الرئيسيةسياسية

بنكيران والنقابات..«القنبلة» التي لم تنفجر بعد

إعداد: كريم أمزيان – النعمان اليعلاوي
على بعد أيام قليلة فقط من احتفالات الشغيلة المغربية بفاتح ماي، ظهرت بوادر قد تعيد الحوار الاجتماعي إلى نقطة الصفر في الأشهر الأخيرة من الولاية الحكومية الحالية، الأمر الذي سينعكس على مناقشة مشاريع القوانين المتعلقة بالتقاعد، المعروضة على مكتب لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاجتماعية بمجلس المستشارين. مناقشة تأجلت إلى أن يتوافق عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، والمركزيات النقابية، حول صيغة موحدة بخصوص نقط عدة في الملف المطلبي، بعد سبعة تأجيلات متتالية. فالمركزيات النقاببية تجمع على أن لا جديد في الحوار الاجتماعي، الذي جرى تدشينه أشهرا قليلة قبل الانتخابات التشريعية المقبلة، من خلال جولتين للحوار مع بنكيران، وهو ما يهدده في آخر أيامه على كرسي رئاسة الحكومة، في حال لم يجد مخرجا له معها.
عاد الحوار الاجتماعي ليغطي على أجندة الحكومة التي طالبت النقابات بتدشين جلسات للحوار والتشاور من أجل إيجاد مخارج متوافق عليها، وهو ما يرجع ملف إصلاح أنظمة التقاعد إلى الواجهة بعد ركود دام سنوات، إذ أصبح من أهم القضايا التي تستأثر باهتمام ليس فقط الموظفين والعاملين المدنيين والعسكريين، بل أيضا الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين، لما له من انعكاسات مباشرة على مستقبل الأجيال المتعاقبة، سواء منها تلك التي أحيلت أو ستحال مستقبلا على التقاعد.
وتأتي عودة النقابات والحكومة إلى طاولة الحوار الاجتماعي، للحديث والتفاوض بخصوص عدد من النقط، من بينها «موضوع إصلاح صناديق وأنظمة التقاعد»، الذي هناك إجماع على أنه «طاله النسيان منذ سنوات، ولم يأخذ ما يستحقه من جهد وتفكير ودراسة توقعاتية»، وكذا المطالبة بالرفع من أجور الموظفين وهو ما تعتبره الحكومة خطاً أحمر، في الوقت الذي رفضت المركزيات النقابية العرض الحكومي، مؤكدة أنه لا يستجيب للحد الأدنى للملف المطلبي الذي تقدمت به النقابات، والموضوع على طاولة رئاسة الحكومة، ويشمل اقتراح الرفع من التعويضات الاجتماعية على الأبناء إلى 300 درهم، في الوقت الذي تجاهل الرفع من سقف الأجور المعفاة من الضريبة على الدخل إلى 6000 درهم، الذي طالبت به النقابات.
وأمام هذه المستجدات قررت اللجنة الوطنية للحوار الاجتماعي دعوة اللجنة التقنية ثلاثية التركيبة إلى الاجتماع، قصد دراسة المقترحات النقابية من جديد، لمحاولة التوفيق بين وجهات النظر، للوصول إلى اتفاق جديد، على الرغم من أن معظم ممثلي النقابات متشائمون من جلسة الحوار المقبلة، وما سيأتي فيها.

عودة الحوار إلى نقطة الصفر
هكذا، تنتهي الجولة الثانية من الحوار الاجتماعي الذي جمع عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، وزعماء المركزيات النقابية، دون بلوغ أي جديد بشأن التشنج الحاصل بين الطرفين، قبل أن يهتديا إلى تشكيل لجنة مشتركة لدراسة مطالب النقابات وتقديم مقترحات ملموسة بشأنها. فاللقاء الأول من الحوار الاجتماعي، انتهى دون أن يقدم فيه بنكيران أي ضمانات لإيجاد حلول لمطالب النقابات ولم يتجاوب بشكل إيجابي معها، مكتفيا بإطلاق وعود لتنفيذها، وهو ما تنبأ له بعض الزعماء النقابيين، خصوصاً أن اللقاء مع بنكيران، وفق ما يتم تداوله في الأوساط النقابية، جاء فقط من أجل دفع النقابات للتراجع عن قرار التصعيد في وجه الحكومة، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقبلة، فضلا عن أنه جاء بعد تعليقها الإضراب الوطني الذي كانت تعتزم خوضه، وقبولها الدعوة على الرغم من أنها اعتبرتها غير رسمية، بالنظر إلى اقتصارها على اتصال هاتفي فقط، ودون تحديد جدول أعمال دقيق.
فنتائج الحوار الاجتماعي ستنعكس على مناقشة مشاريع القوانين المتعلقة بالتقاعد، التي سيعرضها مكتب لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاجتماعية بمجلس المستشارين، وذلك بعد سبعة تأجيلات متتالية، بعدما برمجت اللجنة ذاتها يوم 02 فبراير الماضي، أول موعد للشروع في دراسة مشروع قانون رقم 14.72 المحددة بموجبه السن التي يجب أن يحال فيها الموظفون والمستخدمون في نظام المعاشات المدنية، على التقاعد، إلا أنه جرى تأجيله، إلى أن تحسم الحكومة والنقابات التداول في الملفات المطروحة على طاولة الحوار الاجتماعي، وبعد ذلك، تشرع في المناقشة.
من جهته، حمل نوبير الأموي، الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الحكومة المسؤولية الكاملة بخصوص مختلف مطالب النقابات، إذ شدد على الضرورة الملحة للزيادة في الأجور لمواكبة ارتفاع تكلفة المعيشة، مشيراً، في حديث مع «الأخبار»، إلى أن النقابات «لا تعدم وسائل النضال»، وأنها مستعدة في حال لم تستجب الحكومة لمطالبها لخوض جميع أشكال النضال المتاحة. فيما اعتبر الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، يوسف علكوش، أن هذه الجولة من الحوار الاجتماعي تشكل «فرصة لاستدراك ما حصل من تعثر في الاستجابة لمطالب الشغيلة المغربية»، مشددا على عزم النقابات «الحسم في كل القضايا العالقة الكبرى».

اتهام بالانفراد بإصلاح أنظمة التقاعد
تتهم النقابات والمستشارون في الغرفة الثانية، عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، بـ«تهميش النقابات» و«الانفرد» باستعراض رؤيته لإصلاح أنظمة التقاعد، قبل عرض مشروعه في الوقت نفسه، مع مشاريع القوانين المتعلقة بإصلاح نظام المعاشات المدنية على المصادقة في المجلس الحكومي الأخير، دون الرجوع إلى الحوار مع المركزيات النقابية بهذا الشأن، والتي كانت اختارت الاعتصام أمام مقر البرلمان كأول أسلوب للرد عليه، قبل تدارس أساليب أخرى، في الوقت الذي أكد بنكيران أن لا ذكاء لديه من أجل أن يقدم على إصلاح غيره، معترفاً بأن «في هذه الطريقة نقصا كبيرا ولكن ماعندي ماندير».
وأثار انفراد بنكيران، المشار إليه، انتباه عدد من المتتبعين والمراقبين، الذين يؤكدون أن بنكيران، الذي يطالب المستشارين البرلمانيين بالإسراع في المصادقة على قوانين إصلاح أنظمة التقاعد و«لمَ لا المصادقة عليها بالإجماع»، متخوف من احتجاجات النقابات في تعقيبها على الحكومة، التي تقترح كرؤية رفع سن الإحالة على التقاعد، إلى 61 سنة ابتداء من فاتح يناير 2017 وإلى 62 سنة ابتداء من فاتح يناير 2018 ثم إلى 63 سنة ابتداء من فاتح يناير 2019؛ وبعد انقضاء ثلاث سنوات ابتداء من تاريخ الإصلاح، تقوم هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، بناء على تقييم الوضعية المالية الجديدة لنظام المعاشات المدنية، بتقديم التوصيات المناسبة، حيث سينتقل سن التقاعد النسبي، وفق المنطق نفسه، من 15 إلى 18 سنة بالنسبة إلى النساء، ومن 21 إلى 24 سنة بالنسبة للرجال، فضلاً عن إجراءات أخرى رأت فيها النقابات حيفاً كبيراً، لم تعد الحكومة للاستشارة معها وأخذ رأيها فيها، ما ينذر بمزيد من التصعيد من قبلها.

إصلاح أنظمة التقاعد
بقيت وعود حكومة عبد الإله بنكيران، في ما يخص إصلاح صناديق التقاعد الذي يُعَد واحدا من بين الإصلاحات الكبرى التي كانت تنتظره، «عالقة» مدة طويلة إلى أن صادق المجلس الحكومي، أخيراً، على بعض القوانين المتعلقة بالإصلاح، إذ كشفت مشاريع القوانين التي عرضت على المصادقة، قبل مرورها إلى البرلمان، عن توجهات الحكومة بخصوص إصلاح أنظمة التقاعد، من خلال الرفع من سن التقاعد إلى 63 سنة، والزيادة في مبالغ الاقتطاعات من أجور الموظفين.
وبحسب مشروع القانون المحددة بموجبه السن التي يجب أن يحال فيها على التقاعد، تحدد سن إحالة الموظفين والمستخدمين المنخرطين في نظام المعاشات المدنية على التقاعد في 63 سنة، غير أن هذه السن تحدد في 60 سنة بالنسبة إلى المزدادين قبل سنة 1957، و61 سنة بالنسبة إلى المزدادين سنة 1957، و62 سنة بالنسبة إلى المزدادين سنة 1958. وتحدد سن إحالة الأساتذة الباحثين على التقاعد في 65 سنة، ويمكن إن اقتضت حاجة المصلحة ذلك، حسب مشروع القانون، تمديد حد السن لمدة أقصاها سنتان قابلة للتجديد مرة واحدة، بقرار لرئيس الحكومة يتخذ باقتراح من السلطة التي لها صلاحية التعيين بعد موافقة المعنيين بالأمر.
وحتى إن بادر إلى إصلاحها، فإن النقابات مازلت تعبر عن رفضها لما جاء في مضمونها، ما ينذر بخطورة تجاهل مصير الملايين من المغاربة الذين «يقتاتون» على تعويضات المعاشات التي تمنحها صناديق التقاعد المهددة بالإفلاس في حال عدم اتخاذ قرارات جريئة في أقرب وقت ممكن.
ويتخوف أزيد من 10 ملايين منخرط ومتقاعد من «تدهور وضعية نظام التقاعد»، ما جعل النقابات تحذر في أكثر من مناسبة من «مغبة المراهنة باستقرار المغرب» من أجل استمرار حزب العدالة والتنمية في الحكومة ولجوئه المفرط إلى خلق التوازنات الاقتصادية على حساب التوازنات الاجتماعية.
قبل ذلك، جاء تدخل الملك محمد السادس في نظام التقاعد المهدد بـ«الانهيار» ودعوته النقابات، من خلال خطابه الأخير، إلى «المساهمة الجادة في إصلاحه والجلوس مع الحكومة إلى الطاولة لإيجاد حل للمعضلة»، وتذكيره بأن «تقاعد المغاربة ليس موضوعا للمزايدات السياسية والنقابية»، لوعيه بأنه إذا أصبحت الدولة عاجزة عن أداء معاشات المتقاعدين، فإنها ستكون أمام «أزمة» كبيرة ستقود إلى ما لا تحمد عقباه.
ويبدو أن الاتحاد المغربي للشغل كان أول من التقط إشارات الملك التي بعثها عبر الخطاب الذي ألقاه بمناسبة ثورة الملك والشعب، والذي أشاد من خلاله بالنقابات ودورها، عندما وجه إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مذكرة شدد فيها على «ضرورة إرجاع مشروع إصلاح صناديق التقاعد إلى طاولة الحوار».
وأكدت النقابة ذاتها أنه «لا إصلاح للصندوق المغربي للتقاعد على حساب الموظفين وعموم الأجراء، ولا بديل عن الإصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد». واستنكرت النقابة في مذكرتها «ما ترغب الحكومة في تمريره، إذ تريد من الموظفين وعموم المأجورين أن يشتغلوا أكثر ويساهموا أكثر من أجل معاش أقل، أي تهدف إلى إجبارهم على أداء فاتورة إفلاس الصندوق المغربي للتقاعد»، معبرة عن رفضها «الاشتراكات وسن الإحالة على التقاعد وطريقة احتساب المعاشات».
وأبرزت المذكرة ذاتها أن الإجراءات المقترحة من طرف حكومة عبد الإله بنكيران بشأن إصلاح الصندوق المغربي للتقاعد، في ما يخص الرفع من السن القانوني على التقاعد، «ستساهم في الرفع من نسبة البطالة وانخفاض مستوى المردودية بالنسبة إلى فئة عريضة من الموظفين الذين ليست لهم القدرة الجسدية والمعنوية على العمل بعد بلوغهم 60 سنة»، معتبرة «الإبقاء على الزيادة في سن التقاعد مسألة اختيارية».
وأضافت المذكرة الموجهة إلى مجلس بركة في ما يتعلق بالمساهمات، «أن الحكومة هي من يجب أن تتحمل كلفة الإصلاح والزيادة في المساهمة، مقترحة «أن يكون ثلثاها على الدولة وثلث واحد على الموظف بدل ما هو مطبق حاليا، بالإضافة إلى عدم إجراء أي تغيير في طريقة احتساب قيمة المعاش».

القانونان التنظيميان للإضراب والنقابات في رفوف مكتب بنكيران
قبل حوالي خمس سنوات، أي منذ تعيينه في منصب رئيس الحكومة، لم يتوصل عبد الإله بنكيران إلى حد الآن، إلى أي اتفاق اجتماعي مع المركزيات النقابية، رغم الملفات المطلبية التي ظل يتوصل بها طيلة نصف ولاية حكومته، وعودة النقابات إلى طاولة الحوار، في إطار جولات تبدو في غالبيتها متعثرة، تريد الحكومة عبرها فرض ما تسميه «الأمر الواقع» على النقابات، من خلال اختزال الملفات المتحاور بشأنها في مشروع إصلاح التقاعد، فيما تطالب النقابات بالحوار حول الملف المطلبي في شموليته. كل ذلك والحكومة لازالت لم تفرج عن القانونين التنظيميين للإضراب والنقابات.
وأبرز محمد الأعرج، أستاذ القانون بكلية الحقوق بفاس، أن التاريخ السياسي والدستوري المغربي يمر من مرحلة دقيقة، خاصة أن دستور 2011 جاء بالعديد من المقتضيات التي ترمي إلى تنظيم الحياة السياسية والنقابية والمجتمع المدني. ومن أبرز المقتضيات تلك المتعلقة بالنقابات والإضراب، وخاصة المواد 8 و9 و29 من الدستور. وفي ما يتعلق بقانون النقابات والإضراب، فلأول مرة في تاريخ المغرب يتم التنصيص على الضمانات النقابية، على خلاف قانون الإضراب الذي صدر سنة 1962، ومنذ ذلك التاريخ والدستور ينص على ضرورة صدور القانون التنظيمي للإضراب، لكنه لحد الآن لم يخرج إلى حيز الوجود.
وبخصوص الإضافة الجديدة التي جاء بها دستور 2011 لتنظيم الحياة النقابية، أورد الأعرج أن الدستور الحالي ينص على الخطوط العريضة المتعلقة بالنقابة، خصوصا في ما يتعلق بالحق في ممارسة الأنشطة النقابية بكل حرية. والنقابات، كما ورد في الفصل 8، ستساهم في الدفاع عن المصالح الاقتصادية والحقوق الاجتماعية للفئات التي تمثلها، والنهوض بأوضاع هذه الفئات. ومن بين المستجدات في الدستور، التنصيص على ضرورة احترام الديمقراطية في هيكلة وتسيير النقابات.
وأوضح الأعرج أن الفصل 8، إضافة إلى تأسيسه للخطوط العريضة للحرية والمطابقة والدمقرطة، يحيل كذلك على القانون الذي سينظم قواعد تأسيس المنظمات النقابية ومعايير تحويل الدعم المالي للدولة ومراقبة هذه النقابات، وبالتالي فإن دستور 2011 حدد الخطوط العريضة لهذا القانون، والحكومة ملزمة بتسريع إخراج قانون النقابات إلى حيز الوجود. إضافة إلى ذلك، فإن الدستور تضمن مقتضيات ضمن الفصل 9، التي تحدد الضمانات القضائية المتعلقة بالحل أو التوقيف. هذا الفصل جاء لإعطاء ضمانات للمنظمات النقابية لممارسة أنشطتها بطريقة سليمة، ونجد كذلك الفصل 29 من الدستور، الذي أسس لمجموعة من المبادئ المرتبطة بالانتماء النقابي.
المقتضيات الدستورية حددت مفهوم المنظمات النقابية ودورها في تأطير والدفاع عن الفئات التي تمثلها، وضرورة احترامها للدستور والتنصيص على الدمقرطة، وهو ما أكده الأعرج، مستنتجاً أن الحكومة ملزمة بإخراج القانون المتعلق بالمنظمات النقابية، وملزمة بإخراج قانون حرية الانتماء النقابي. وتتجلى فعالية هذا القانون في ضمان النجاعة وحسن تسيير المنظمات النقابية، ولكن لا بد أيضا من أن يواكب ذلك بإخراج القانون التنظيمي للإضراب، لأنه لا يمكن إخراج قانون الإضراب دون تنظيم النقابات، لضرورة وجود بعض المقتضيات التي تنظم الهيئات والمنظمات النقابية التي بإمكانها القيام بالإضراب.
وأشار الأعرج إلى أن المغرب أسس لقانون الأحزاب السياسية سنة 2004، وهو حاليا مطالب بإخراج قانون النقابات، ولا يمكن الحديث عن قانون تنظيمي للإضراب بدون صدور قانون النقابات لتأسيس ما يمكن أن نسميه الحقوق والحريات النقابية، نافيا
أن تساهم هذه القوانين الجديدة في فرض قيود على النقابات وممارسة التضييق على الحريات النقابية وحق ممارسة الإضراب، وموضحا أن الدستور حدد دور النقابات في المساهمة في الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية للفئات التي تمثلها، مؤكدا على تطبيق المبادئ الديمقراطية في الهيكلة والتسيير، إذ إن قانون النقابات سيعطي دفعة قوية لهذه المنظمات، وسيضمن لها تحديد طريقة الحصول على تمويل الدولة، ومراقبة صرف هذا التمويل، و«رغم وجود بعض القيود التي سيتضمنها القانون، يقول الأعرج، فأعتقد أنها ستكون إيجابية وستزيد من نجاعة وشفافية تسيير هذه المنظمات»، مشيرا إلى أن من المستجدات الإيجابية التي جاء بها الدستور، تأسيس النقابات على مبادئ الديمقراطية، من حيث التسيير والهيكلة، فهي، وفق القوانين التي سيتم تنزيلها، ملزمة بتطبيق الديمقراطية وأي تهرب من هذه المقتضيات سيعرض هذه النقابات للمحاسبة بسبب مخالفاتها للقانون.
هذا وينتظر أن تعقد دورة استثنائية للبرلمان المغربي، وهي التي لم يحدد موعدها إلى الآن، وعلى العموم، ووفق ما أكده الأعرج، فالمعطيات الأولية تشير إلى أن انعقادها قد يكون في شهر غشت المقبل، انطلاقا من مواصلة تنزيل مقتضيات الدستور.

مجلس بركة: «الظرفية الاقتصادية متوسطة والاجتماعية قاتمة»
ليست النقابات وحدها هي التي ترسم صورة سوداء عن وضع الشغيلة المغربية، والعاملين بمختلف القطاعات بالمغرب، بل حتى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي يوجد على رأسه نزار بركة، والذي عقد دورته العادية التاسعة والخمسين لجمعيته العامة بمقره في الرباط، رسم صورة قاتمة عن الظرفية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، من خلال تقرير، وهو في الأصل تقريران، الأول حول متطلبات الجهوية المتقدمة وتحديات إدماج السياسات القطاعية، والثاني حول الظرفية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، سيخرجان إلى حيز الوجود قبل أن تنهي الحكومة الحالية ولايتها.
ويضطلع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بمهام استشارية لدى الحكومة ومجلسي النواب والمستشارين، ويعهد إليه على الخصوص الإدلاء برأيه في التوجهات العامة للاقتصاد الوطني، والتنمية المستدامة، وفي جميع القضايا الأخرى ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المتعلقة بالجهوية المتقدمة؛ من خلال تحليل الظرفية وتتبع السياسات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والجهوية والدولية وانعكاساتها؛ وتقديم اقتراحات في مختلف الميادين المرتبطة بالأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛ وتيسير ودعم التشاور والتعاون بين الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين، والمساهمة في بلورة ميثاق اجتماعي؛ فضلا عن إنجاز الدراسات والأبحاث في الميادين المرتبطة بممارسة صلاحياته، وهو ما تبين من خلال مضمون مداخلات أعضائه، ويزكي النقاش الذي دار بينهم في الجلسة المذكورة، التي كشفت جزءاً كبيراً من التقريرين، وكواليس إعدادهما، وهي المرحلة التي تسبق تقديمهما نهائياً، وتستهدف تجويدهما وإعداد صيغتهما النهائية.
وبغض النظر عن المجال الاجتماعي، فقد أورد المجلس رأيه في مجالات عدة، من بينها، على سبيل المثال، المجال الصحي، إذ تبين أن «عددَ الممرضين لم يعرف تطورًا ملحوظا، بمعدل سنوي لم يتجاوز 1 في المائة خلال هذه الفترة، إذ إن التأطير الطبي المُوازي لم يتطور بما فيه الكفاية، وانتقل من 1105 نسمة للممرض الواحد سنة 2001 إلى 1095 سنة 2013. أما بخصوص تغطية التقاعد، فقد أصْدر المجلس كذلك رأيه فيها سنة 2015. وتميز هذا الرأي بـ«التوازُن»، آخِذًا بعين الاعتبار المقترحات التي قدمتها المركزيات النقابية. لكنْ يبدو أن مشروع الإصلاح الذي اعتمدتْه الحكومة، يشير تقرير المجلس، «قد تجاهل هذه المقترحات التي تسير، على كل حال، في اتجاه مقترحات المجلس الأعلى للحساباتِ، ولم ينشغل إلا بالإصلاح التقني للصندوق المغربي للتقاعد».

العربي إيعيش : «تأخر الحوار الاجتماعي راجع لمواقف النقابات والحكومة وتعثر ملف التقاعد»

  • ما سبب تأخر المفاوضات الاجتماعية إلى الأشهر الأخيرة من عمر هذه الحكومة؟

هناك ثلاثة أسباب أساسية لتعثر المفاوضات الاجتماعية والحوار بين النقابات والحكومة، على رأسها أن الحكومة كانت تعتقد إمكانية تمرير مشروع إصلاح الصندوق المغربي للتقاعد دون العودة لرأس النقابات، بل الاكتفاء بالمصادقة عليه في المجلس الحكومي، وهو ما تم وبعدها تمريره في مجلس المستشارين ومن ثم في مجلس النواب، وهو الأمر الذي يفسر التعاطي الحالي للحكومة مع هذا الملف ومع مطالب النقابات بخصوصه، إذا علمنا أنه قد عمر لأزيد من عامين، وبالتالي فهذا واحد من الأسباب القوية لتعثر المفاوضات، إضافة إلى السبب المرتبط بالنقابات، والمتمثل في كونها من الجهة المقابلة تعتبر أن بإمكانها عرقلة تمرير الحكومة لملف التقاعد في مجلس المستشارين الذي يضم التمثيلية النقابية، وهو بالفعل ما استطاعت القيام به، حيث استطاعت تعطيل تمرير ملف التقاعد داخل المؤسسة التشريعية، ما اضطر الحكومة إلى الجلوس إلى طاولة الحوار معها حول صيغة توافقية من أجل تمرير هذه المشروع، بما يضمن مكاسب للطرفين، بالإضافة أيضا إلى السبب الثالث والمتمثل في الخلاف بين الحكومة والنقابات في جوهر ومنهجية الحوار، حيث إن النقابات تعتبره جلسات عادية، في الوقت الذي تعتبره الحكومة حوارا اجتماعيا يقتضي شروطا ومسببات.

  • هل يمكن لظرفية الانتخابات أن تدفع الحكومة إلى التجاوب الإيجابي مع مطالب النقابات؟

الواضح أن الحكومة لا يمكنها أن توافق بشكل كامل على جميع مطالب النقابات، بل إن هذا الأمر لا يتم حتى في أعتى الديمقراطيات، على اعتبار أن سقف المطالب الاجتماعية التي تتقدم بها النقابات يكون مرتفعا، في الوقت الذي حاولت الحكومات وليس في المغرب فقط، أن تبقي على التوازنات الاقتصادية بعدم الاستجابة لكل هذه المطالب، ولكن كملاحظة بعيدا عن هذا المبدأ فمنذ سنة 2012 إلى اليوم هناك توتر مرتفع بين الحكومة والنقابات، أحد أجوبته هو أن هذه النقابات غير مستقلة عن الأحزاب، بل هي امتداد لها وتتأثر بتموقع تلك الأحزاب إما في المعارضة أو الأغلبية، وبحكم أن الحزبين المعارضين وهما حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي يتوفران على قواعد نقابية من خلال نقابتيهما، فهذا يسري على مواقف هاتين النقابتين، والعكس صحيح بالنسبة إلى النقابة الموالية لحزب العدالة والتنمية، وبالتالي فمن العادي جدا أن تسري هذه الصراعات والتجاذبات السياسية على العلاقة بين النقابات والحكومة، لأن الأخيرة هي امتداد للأولى ومواقفها امتداد لمواقف الأحزاب، هذا بالإضافة إلى ما يطبع المشهد النقابي من تراجع في وهج بريق النقابات، ما شجع رئيس الحكومة على اتخاذ بعض القرارات دون إيلاء أي أهمية للنقابات، كالزيادة الأخيرة في الحد الأدنى للأجور، والتي تمت العام الماضي دون حوار يذكر بين الطرفين.

  • ما سبب تعثر صدور القانون التنظيمي للإضراب؟

القانون التنظيمي للإضراب نص عليه الدستور منذ عام 1962 في فصله الرابع عشر، ومنذ ذلك العهد والنقاش كان دائما حول صدور هذا القانون وسبب تعثر هذا الأمر، علما أن النص الدستوري يقول إن الإضراب حق مشروع وإنه سيصدر نص تنظيمي ينظم هذا الأمر. وتعثر صدور هذا النص في ظل الحكومة الحالية التي أوجب عليها الدستور إصدار جميع القوانين التنظيمية قبل نهاية ولايتها، يترجم مدى حساسية موضوع الإضراب، وأنه موضوع توافق بين الحكومة والنقابات وأيضا أرباب العمل في القطاع الخاص، ما يجعل هذا الحقل ملغوما، وبالتالي التطرق إليه من شأنه تحريك مواقف رافضة من قبل النقابات، التي ترفض تنظيم الحق في الإضراب، ومسألة إصداره هي مسألة دستورية وليست مسألة خيار نقابات وحكومة.

3 أسئلة : إلى عبدالقادر الزاير : «أفق تجاوب الحكومة مع مطالبنا غامض ولن تستطيع استغلال الأمر سياسيا»

  • هل صحيح أن الحوار الاجتماعي سيفضي إلى مفاجأة سارة تقدمها الحكومة للعمال في فاتح ماي؟

ما يجب التأكيد عليه أن التشكيك في مواقف الحكومة وقلة الثقة في ما قد يصدر عنها من قرارات ولو بعيدا عن الحوار الاجتماعي، مازال قائما، حيث إن الأفق في هذا الحوار وتجاوب الحكومة مع مطالبنا النقابية، يبدو مسدودا وغامضا، ولم تبد الأخيرة أي تفاعل مع حل يرضي الطبقة العاملة، علما أننا وجهنا العديد من المذكرات المطلبية، وعبرنا خلال جلسات الحوار عن مطالبنا التي اعتبرناها جدية وذات مصداقية، في ظل الظرفية الاقتصادية الحالية وأوضاع عمال القطاع الخاص وموظفي القطاع العمومي، وفي ظل غلاء الأسعار وارتفاع كلفة المعيشة.
ونعتبر أن هذه الحكومة مازلت تتعامل بتعنت مع مطالبنا العادلة، ولا ندري ما إذا كانت بهذا الأسلوب المتخذ تحاول إطالة أمد التفاوض دون تحقيق نتيجة تذكر، في انتظار خبر سار كما تم الترويج لذلك يزف للطبقة العاملة في فاتح ماي احتفالا بالعيد الأممي.

  • ألا تخشون من استغلال الحكومة لمطالبكم في التجاذب السياسي والانتخابات التشريعية المقبلة؟

من المستبعد جدا أن تقدم الحكومة على استغلال المطالب النقابية لأغراض مرتبطة بالانتخابات التشريعية المقبلة، ونحن باعتبارنا مركزيات نقابية مشاركة في الحوار الاجتماعي مع هذه الحكومة، سنقف بالمرصاد لأي محاولة استغلال سياسي لمطالب الشغيلة، ونعتبر أن ما تضمنته المذكرات المطلبية التي تقدمنا بها للحكومة في إطار الحوار الاجتماعي أو قبله، لا يمكن التراجع عنها ولا يمكن أن نقبل بالفتات أو استغلال الحكومة هذه المطالب من أجل الترويج السياسي لها قبيل الانتخابات، بل سنكون أشد انتباها وحرصا على أن تستجيب الحكومة لمطالبنا في إطار الحوار الاجتماعي، مع العلم أن الفئات الكبيرة من العمال، خصوصا الأغلبية الصامتة، بدأت تخرج عن صمتها، فضلا عن أن المطالب النقابية بتحسين الأوضاع الاجتماعية للعمال ترتفع بقوة في وجه هذه الحكومة. مسألة استغفال الحكومة للشغيلة والنقابات صارت مستحيلة وغير ممكنة في ظل اليقظة الحالية التي تطبع المشهد النقابي والعمالي والانخراط القوي للعمال في المبادرات النقابية. وهذه الحكومة أتت في ظرف لم تتمكن للأسف من استغلاله واستثماراه من أجل تقديم نتاج يحافظ لها على رصيدها لدى الشعب. ولهذا أعتقد أن الانتخابات القادمة ستكون فرصة للمحاسبة، والعمال هم الجزء الواعي والديناميكي من الشعب، وهو المنوط بهم تقييم سنوات خمس من عمل هذه الحكومة في محطة الانتخابات القادمة.

  • هل يمكن القول إن الحكومة نجحت في تعطيل المفاوضات الاجتماعية وتمرير قرارات ليست في صالح الشغيلة؟

لا يصح إلا الصحيح، والأشياء التي تبنى دون أسس لن يكون لها مستقبل، ومن هذا المنطلق فإن تمرير الحكومة لأي من المخططات التي تهم القاعدة بالأساس، أو تتعلق بالجانب الاجتماعي دون تشاور ورضا المعنيين، سيكون له تأثير كبير على مستقبل هذه الحكومة والأحزاب المشكلة لها. وأعتقد أن الحكومة تعي هذا الأمر بشكل كبير لذلك سارعت للعودة إلى طاولة المفاوضات مع النقابات، وقيام الحكومة بتمرير مشاريع لا شعبية لن يكون إلا إعادة إنتاج لتجارب مع عدد من المشاريع التي رفضت من قبل الشعب والعمال، وتم التراجع عنها أو ظلت في الرفوف، لم تدم ولاقت رفضا ومقاومة وتم التخلص منها.
إن الحكومة، التي تدعي الإصلاح وتروج لهذا الأمر، يجب ان تعي بأن الإصلاح يتم وفق منهجية جدية وواقعية وبمراعاة للشروط الاجتماعية، بما يحفظ السلم الاجتماعي، وهو ما نرجو أن تلتزم به الحكومة في ما تبقى من عمرها. وخلال أمد هذا الحوار الذي، كما سبق وقلت، لا تظهر معالمه بعد، بحكم أن هذه الحكومة لا تصرح بخصوص الخطوات المستقبلية ولا القرارات التي تعتزم اتخاذها، وهو ما يدفعنا للقول إن فاتح ماي الذي نحن على مشارفه، سيكون بصبغة احتجاجية أكبر بدل الاحتفال الذي كنا نرجوه في حال كنا وصلنا إلى اتفاق مع الحكومة، وهو الأمر الذي صار مستبعدا في ظل التعنت الذي تبديه الحكومة في التجاوب مع مطالبنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى