر أن الحزب الحاكم يستعرض عضلاته ويفرض مواقفه، بينما كل الطبقة السياسية تتفرج دون أن تستطيع القيام برد فعل تجاه استئساد الحزب الإسلامي وكأنها أمام قدر سياسي لا راد له.
كنا سنتفهم أن يقوم الحزب الحاكم بشل المؤسسة البرلمانية لو كان يتوفر على الأغلبية المطلقة التي تخول له التشريع في ما يريد أو رفض المشاريع التي لا تتماشى مع هواه السياسي والإيديولوجي، لكن حزبا يتوفر فقط على ثلث الغرفة الأولى التي لا تخوله التحكم في مسارات التشريع، ومع ذلك يتصرف وكأنه سلطة فوق السلط والمؤسسة الآمرة الناهية التي تحدد متى وكيف يمر قانون ما دون غيره.
منذ نصف قرن والنظام الحزبي المغربي يقوم على منطق التوازن المعقلن الذي حافظ على سير المؤسسات الدستورية، صحيح ببطء نسبي لكن دون تهديد ودون ابتزاز ودون اهتزازات سياسية، وحتى في أشد الأوقات التي كانت فيها المعارضة قوية وتواجه سياسات الدولة، لم تجرؤ على تخطي الحدود ولم يتبنّ قادتها نهج المساومة والضغط لكسب مواقع داخل الرقعة السياسية، ولو على حساب مصلحة الوطن.
ما يقوم به حزب العدالة والتنمية من احتجاز للمؤسسة التشريعية وفرض قيود على النصوص التي لا تتماشى مع هواه، يعكس في جوهره منطق الهيمنة ومبدأ «لا أريكم إلا ما أرى»، رغم محاولاته الظهور بمظهر الحزب البراغماتي القابل للحوار والتوافق والإجماع. لكن سرعان ما تختفي مثل هاته الشعارات الرنانة حينما تطفو على السطح رهانات المكاسب الانتخابية، ليظهر الوجه البشع والحقيقي للحزب الحاكم المستعد لفعل أي شيء لتحسين صورته أمام الرأي العام، وتجاوز ضريبة إنهاك السلطة الذي أفقده الكثير من رأسماله السياسي.
اليوم وضعنا قانون الإطار أمام حقيقة مخيفة مفادها أنه من حسن حظنا أن «البيجيدي» لا يملك أغلبية 198 عضوا وإلا لفصل الدولة بمؤسساتها وقوانينها على هواه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى