الرئيسيةملف التاريخ

تاريخ… مواقف طريفة في علاقة الملوك بالمصورين المغاربة والأجانب

ليس من السهل التقاط لحظات فريدة في حياة الزعماء، وليس من اليسير أن تنتقل من مصور عادي إلى مصور للزعماء والقادة، هنا فقط تصبح مطالبا بالبحث عن روح الصورة وليس عن الصورة.

يبحث الزعماء عن شيء متفرد في الصورة، يقول عمار عبد ربه مصور الزعماء سوري الأصول: «في ثيمات صوري شيء مشابه لثيمات عدسات سابقة التقطت صورا للملكة إليزابيت عن طريق الصدفة، وتبين لي أن الصدفة تصنع جمالية الصورة وروحها، أنصح مصوري الرؤساء والقادة والملوك بالبحث في التفاصيل الإنسانية ليبقى الحاكم أو الشخصية المشهورة يحاكم نفسه على هذا الأساس القائم على اشتراط إنساني».

هي الصدف دائما التي تقود هذه الفئة من المصورين إلى محيط الملوك، بل إن العديد من الحكام ظلوا يحرصون على أن يكون المصور من جنسية أجنبية، فالملك الأردني اعتمد على مصور أرمني أمضى أكثر من عقدين من عمره في القصر الملكي.

حل هذا المصور بالمغرب في كل رحلات الملك وسجل حوارا يروي فيه ما شاهده في زيارة للصخيرات عقب الانقلاب العسكري، ظل الرجل يمتلك محلا تعتلي جميع جدرانه لقطات تصور الملك.

يملك كل مصور أرشيفا من اللقطات التي اختلستها عدسته التي لم تترك جنب القادة في يومياتهم وزياراتهم الرسمية، لكن كل منهم يحرص على أن يظل محافظا على الصور الأكثر حميمية.

في هذا الملف نرصد جوانب من حياة مصوري القصر.

فيرناند بوتشير.. مصور باقتراح فرنسي

في أول زيارة له إلى باريس سنة 1928، اقترحت الحكومة الفرنسية على الملك محمد الخامس مصورا يوثق لأنشطته ويرافق ولي العهد في حله وترحاله، هذا المصور يدعى فيرناند بوتشير، مهمته إصلاح آلات التصوير وتخصصه التصوير اليدوي من خلال التحميض بالماء، قبل أن يدخل مجال العصرنة. تردد فيرناند وهو يتلقى مقترحا بالاستعداد للسفر إلى المغرب في مهمة، لكن المقيم العام الفرنسي الذي كان حاضرا خلال جلسة العمل اقترح أن يرافق فيرناند صديقه الفرنسي مارتي على أن يشغل هذا الأخير مهمة سائق خاص للأمراء.

يقول الحسن الثاني في مذكراته: «كان عمري 14 سنة عندما انعقد مؤتمر «آنفا» سنة 1943، وكان اليوم يوم جمعة بعد الظهر من شهر يناير، كنت حينها أدرس في القسم عندما وصل والدي فجأة إلى المعهد، ومنحني عشر دقائق من أجل أن أستعد، وهو يقول لي إلبس زيك الرسمي، جلبابك، سندشن مدرسة بالدار البيضاء أمام استغراب الجميع من مدير وناظر وحارس عام». قبل التوجه إلى الدار البيضاء، سأل السائق الملك محمد الخامس عما إذا كان المصور الشخصي للسلطان قد أشعر بالسفر، فشكره الملك وطلب من مستشاره الاتصال فورا بـ فيرناند بوتيشر المصور الفرنسي الذي وضعته الحكومة الفرنسية رهن إشارة القصر الملكي، فالتحق على الفور بنقطة الانطلاق.

لنتصور كيف أن الملك محمد الخامس الملتزم بموعد سياسي على قدر كبير من الأهمية، ظل ينتظر أزيد من ثلث ساعة كي يحضر المصور.

وصل الثلاثة إلى قصر الدار البيضاء، حيث اختار المغفور له محمد الخامس بعض الأشياء كان ينوي تقديمها هدايا إلى زواره، حيث لوحظ أنه يستشير السائق والمصور ويطلب رأيهما حول جودتها. ثم توجهوا إلى «آنفا».

وصلت صور فيرناند إلى أقصى نقطة في العالم وهو ينقل بعدسته تفاصيل، مؤتمر أنفا، حيث أبدع في التقاط بورتريهات للرئيس الأمريكي «فرانكلين روزفلت» والوزير الأول البريطاني «وينستون تشرشل»، وطبعا للملك محمد الخامس وولي عهده مولاي الحسن.

عاش الرجل خلال فترة مقامه في المغرب وسط المجتمع الرباطي، فقد فتح محلا للتصوير في ساحة بييتري بالعاصمة، بالقرب من محل في ملكية اليهودي بنزاكين، وكان المغاربة يتابعون صور الأسرة الملكية من واجهة دكان المصور الخاص للأسرة الملكية. كما يسجل التاريخ إبداع عدسته في إنجاز «بورتريهات» خاصة بالأميرة لالة مليكة.

الديار المقدسة تسقط المصور المسيحي من الرحلة وتعوضه بمرادجي

ولد محمد مرادجي يوم 25 دجنبر 1939 في درب أزمور بالمدينة القديمة للدار البيضاء، غير بعيد من رموز المقاومة المغربية، وكان والده رحمه الله يشجعه على امتهان حرفة مبكرا، لذا بادر إلى عرضه على أكثر من حرفي في مختلف المجالات كإصلاح الدراجات الهوائية «سيكليس»، ولكنه استقر فترة أطول في ورشة نجار هو والد المطرب عبد الهادي بلخياط الذي كان رفيق درب طفولة المصور الصحفي محمد مرادجي. لذا لم يتردد عبد الهادي في تلبية حضور حفل زفاف ابنة مرادجي وتقديم أغنية في الحفل الذي أقيم في قاعة «بارادايس» بعين الذئاب رغم مقاطعته الطرب، بل قال في كلمة أمام الحضور: «من المستحيل ألا أغني في حفل أخ لي، كان أبوه يوصيني به بنفس القدر الذي يوصيه علي».

انتبه ديوان الملك الراحل محمد الخامس، وهو يجري آخر ترتيبات سفر العاهل المغربي إلى العربية السعودية لأداء مناسك العمرة سنة 1960، إلى عدم إمكانية سفر المصور الخاص للملك الفرنسي فيرناند نظرا لديانته المسيحية واستحالة دخوله الأراضي المقدسة، حينها بدأ البحث عن مصور بديل مسلم الديانة أولا ومتمكن من أدوات اشتغاله. فوقع الاختيار على المصور الصحفي محمد مرادجي الذي تلقى العرض من المهدي بنونة المستشار الإعلامي للملك، وقبله بدون تردد، بل إن جلسة جمعته بالملك محمد الخامس قبل التوجه إلى جدة، حدد من خلالها الراحل ضوابط العمل وحذره من السقوط في هفوات مهنية.

في التاسع من أكتوبر سنة 1977 قام محمد مرادجي بزيارة لإسرائيل، وقام بتغطية حدث سياسي كبير غير بعيد عن منصة الكنيست الإسرائيلي، حيث كان الرئيس المصري الراحل أنور السادات يلقي خطابا أمام ممثلي الشعب الإسرائيلي وأعضاء الحكومة، بعد ثلاثة عقود من القطيعة بين البلدين. كان مرادجي المصور المغربي الوحيد الذي حضر هذا الحدث ونقله بالصورة للمغاربة، رغم العتاب الذي ووجه به من طرف الرافضين لسياسة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. وكانت عدسة مرادجي شاهدة على العصر من خلال الأحداث الكبرى التي رصدتها، أبرزها صور حفل ميلاد الأميرة لالة أمينة في المنفى بمدغشقر، وزيارة الملك الراحل محمد الخامس إلى القاهرة سنة 1960، واستقباله لمحمد عبد الكريم الخطابي.

كاد الملك الراحل الحسن الثاني أن يعلق مهام مصوره، حين تأخر هذا الأخير عن موعد إقلاع الطائرة الملكية التي كانت تستعد للعودة إلى المغرب، بعد انتهاء رحلة ملكية لأوربا، فقد لاحظ الحسن الثاني رحمه الله، أن موعد الإقلاع قد تأخر دون تقديم مبررات، ليخبره «أصحاب الحسنات» من حاشيته بأن مرادجي هو السبب في التأخير. غضب الملك وتنبأ الحاضرون بحساب عسير للمصور، الذي وصل في عز الغضبة الملكية فدعي إلى المقصورة لتبرير التأخير، وقال للحسن الثاني بعد الاعتذار إن تأخيره ناتج عن انشغاله بشراء آلة خياطة لوالدته، حينها قال الملك للمحيطين به، «لا خوف على الطائرة معنا مرضي الوالدين».

كان مرادجي صديقا حميما لمجموعة من الفنانين العرب والمصريين على الخصوص، سيما الراحل عبد الحيلم حافظ الذي كان يتردد عليه في بيته بالدار البيضاء وفي محله بوسط المدينة، كما أن شبكة علاقاته تجاوزت العندليب إلى مطربين آخرين كمحمد عبد الوهاب وبليغ حمدي الذي أهدى مرادجي عوده وكتب عليه إهداء يجسد العلاقة الوثيقة بين الرجلين. لكن التذكار الأكثر أهمية في خزانة المصور المغربي هو منديل المطربة أم كلثوم، إذ أصر على طلبه منها عقب إحدى حفلاتها في باريس، حيث كانت المطربة المصرية تغني لفائدة الجالية العربية من أجل جمع مبالغ مالية لدعم الجيش المصري. وعلى الرغم من مقترحات عرض المنديل في المزاد العلني إلا أن مرادجي رفض وظل يحجز لهذه الهدية مكانة خاصة في بيته ووجدانه.

غابريال فير.. مصور فرنسي أدخل آلة التصوير إلى القصر

قال الباحث فريد الزاهي إن المغرب مدين لغابرييل فير (1871-1936) «بكونه أحد صناع الحداثة التقنية والبصرية بالمغرب، في وقت كان فيه هذا البلد يودع القرن التاسع عشر وكأنه يخرج من عنق زجاجة القرون الوسطى».

استقر الرجل بمحض الصدفة في المغرب ليصبح مرشد السلطان مولاي عبد العزيز منذ 1901 في الأمور التقنية، خاصة أمام رغبة السلطان اليافع «في تملك التقنيات الغربية الجديدة، بحيث حاول تعلم الرسم، ثم تعلم التصوير الفوتوغرافي. وكان قد بعث إلى بريطانيا لاستجلاب مختلف آلات التصوير وغيرها والبحث عن معلم له في هذه التقنيات الجديدة.

قال غابرييل في سيرته الذاتية، «ووجدتني أحدث نفسي: ولمَ لا أكون أنا ذلك المهندس؟ كانت تلك فرصة مواتية لأتعرف على هذا البلد الجديد، الأشد غموضا من جميع البلدان التي عرفتها إلى ذلك الحين. وضعت ترشيحي لتلك المهمة. وتم لي القبول. فحزمت أمتعتي نحو المغرب».

كان السلطان مولعا بالتصوير الفوتوغرافي والبلياردو وكرة المضرب وركوب الدراجة الهوائية والبخارية. بل إنه من شغفه بذلك، طلب أن تُصنع له آلة فوتوغرافية خاصة به، وأخذ يقضي نهاره الطويل داخل حريمه يصور نساءه». بل إن السلطان أمر غابريال بأن يعرض عليهن من وراء حجاب فيلما عن باريس، كما لو كان يمنحهن رحلة خيالية إلى بلاد الآخر. لازالت كثير من هذه الصور موجودة في متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط.

حسب صحيفة «العربي الجديد»، فإن المصور غادر مدينة فاس سنة 1908، أي مباشرة بعد عزل السلطان مولاي حفيظ، وكان قد جمع ثروة كبيرة مكنته من السفر إلى مدينة الدار البيضاء، حيث قرر تغيير حرفته والانضمام إلى عالم المال والأعمال، إذ أنشأ مصنعا واقتنى ضيعات فلاحية وشرع في بناء مسار مهني جديد، مستغلا عشقه للصورة لتأريخ بعض رحلاته داخل المغرب وخارجه.

عاد غابرييل إلى القصر، حين قدم صورا للمغرب هدية لمحمد الخامس، الذي ضمه لطاقم التصوير، لكنه لم يتمكن من العودة إلى مهمته كمصور، حيث تسلل إليه الوهن ومات حزنا على زوجته، ليخلفه فرنسي آخر يدعى فيرناند الذي منعه المهدي بنونة المستشار الإعلامي للملك، من السفر إلى الديار المقدسة بسبب ديانته فقبل القرار بدون تردد.

لينه.. مصور فيتنامي التقط صور الطائرة الملكية تحت القصف

يرجع الفضل إلى أحمد العلوي في تأسيس أول نواة إعلامية بالقصر الملكي، وكان أول من تولى مهمة ناطق غير رسمي، باسم البلاط بعد الاستقلال. وكان يحرص على الاجتماع بالمصورين في المؤتمرات الصحافية، ويردد «إنه لا وجود لأسئلة مزعجة بالنسبة له، بل هناك أجوبة مزعجة».

عين المصور الفيتنامي بوي لينه في القصر الملكي وانضم إلى قسم التصوير، وكان تابعا على المستوى الوظيفي للمركز السينمائي المغربي، عرف عنه إبداعه في رسم تفاصيل الوجوه إلى أن لقب بملك «الفوتوشوب»، حيث تتحول المشاهد إلى مزيج من المشاعر المتضاربة.

ولكن ما يسجل في تاريخ هذا المصور آسيوي الأصول، هو ما حصل حين كان يرافق الملك الحسن الثاني في رحلة العودة من فرنسا إلى المغرب، حيث عاش رعب قصف الطائرة من طرف مقاتلات. «انخفضت سرعة الطائرة. اهتزازات مرعبة كانت تؤرجحها، وقدر الجميع أنها ستنفجر بين ثانية وأخرى.. ثقوب الرصاص المتطاير في عدة أمكنة. غزا دخان كثيف من الخلف الطائرة، وهي في كبد السماء. أصيب الفرنسي «ساسيا» حارس الملك الشخصي، في حين لقي حارس آخر حتفه. جرح سكرتير الملك الخاص جرحا بليغا. آنذاك كان مصور الملك «لينه» يقوم بالتقاط صور الفاجعة.. إلى جانب الأمير مولاي عبد الله شقيق الملك، والأمير مولاي علي ابن عمه، والعقيد أحمد الدليمي وأحمد العلوي ومجموعة من أصدقاء الملك والمقربين. كل هؤلاء عاينوا جو الرعب والخوف داخل الطائرة الملكية.. آنذاك كان عددهم 60 نفرا.. فنزلت بمطار الرباط ـ سلا، حيث واصل المصور التقاط صور الرعب في الوقت الذي هرع فيه الجميع نحو أقرب مخبأ»، يقول سكرتير الملك عبد الفتاح فرج في شهادته على النكبة الجوية.

اقصايب.. مصور ومخرج الندوات الصحفية وخطب الحسن الثاني

كان محمد اقصايب يشتغل ضمن الفريق التقني التابع للإذاعة والتلفزة المغربية المكلف بالأنشطة الملكية، وظل مكلفا بالإخراج التلفزيوني للخطب الملكية والندوات الصحفية، فضلا عن عمله كمخرج للعديد من المسرحيات التي شارك فيها فنانون معروفون أبرزهم الطيب الصديقي وأحمد الطيب العلج وثريا جبران، ناهيك عن إخراجه لمجموعة من البرامج الثقافية والوثائقية.

أول لقاء جمعه بالملك محمد السادس يرجع إلى بداية السبعينات، حين زار مقر التلفزة رفقة زملائه في المدرسة المولوية وكان حينها وليا للعهد، حيث كلفت إدارة دار لبريهي اقصايب بتقديم شروحات للأمير حول طريقة اشتغال الطاقم التقني خاصة التصوير التلفزي وأطلعه على التجهيزات المتوفرة.

تطور أداء اقصايب وعين مسؤولا عن وحدة التصوير التي تغطي الأنشطة الملكية، وخضع لبحث دقيق من طرف السلطات الأمنية، وكان تصويره للندوة الصحفية التي أعقبت المحاولة الانقلابية الجوية سنة 1972، نقطة التحول في مسار هذا الرجل المبدع، كان الرأي العام العالمي يتابع الندوة والأشرطة التي كان وراءها اقصايب، والتي حطمت كل الأرقام القياسية بحضور أزيد من 200 صحفي أغلبهم أجانب.

في هذا اليوم حضر طاقم التلفزيون المغربي إلى القصر مبكرا، وقف الجنرال مولاي حفيظ العلمي ومولاي أحمد العلوي في بوابة القاعة، وأصرا على ملازمة اقصايب وهو يبحث عن مكان لكاميرا ثابتة. تحمل الرجل التعليمات الصارمة، ولكنه اختار المكان الملائم لتصوير حدث تاريخي.

في معرض إجاباته عن أسئلة الصحفيين، قال الملك: «بعد إخضاع المعطيات الخاصة بالهجوم على البوينغ 727 وآثاره وظروف حدوثه، وعن مختلف الوقائع والحيثيات التي رافقته بالإضافة إلى تحاليل الحواسيب وقتئذ، كانت النتيجة، أن إمكانية النجاة لم تكن تتعدى الواحد على المليار، لم يكن الجنرال أوفقير قد أعد مخططا بديلا..هذه هي غلطته». كانت إدارة التلفزيون تنتظر وصول اقصايب إلى مقر القناة لإعادة مشاهدة الأشرطة والتأكد من مدى جودتها فقضى المصور ورفاقه ليلة كاملة في دار لبريهي.

وفي الخطب الملكية كان اقصايب حاضرا كمصور قبل أن يصبح مخرجا، إلا أن الخطاب الأشهر هو الذي دشن تلفزة الألوان، وذلك في الثالث من مارس 1973، بعد انقلاب الصخيرات وحادث اعتراض الطائرة الملكية، حيث أريد منه تقديم رسالة إلى من يهمه الأمر بأن المغرب قد تغير وأن زمن الأبيض والأسود قد ولى.

توجه اقصايب إلى قصر فاس وفي قاعة «دار الفاسية»، وضع الرجل رفقة التقنيين الكاميرا الجديدة، تحت إشراف مخرج فرنسي حاول تغيير مكتب الملك حتى يتلاءم وزاوية التقاط الصور، قبل أن يطالب أحد مخازنية القصر بإزالة نافورة صغيرة توسطت القاعة، فشرع هذا الأخير في تنفيذ مطلب المخرج أمام استغراب الطاقم التلفزي الذي كان على رأسه محمد الصديق معنينو، حينها سمع الملك صوت الهدم فانتفض في وجه الطاقم التلفزيوني والمخرج بصفة خاصة.

إثر وفاة اقصايب في شهر أبريل 2016، بعث الملك محمد السادس برقية تعزية ومواساة إلى أفراد أسرة المخرج الراحل، وصف فيها الفقيد برائد الإخراج التلفزيوني والسينمائي بالمغرب.

عباس عطار.. مصور إيراني فشل في الانضمام لصحافة القصر

عباس عطار مصور فوتوغرافي إيراني ذائع الصيت، عرف باسمه الأول على نطاق واسع. هاجر من بلده واستقر في باريس. التزم طوال سنين عمله بتوثيق الحياة السياسية، والدينية، والاجتماعية للمجتمعات خلال الأزمات التي مرت بها. تعاون مع أهم ثلاث وكالات عالمية للتصوير الصحافي على التوالي: «سيبا»، و»غاما»، ثم مع «ماغنوم» حتى وفاته في 25 أبريل 2018 في باريس عن عمر 74 عاما.

أصدر أكثر من كتاب، منها: «يوميات إيران 1971-2002»، و«العودة إلى المكسيك: رحلات خلف القناع»، و«الله أكبر: رحلة عبر الإسلام المحارب»، و«وجوه المسيحية: رحلة فوتوغرافية».

قام برحلات عديدة إلى المغرب والجزائر، على الرغم من تخصصه في تصوير الثورة الإيرانية منذ بدايتها، عندما عاد آية الله الخميني من المنفى. ظل حاضرا بصوره في كثير من المؤتمرات حيث التقط صورا للحسن الثاني ولأحمد الدليمي وللحبيب بورقيبة وهواري بومدين، كما قام بتغطية المسيرة الخضراء وأبدع في نقل تفاصيلها الصغيرة. قبل أن يعرب عن رغبته في الانضمام إلى الطاقم الصحفي للقصر لكن علاقته الراسخة برجال إيران حالت دون تحقيق رغبته.

في حوار مع الصحافي تيري غروس، يتحدث عباس عن عبوره في دول المغرب العربي فيقول: «في الحقيقة كنت في الثامنة من عمري. وأعتقد أن حرب الاستقلال في الجزائر كانت السبب في أن أصبحَ مصورا، مصورا صحافيا، ثم مصور فوتوغراف خالص، لأنني استطعت رؤية التاريخ يصنع أمام عيني. ثمة أحداث كثيرة وقعت بين 1954 و1962، عندما نال المغرب والجزائر استقلالهما. ثمة الكثير جدا من الأزمات وكثيرا من أحداث العنف، وهذا بالنسبة لشاب صغير يتعرض لرؤيتها أن يشهدها».

مصور السادات المعار لأم كلثوم يصطدم بمصوري القصر

في 29 فبراير 1968، حلت أم كلثوم بالمغرب، بعد رحلة جوية مليئة بالمخاطر، حيث أمام اضطراب الأحوال الجوية اضطر ربان الطائرة إلى تغيير الوجهة من مطار الرباط سلا، إلى مطار أنفا بالدار البيضاء، في الوقت الذي أرسل الملك الحسن الثاني مجموعة من الشخصيات لاستقبال كوكب الشرق، فاكتشفوا أن الطائرة غيرت مسارها.

لم تجد ضيفة الملك أحدا في استقبالها، واضطرت إلى ركوب سيارات أجرة رفقة فرقتها وعادت إلى مقر إقامتها في فندق هيلتون بالرباط، وهي في حالة غضب، بينما ظل مستقبلوها أحمد البيضاوي وعبد العزيز السغروشني وعبد القادر الراشدي وعبد الوهاب أكومي وسفير مصر في الرباط حسن فهمي عبد المجيد وسفير المغرب في القاهرة المهدي زننتار يرددون في بهو المطار أغنيتها «فات الميعاد».

كان من المنتظر أن تدوم زيارة أم كلثوم للمغرب أسبوعا لكنها مددت المقام، بناء على رغبة الملك الحسن الثاني. في أول سهرة ظهرت المطربة المصرية بقفطان مغربي من ثوب «الموبرة»، من إنجاز عائلة بنونة التطوانية، وغنت بمناسبة عيد العرش يوم الثالث من مارس، وقبل الحفل أقام الملك حفل عشاء رسمي على شرف الضيفة الاستثنائية، ونقل الحفل مباشرة على أمواج الإذاعة المغربية.

حضر الملك الحسن الثاني الحفلة شخصيا لكن رجال الإعلام والجمهور لم ينتبهوا لحضوره ولم يذكر أحد هذه الواقعة، ولعل السبب أن المقصورة الملكية في مسرح محمد الخامس كانت معزولة عن الجمهور ولها مدخل خاص بحيث يمكن للملك أن يلج الحفل دون أن يشاهده أحد.

وجه الحسن الثاني دعوة رسمية لأم كلثوم من أجل الغناء في حفل خاص بالقصر الملكي فاستجابت على الفور للطلب، يروى المصور المصري الشهير فاروق إبراهيم واقعة غريبة حدثت في المغرب عندما طلب الملك الحسن الثاني من أم كلثوم أن تغني في حفل خاص للأسرة المالكة، «كانت التعليمات بأن يكون الحفل خاصا بكل معنى الكلمة، أي بلا رجال إعلام ولا مصورين، ولكن فاروق إبراهيم أدرك بحسِه الصحفي أن غناء أم كلثوم في هذا الحفل الملكي الخاص فرصة لا يمكن أن تمر دون أن يسجلها بكاميراته فحمل كاميرا صغيرة وأخفاها في ملابسه، وعند دخوله قاعة الحفل قال لرجال الأمن: أنا العقيد فاروق إبراهيم من الحراسة الخاصة، وبدأت أم كلثوم الغناء، وبعد انصراف الملك وأم كلثوم للعشاء، فوجئ فاروق إبراهيم بوزير داخلية المغرب في ذلك الوقت محمد أوفقير يأخذ منه الكاميرا ويقبض عليه.. وعندما علمت أم كلثوم بذلك وكانت تستعد لاستئناف الحفل، ذهبت إلى الملك وطلبت منه إطلاق سراح مصورها الخاص، فكان لها ما أرادت بعد سحب الفيلم من الكاميرا».

ارتبط اسم فاروق بالرئيس الراحل أنور السادات، هذا الأخير احتج بقوة على زوجته السيدة جيهان السادات وكبار مستشاريه حينما اعترضوا على الصور التي التقطت له بالملابس الداخلية ونشرتها جريدة «أخبار اليوم» المصرية، تحت عنوان «يوم في حياة الرئيس»، ولم يعرف المصور الشاب، وقتها، فاروق إبراهيم أن هذه الصور الخطيرة التي التقطها للرئيس ستكون أهم «خبطة» صحفية في حياته بعد ذلك، وأنها ستجعله، هي والعشرات غيرها، واحدا من أهم المصورين الصحفيين في تاريخ الصحافة المصرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى