شوف تشوف

بيت العنكبوت

لا أحد كان يتصور أن بيت الوقاية المدنية أوهى من بيت العنكبوت، ففي ظرف أسبوع واحد، فقد هذا الجهاز شبه العسكري جل أركانه بسبب اعتقال ضباطه «السامين» في إطار ما بات يعرف بفضيحة الدبلومات المزورة، إلى درجة أن برقيات الجنرال اليعكوبي أصبحت تحال على سجن الزاكي بدل الثكنات.
فقد تم اعتقال الكولونيل بنزيان محمد والكولونيل الغربي الحسين، وهما مديران مركزيان سابقان، إضافة إلى زوجة بنزيان نادية و11 عنصرا آخر من الوقاية المدنية، بينهم ضابطان آخران من رتبة نقيب.
المديرية العامة للوقاية المدنية تتكون فقط من مديرية اﻹغاثة، والتخطيط والدراسات، ومديرية الموارد البشرية واللوجيستيك، ما يعني أن ذهاب مديري هذه المديريات سابقا إلى السجن، وإعفاء الكولونيل عمومو من منصبه، أمر لا يمكن تفسيره إلا بتعفن هذا الجهاز تحت اﻹشراف الكارثي المباشر للجنرال اليعكوبي.
الجميع يتابع الاعتقالات وجلسات الاستنطاق التي يتعرض لها هؤلاء الأطر العليا في الوقاية المدنية، لكن قلة فقط تعرف الأسباب الحقيقية لانفجار هذه الفضيحة.
أولا، لم يكن لهذه القضية أن تتفجر لولا العداء والحقد الدفين بين الكولونيل بنزيان والكولونيل زين الدين عمومو، مدير مدرسة الوقاية المدنية سابقا، ومدير مديرية الاغاثة والتخطيط والدراسات، الذي تم إعفاؤه بدوره من هذا المنصب يوم 31 أكتوبر، لأسباب سنعود إليها لاحقا.
عندما شارف الكولونيل بنزيان على التقاعد نهاية 2013، حاول بشتى الوسائل أن يمدد وظيفته لفترة سنتين إضافيتين قابلة للتجديد، ما كان سيحد من طموح غريمه عمومو، الذي كان على علم بتجاوزات وفضائح بنزيان، وسيستغل فرصة ذهبية لهذا الغرض:
كان عمومو على علم أن السيدة النميلي، وهي رقيبة بالوقاية المدنية وزوجة الرقيب بيشا خالد ووسيطة الكولونيل بنزيان التي تم طردها من الوقاية بسبب دبلومها المزور والذي قضت بسببه سنة سجنا بالقنيطرة، متابعة حاليا لكنها غير معتقلة لكونها ترقد بمصحة للعلاج من الأمراض العقلية بالرباط، أما زوجها خالد فهو الآن رهن الاعتقال بسجن سلا مع بنزيان. عندما سافر بنزيان إلى دولة قطر أواخر2013 في إطار مهامه كمدير المكتب العربي للحماية المدنية، استغل غريمه الفرصة للوقوف ضد المتبارين المدعومين من طرف بنزيان وإقصائهم من الولوج إلى الوقاية المدنية.
هنا بدأ المرشحون المعنيون بالأمر، وعددهم حوالي 36 متباريا، يطالبون مدام النميلي باسترجاع المبالغ المالية التي دفعوها، وهي حوالي 5 ملايين سنتيم للفرد الواحد.
هنا ستطالب النميلي زوجة بنزيان بإرجاع المبالغ المالية لأصحابها، لكن هذه الأخيرة بدأت تتماطل بدعوى انتظار السنة المقبلة لتوظيفهم.
لدى عودة الكولونيل بنزيان من قطر استشاط غضبا من سلوك غريمه الكولونيل عمومو، وضغط على الجنرال اليعكوبي من أجل إزاحته من مدرسة الوقاية المدنية وتعيينيه قائدا للوحدة المتنقلة الوطنية سلا، وهو منصب أراد به بنزيان إهانة عمومو، وهنا بالضبط اندلعت الحرب التي أعطت النتائج التي نرى.
لسوء حظه لم يتم تمديد العمل للكولونيل بنزيان في 2013 وسيتم تعيين الكولونيل عمومو مكانه، ما حال دون توظيف المتبارين الذين تم ذكرهم. هنا ستضطر مدام النميلي لبيع شقتها وسيارتها وشقة زوجها خالد لإرجاع المبالغ لأصحابها لتفادي انفجار الفضيحة.
عندما كانت تهم ببيع سيارتها بمدينة تازة بداية 2014 شك في أمرها أحد سماسرة السيارات الذي «هز خبارها سخونة وحطها» عند الدرك الملكي بتازة. ومباشرة بعد هذه «التنقنيقة» تم توقيفها ووجدت بحوزتها نسخ كثيرة من دبلومات الباكلوريا ورخص السياقة، تم استنطاقها فباحت بكل شيء، وهنا بدأت متاعب الكولونيل بنزيان ليتم استدعاؤه هو وزوجته نادية والكولونيل الغربي وآخرون من طرف الفرقة الوطنية للدرك الملكي بالرباط.
هنا بدأ الكولونيل عمومو حملة شعواء ضد كل من كانت له علاقة ولو من بعيد ببنزيان، فتحت ذريعة النزاهة والشفافية بدأت مآسي اجتماعية عانى منها الجميع داخل جهاز الوقاية المدنية بدون استثناء عبر التنقيلات والتوقيفات الجائرة ضد كثيرين.
عند تعيين الكولونيل عمومو مكان بنزيان، بداية 2013، عرف موظفو الوقاية المدنية أسوأ أيام حياتهم حيث يتم توقيف الموظفين لمدة ثلاثة أشهر لأسباب واهية، وتقرر تنقيلات تعسفية، وإعفاءات بالجملة، ويتم منع الموظفين من مغادرة التراب الوطني، ويتم سحب بطائقهم المهنية، ومعاكستهم في طلبات العطل بدون مبرر، وحرمان الضباط من السكن في الشقق الوظيفية الفارغة، كحالة مدينة مراكش حيث توجد 4 شقق فارغة في عمارة الوقاية المدنية في حين يكتري الضباط الذين لا يتجاوز راتبهم 7000 درهم شققا بمبلغ يتراوح بين 2000 و3000 درهم.
أضف إلى ذلك أن الكولونيل عمومو كان مهووسا بتهميش أصحاب الدبلومات، خاصة من ذوي الماستر والدكتوراه، لكونه كان مديرا بالنيابة فقط، ولم يتم التأشير من طرف الحكومة على تعيينه مديرا مركزيا، لعدم توفره على دبلوم جامعي.
وكانت كل القرارات التي يتخذها الكولونيل عمومو يتم التأشير عليها من طرف الجنرال اليعكوبي، أما المدير الفعلي للموارد البشرية واللوجيستيك، فقد كان بدوره مهمشا ولا يتم إشراكه في اتخاذ القرارات.
كان الكولونيل عمومو يعتمد في تنفيذ سياسته المأساوية على ضابط شاب اسمه السمغولي سفيان، الذي شكل شبكة من المخبرين داخل الثكنات، ما جعل العمل داخلها جحيما لا يطاق. والغريب أن هذا الضابط الشاب تم توظيفه في 1998 كضابط رجال مطافئ سلم 8 وسيحصل السمغولي بعدها في 2006 على الإجازة، وتتم ترقيته بمفرده إلى رتبة قبطان، وبعدها كومندار وكولونيل في نفس السنة أي 2012، دون اجتياز المباراة الضرورية لولوج رتبة كومندار، في حين أن أطر السلم 10 من نفس فوج 1998، مازالوا في رتبة قبطان، باستثناء اثنين منهم ترقوا إلى رتبة كومندار.
هذه المآسي المرتكبة ضد رجال الوقاية المدنية، كانت بمباركة الجنرال اليعكوبي المعروف بشخصيته سهلة الانقياد، ما جعل الجميع يحن إلى أيام بنزيان الذي رغم ضعفه أمام المال لم يكن بقساوة الكولونيل عمومو المعروف بتطرفه في اتخاذ القرارات، خاصة وأنه لا يقل ارتشاء من غريمه، حيث كان أمينا للمال لجمعية الأعمال الاجتماعية للوقاية المدنية، وتم اتهامه من طرف نائبه بالجمعية، الكولونيل طاليب حسن، باختلاس مئات الملايين من صندوق الجمعية ورفع دعوى قضائية ضده هي الآن معروضة أمام القضاء.
ومما يلقي بالشكوك حول ذمة الكولونيل عمومو هناك المصاريف الباهظة التي ينفقها لتدريس ثلاثة من أبنائه بكندا، وبالضبط بمدينة «وينيبيك»، وتدريس البنت الرابعة بالبعثة الفرنسية بالدار البيضاء، وهو الذي لا يتقاضى أكثر من 15 ألف درهم كأجرة شهرية ولا يتقاضى أي تعويض عن مهمة مدير، والتي تصل إلى 13 ألف درهم، لأن رئيس الحكومة رفض طريقة تعيينه كمدير سام يتوجب توفره على دبلوم جامعي واتباع المساطر القانونية في تعيينه.
وفي خضم هذه الحرب بين الكولونيلين بنزيان وعمومو تم إقحام هذا الأخير من طرف الأول أثناء التحقيقات، ليتم استدعاؤه بدوره من طرف قاضية التحقيق المكلفة بالملف بمحكمة الاستئناف بالرباط، ما جعل الجنرال اليعكوبي الخائف من لهيب النيران التي باتت تقترب من نياشينه، يتخذ قرار عزله يوم السبت 31 أكتوبر، وهو الآن في منزله في انتظار إحالته على أنظار المحكمة.
رغم كل هذه الفضائح المدوية، يتساءل رجال الوقاية المدنية، ومعهم الرأي العام، عن السر وراء إبقاء الجنرال اليعكوبي على رأس هذه الهيئة، رغم ضعف أدائه وكثرة المكائد والفضائح في عهده المديد، ولعل الخطوة التي أقدم عليها عندما عين ضابطا شابا قليل الخبرة والكفاءة مكان الكولونيل عمومو، وهو اليوتنان كولونيل السمغولي سفيان والذي لم يسبق له أن شغل حتى منصب رئيس مركز، ناهيك عن رئيس وحدة إقليمية أو جهة أو قسم بالمديرية. أضف إلى ذلك أن المعني بالأمر تمت ترقيته استثنائيا إلى هذه الرتبة دون غيره من ضباط فوج 1998، ما أثار غضب الضباط السامين قواد الجهات الذين ولجوا إلى هيئة الوقاية المدنية قبل عشرين سنة من ولوجها من طرف السمغولي سفيان.
فهل هناك فساد أكبر من هذا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى