شوف تشوف

الرئيسية

تقبل الله عزاءكم

يونس جنوحي
تلزمنا دائما مشاكل كثيرة في الجنوب لكي نصل إلى الصفحة الأولى. لا شيء يحدث في تارودانت سوى صنع ما يجعل الإعلام العمومي يشد الرحال لأخذ الشهادات حول الفواجع حتى تُعمم مأساة «الرودانيين» فوق موائد غذاء المغاربة في مكان آخر.
ملعب كرة قدم جرفته المياه بمتفرجيه ومدرجاته الإسمنتية ولاعبيه وارتفع صوت المياه المرعب فوق أصوات التشجيعات. لماذا بُني الملعب فوق مجرى الوادي وكأنه يتحدى الطبيعة؟ ولماذا لم يتوصل السكان بمضمون النشرة الإنذارية التي كُتبت باللغة الفرنسية والصادرة رسميا عن المصالح الوصية؟ لماذا تصدر النشرة باللغة الفرنسية علما أنها أساسا موجهة لسكان منطقة قروية جلهم فلاحون بسطاء، وليسوا ملحقين بالسفارة الفرنسية في حي الرياض بالرباط حتى تخاطبهم إدارة الدولة وتحذرهم من الخطر بالفرنسية؟
تقول الأسطورة، ولا شك أنها وقعت في زمن غابر، إن سيدة تركت أبناءها وذهبت لتحضر لهم ما يأكلون. وعند عودتها اكتشفت أن الوادي «حمل» فجأة بدون سابق إنذار وجرفت مياهه الطوفانية أبناءها لكي يغرقوا في قعر المحيط. وعندما صاحت السيدة وسط الناس بالأمازيغية: «تاروا دانت» وهي جملة من كلمتين تفيد بأن الوادي أخذ الأبناء معه، صار وقع العبارة موسيقيا، بل ومناسبا لكي يصبح اسما لمدينة تعتبر واحدة من أقدم المدن المغربية. يا لها من مأساة! ومن يومها والوادي يحصد حصته بانتظام من الأرواح ويذهب بها معه.
جاء محمد ساجد، وزير السياحة، لكي يقدم العزاء. وسبقه عامل المدينة الذي اجتمع بالناس ليلا وجلس الجميع ينتظرون طلوع النهار لكي يبحثوا عن ناجين على طريقة أفلام اكتشاف القارة الأمريكية، وكأن الوقاية المدنية والسلطات لم يسمعوا يوما عن الأضواء الكاشفة.
هناك مسؤولية سياسية لا يريد أحد أن يتحملها بخصوص ما وقع. هناك برلمانيون في الإقليم قدموا وعودا للشباب بتأسيس ملاعب كرة القدم مقابل الحصول على أصواتهم منذ ثلاثين سنة ولا زالوا يقدمونها إلى اليوم.
أكبر إقليم في المملكة، من ناحية المساحة على الأقل، يعيش يوميا على وطء هشاشة البنيات التحتية. ومرور بسيط أمام مستودع الأموات في مستشفى المختار السوسي، سيجعلكم تحسمون في مأساة القرويين الذين يأتون من دواويرهم إلى مدينة تارودانت بانتظام فقط لإتمام إجراءات استخراج الجثامين من مستودع الأموات لدفنها. أرواح كثيرة تصعد إلى السماء بانتظام بسبب وعورة المسالك وغياب التجهيزات الطبية والإهمال وأحيانا الفقر.
عندما جاء وزير السياحة ليقدم التعازي، وهو أمر غريب حقا، كان الناس ينتظرون أن يأتي أحد ما لكي يستعمل هاتفه على الفور لإحداث رجة في الإدارات حتى لا تتكرر مأساة من هذا النوع.
لكن الرجل قدّم التعازي بحكم أنه ينحدر من المنطقة، وقام بجولة بين الممرات الترابية، ووزع نظراته بين المتجمهرين حوله.
عندما كنا أطفالا، بحكم أنني أنحدر من المنطقة، كنا نسمع قصصا كثيرة عن هدير الوادي الذي يحمل معه الأشجار والحيوانات الميتة والسيارات والضحايا ويقلبهم جميعا كما لو أنهم وجبة شديدة الدسم، ليرميهم في البحر. إلى أن جاء يوم جرف الوادي معه تلميذا كان يأتي من قرية بعيدة لكي يدرس معنا في المركز. كان التلميذ يرغب في اجتياز الامتحان وحاول العبور رغم نصائح الكبار بعدم المحاولة. ومات ليترك حزنا كبيرا في قلب أستاذة تنحدر من الرباط، أعادت إلينا أوراقنا مبللة بالدموع.
لا شك أن الأسطورة قد أصبحت حقيقية، فالوادي لا زال يجرف سكان تارودانت والنواحي واحدا تلو الآخر. أما أنتم سيدي الوزير، فتقبل الله عزاءكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى