الرأي

«تشانك» بنكيران

كان السي عبد الإله بنكيران ذكيا في المهرجان الخطابي بجماعة لالة ميمونة واختصر على نفسه وعلينا مشقة البحث عن إنجازات حزبه ووزرائه واعترف بأن حكومته هي «حكومة معارضة».. وهكذا استطاع بنكيران أن يجد لنفسه ولحزبه مخرجا مشرفا لكل هذه السنين من البطالة في المنجزات التي قضوها في الجماعات المحلية والبرلمان والحكومة، يشاركون ويحكمون ويعارضون، وإنجازهم الوحيد لمعارضة الفساد والاستبداد هو خط هاتفي أخضر ووصلات في التلفزيون تنافس إشهارات «المونادا» ومساحيق التصبين.
يحتاج بنكيران اليوم بكل إلحاح وضرورة إلى أن يحمل معه مرآة صغيرة في الجيب بعدما قال للمغاربة إن «وجه حزبه كالبارحة واليوم»، وإذا خانته الرؤية فما عليه سوى أن يدخل إلى «يوتوب» وينقر على أشرطته وأشرطة قيادييه ما قبل «الربيع العربي» وما بعده، ويلعب لعبة مسلية اسمها البحث عن الاختلاف، بين اليوم الذي كانوا يرفعون فيه شعارات إسقاط كل شيء ويتوعدون الدولة العميقة، حتى اليوم الذي أصبحوا يدفنون فيه تحت التراب كل شعاراتهم ويتخفون في خطبهم وبرامجهم وراء ثنائية الملك والله.
ماذا يعني أن يقول زعيم حزب سياسي ورئيس حكومة للمئات من المواطنين المغاربة البسطاء في جماعة لالة ميمونة التي لا تتوفر حتى على «الواد الحار»، إن «هاد الناس جابتهم المحبة ديال الله»، رغم أنهم في تجمع حزبي استعدادا للانتخابات من أجل إرجاع إخوان بنكيران إلى السلطة، وليسوا في وقوف عرفات أو المزدلفة يغسلون ذنوبهم ويؤدون المناسك، لكن هذه هي بالضبط التقنية التي يجيدها السي عبد الإله للحفاظ على ما تبقى من شعبيته، بعدما أحرق وراءه كل أوراقه وخانته الإنجازات ووضع رقبة البلاد في يد جزار كبير اسمه البنك الدولي. لذلك فالمهمة الوحيد الذي تبقت له وهو يخاطب الشعب هو أنه «يدق ويقول شكون» في الآن نفسه.
بنكيران لا يقول للشعب إن حزبه يسير الجماعات المحلية والقروية ومجالس المدن الكبرى والمتوسطة في المغرب، يدا في يد مع الاستقلال والأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري، وأنهم إذا كانوا يمثلون علينا دور الأعداء في الرباط والبرامج التلفزيونية وفي البرلمان، فإن حزب العدالة والتنمية في نسخته الجماعية التي تسير وتحكم المدن والقرى وتدبر شؤون المواطنين اليومية، هو حزب يتحكم في صرف ميزانيات ضخمة بوئام وانسجام ووصال ووداد تام وغريب مع أعدائه من أحزاب المعارضة، غير أن الصورة الحقيقية والمخفية في كل هذه اللعبة هو أن البلد أصبح مثل كعكة يختلفون في أكلها من الأعلى، لكن يضعون اليد في اليد لافتراسها من الأسفل.
لدينا اليوم في المشهد السياسي رئيس حكومة يأتي إلى الشعب قبيل الانتخابات ويقول «حاولو عليا»، في الوقت الذي يفترض فيه أن يأتي ليقول «راني خدام باش نحاول عليكم ونحسن معيشتكم»، لكن أخطر شيء في لعبة «الضميس» وخلط الأوراق التي يتقنها بنكيران، هو أنه حين كان يشتكي وهو رئيس للحكومة أمام فقراء جماعة لالة ميمونة بأنهم يفتقرون إلى «الواد الحار»، كان عليه أن يصارحهم أيضا بأن المال العام الذي يفترض إنجاز مشاريع التنمية المحلية به يذهب جزء منه إلى ابنه الذي يدرس في باريس بأموال المغاربة، رغم أن والده يتقاضى 10 ملايين في الشهر ويتنقل في سيارة مصفحة وحراس شخصيين على حسابنا.
في لعبة «البيع والشرا» التي يتقنها المغاربة في المقاهي على طاولات «الكارطة»، هناك حالة في الحساب يصلها اللاعب تسمى «التشانك» وهي حين يتوفر اللاعب على أوراق كثيرة لكنها تساوي صفرا. يفاخر أمام اللاعبين برميها الواحدة تلو الأخرى لكن دون أن يحقق بها أي نقطة، واليوم نحن أمام الحالة نفسها في السياسة، بنكيران لاعب سياسي لكن يده اليوم «عامرة بالتشانك».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى