الرأي

بنكيران.. المستثمر في القطاع الخاص

علاقة عبد الإله بنكيران بالتعليم في حاجة لتحليل نفسي. فخلف ردود أفعاله الغاضبة، ضد كل من يسأله عن ملف الأساتذة المتدربين، هناك أشياء شخصية في ماضي الرجل تجعلنا نستنتج وجود اعتبارات ذاتية في كل تصريحاته، ليس فقط ضد هؤلاء، بل وضد الأساتذة وضد المفتشين أيضا. فهذا الأستاذ السابق في مدرسة تكوين المعلمين بالرباط، والذي أوصله رجال التعليم لرئاسة الحكومة، قرر مغادرة سلك التعليم بعد مرور سنوات قليلة فقط من بدء عمله سنة 1979، أي قبل أن يكمل السنوات التي تفرضها عقدة الوظيفة. لذلك عندما أنهى مدة الثماني سنوات، أجرى أكثر من اتصال مع نقابيين وسياسيين و«مسؤولين» سنة 1988 ليستفيد من مغادرة الوظيفة العمومية ويتفرغ لإدارة حركته الدعوية والسياسية الجديدة التي أضحت ابتداء من السنة ذاتها تحمل اسم «حركة الإصلاح والتجديد»، سيما وأن طبيعة المرحلة التي كان يمر منها التعليم المغربي آنذاك كانت لا تسمح للموظفين بحرية المغادرة، كالموجودة حاليا. لذلك إن كان من شخص له «فضل كبير» على الرجل لكونه ساعده في الحصول على مبتغاه، والمتمثل في مغادرة الوظيفة العمومية والتفرغ للعمل السياسي والدعوي، فهو النقابي الاستقلالي محمد بنجلون الأندلسي، والذي قام بمساع حثيثة لدى الكاتب العام للوزارة آنذاك، وكذلك لدى «الماسكين» بملفه في وزارة الداخلية لمنحه امتياز مغادرة الوظيفة العمومية، والقيام بـ«المهمة» المنوطة به آنذاك على أكمل وجه. وكل موظفي الثمانينات يعرفون جيدا معنى هذا الامتياز. وما يهمنا هنا هو علاقته بالتعليم.
هكذا غادر الرجل وظيفته كأستاذ، ليصبح شريكا في مدرستين خاصتين لأقرباء زوجته. ليدخل بعد ذلك في مشاريع في المجال نفسه، بشراكات مع بعض إخوانه المتخصصين في هذا النوع من الاستثمار في سلا والرباط والقنيطرة. ومن هؤلاء الشركاء، عضو في المجلس الأعلى للتعليم باسم رابطة أرباب التعليم الخصوصي.
وها هو الآن (أي رئيس الحكومة) مالك لمدرسة خصوصية كبيرة جدا في مدينة سلا. لذلك فعندما خاطب بنكيران خريجي برنامج تكوين 10 آلاف مدرس، وحثهم على فتح مدارسهم الخاصة، كان ينطلق من تجربة شخصية، معتقدا أن الطريق السهل الذي وجده أمامه لتحقيق ذلك هو نفسه الطريق الذي ينتظر كل خريج، علما أن كل هؤلاء الخريجين غير قادرين على تأمين زوجة غنية، يمتلك أقرباؤها مدارس خاصة، كما أنهم ليسوا محظوظين ليحصلوا على النفوذ الذي يمكنهم من تيسير فرص للاستثمار في قطاع ما زال إلى اليوم أحد معاقل الريع المنظم في المغرب.
المفارقة هنا، هي أن رئيس الحكومة لم يستطع حتى الآن أن يقوم بواجبه في فرض القانون على «زملائه» المستثمرين في قطاع التعليم الخاص. فبالرغم من أن هؤلاء أفشلوا مشروعا كلف المال العام أكثر من 161 مليون درهم، لكونهم لم يلتزموا بتشغيل الخريجين، وأصروا على تشغيل أساتذة التعليم العمومي بنسبة تفوق 80 في المائة، خاصة في التعليم الثانوي، أي بأكثر مما يسمح به القانون أربع مرات. فإن كل هذا لم يكن كافيا ليغضبه، أو يدفعه ليقسم «قسمه الشهير»، مصرا على اعتبار ذلك «خطة إصلاحية». والسؤال الذي نطرحه على رئيس الحكومة، وهو المستثمر الناجح في القطاع، هل يمكنه أن يعلن أمام الرأي العام التزامه بتشغيل أستاذ فشل في اجتياز مباراة التوظيف؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى