الرأي

«تلفزة سامحيني»

يبدو أنه من الصعب ضبط تقاليد المشاهدة لدى جمهور القنوات المغربية لكن الأكيد أن النزيف الذي تتعرض له «القنوات العمومية» استفحل إلى درجة اللاعودة، حيث أفاد تقرير أخير لـ «ماروك متري» المتخصصة في قياس نسب المشاهدة بأن قناة «الأولى» لم يتابعها خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري سوى ما يزيد قليلا عن نسبة 5 في المائة، وهو ما كان يستدعي استنفارا حقيقيا لدى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة من أجل إعادة النظر جذريا في الشبكة البرامجية وتشخيص الداء وطرح البدائل لحالة الإفلاس المزمنة، لكن لا حياة لمن تنادي وكأن القوم استسلموا أمام الأمر الواقع أو أنهم عجزوا تماما عن تقويم الاختلالات وإبداء الحلول، وهو ما يستدعي على الأقل تقديم المدراء استقالتهم بحجة العجز وانعدام الكفاءة وإهدار المال العمومي، ذلك أن الاستقالة لانعدام الكفاءة وضعف المردودية إجراء عادي في قنوات الدول ذات التقاليد الاعلامية الراسخة كما حدث مؤخرا بفرنسا حيث تم إعفاء مدراء إعلاميين واستبدالهم بكفاءات قادرة على رفع التحدي ورهانات التنافسية، ففي مثل هذه الدول يدرس المدراء كل صباح نتائج قياس مشاهدة برامج الأمس، ويتخذون بناء عليها اجراءات فورية ويضعون خططا استعجالية لإصلاح مايمكن اصلاحه.
وقد سجلت «ماروك متري» أن المشاهدين المغاربة مازالوا يفضلون مشاهدة القنوات الاجنبية بمعدل 56، 6 في المائة، وهو ما يعني أن المغاربة اكتسبوا تقاليد مشاهدة لمنتوج تلفزي لا يمكن لقنوات القطب العمومي ان تدخل معه في المنافسة لأنها ستمنى بالفشل والهزيمة لا محالة، فلا بد من ضخ دماء جديدة في هذه القنوات لخلق ديناميكية جديدة على قطاع أفلس بعد حوالي نصف قرن من التجريب والهواية والعشوائية في التخطيط والتدبير والإمعان في تهميش الكفاءات.
وسجلت «ماروك ميتري» أن المشاهدين المغاربة أصبحوا يكتفون من قناة دار البريهي المفلسة بمتابعة النشرات الإخبارية وأحوال الطقس، ثم يغادرونها مباشرة بعد ذلك للتحليق في أجواء الفضائيات الدولية.أما القناة الثانية فقد وحدت ضالتها في المسلسلات التركية والمكسيكية التي لولاها لعرفت مصير «الاولى» لكن ألا يقول المثل المغربي الحكيم:»اللي مكسي بديال الناس عريان»، والى متى ستصمد القناة الثانية بتمسكها بقشة البضاعة الدرامية التركية في وجه تقلبات أذواق الجمهور الذي سبق له ان استهلك حتى التخمة البضائع المصرية واللبنانية والمكسيكية بل وحتى الكورية والهندية ثم عزف عن متابعتها بحثا عن صيغ ترفيهية أخرى. وهذا يعني أن إفلاس القناة الثانية لا يمكن أن تخفيه فقاعة «سامحيني» و»ثمن الحب» بعيدا عن الانتاج الدرامي المغربي الذي يتعرض للمعاكسة والتضييق والاخوانيات ضدا على مبادىء الانصاف وتكافؤ الفرص، مع العلم أن المشاهد المغربي لا يقاطع الأعمال الدرامية المحلية حين تتوفر فيها معايير الجودة والإتقان.
ولا شك أن المعضلة الأساسية التي تعاني منها القنوات المغربية تتمثل في سوء التدبير والاصرار على اسناد الامور الى غير أهلها، والتشبث بشعار: «شوف وسكت».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى