الرئيسيةالقانونية

تنقل وعمل المحامي في زمن الكورونا

محمد أمغار
دكتور في الحقوق
محام بهيئة الدار البيضاء

لا يختلف اثنان حول أن الحجر الصحي، المتخذ في الظروف الحالية، يعتبر الوسيلة الوحيدة الناجعة لمواجهة وباء كورونا المستجد، وهذا يستدعي أن ينضبط الجميع وبدون استثناء لهذا الإجراء، وأن لا يغادر أي واحد مواطن كان أو أجنبيا مقيما أو غير مقيم بيته أو محل إقامته إلا في حالات محددة ولأسباب مستعجلة مرتبطة بالمعيش اليومي، أو العمل الذي لا يمكن تأجيله قانونا أو واقعا. وفي هذا الإطار يطرح التساؤل حول طبيعة عمل ومهام المحامي وارتباطها بحالات الاستعجال القصوى، التي تفرض خروجه للعمل في زمن الأزمات؟
إن الجواب عن هذا السؤال ينطلق من تحديد طبيعة المحاماة كمؤسسة من مؤسسات العدالة لا تستقيم المحاكمة العادلة في غيابها، لذلك فإن الكل يعرف أن حضور المحامي بالمحاكم والإدارات المختلفة في زمن الحجر الصحي، يفرضه القانون وتفرضه المساطر القانونية المرتبطة بحماية الحقوق والحريات، هذه المساطر التي تشترط لزوما حضور المحامي إلى جانب كل شخص في حالة اعتقال، سواء أمام الضابطة القضائية أو النيابة العامة أو أمام قاضي التحقيق أو أمام المحكمة أو بالمؤسسة السجنية، وفي هذا الإطار ذهبت المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن دور المحامين إلى أنه «لكل شخص الحق في طلب المساعدة من محام يختاره بنفسه لحماية حقوقه وإثباتها، والدفاع عنه في جميع مراحل الإجراءات الجنائية».
هذا بالإضافة إلى أن طبيعة المهنة تفرض على المحامي ضرورة قيامه بالإجراءات القانونية المرتبطة بالأجل أمام جميع الإدارات أو المحاكم، خشية سقوط حقوق الموكلين أو المتقاضين.
والأكيد أن المحامي يزاول مهامه قانونا بمجموع تراب المملكة، طبقا للمادة 30 من القانون رقم 08-28 المعتبر بمثابة قانون المحاماة، وتنقله في مجموع التراب الوطني للقيام بمهامه القانونية والحقوقية تفرضه عليه الواجبات الملقاة على عاتقه لضمان المحاكمة العادلة، وحماية الحقوق، والحريات في جميع الظروف ولو كانت استثنائية، ما لم يتم إيقاف المساطر وإلغاء أو إيقاف حالات الاعتقال وإغلاق المحاكم وإطلاق سراح السجناء.
ومن هذا المنطلق وباعتبار المحاماة مهنة حرة مستقلة تساهم في تحقيق العدالة، طبقا للمادة الأولى من قانون المحاماة، والمحامي تبعا لذلك لا يخضع لأي سلطة رئاسية، عكس باقي مكونات العدالة وباقي الموظفين أو الأجراء، الذين غالبا ما يكونون مقيدين من حيث العمل وطبيعته بمكان معين وعمل معين تحت سلطة رئاسية، وعلى هذا الأساس فإن تنقل المحامي بمجموع التراب الوطني للقيام بمهامه مؤسس قانونا، بناء على المادة 30 والمادة الأولى من القانون 08-28 المنظم لمهنة المحاماة، هاتان المادتان حددتا طبيعة المهنة على أنها حرة ومستقلة وحددتا مجال ومكان اشتغال المحامي، لذلك فإن تنقل المحامي للقيام بمهامه القانونية والحقوقية لا يحتاج قانونا لأي إذن، ذلك أن التوفر على البطاقة المهنية كاف لإثبات الصفة.
ومن جهة أخرى، فإن تنقل المحامي في هذه الظروف الصعبة الاستثنائية ينبغي أن يتم بشكل استثنائي، أي أن لا يكون هناك تنقل إلا إذا فرضته طبيعة العمل والضرورة والواجب المهني، حماية للمحامي وأسرته وزملائه، ومساهمة منه في الحد من تفشي الفيروس القاتل، على أن الحد من التنقل غير المبرر سوف يقلل من وجود الزملاء بالمحاكم ويجنب الاكتظاظ غير المبرر.
وأظن أن الهدف من خلق قنوات للتواصل بين الزملاء، عن طريق «واتساب» و«فايسبوك» وغيرها من وسائل التواصل الرقمي، هو التضامن والتعاون المهني، ومساهمتنا في هذا التواصل في هذه الظروف بالذات، سوف تحمينا جميعا وتعفينا من التنقل خارج المدن وداخلها، إلا في حالة الضرورة القصوى، التي تتطلب الحضور الشخصي.
لذلك أتمنى أن يكون هناك تعاون وتضامن مهني مادي ومعنوي من المؤسسات المهنية، ومن الزملاء بعضهم تجاه بعض في مختلف الهيئات، خاصة إذا استمرت الأزمة لوقت طويل، والأكيد أنه بالاطلاع على حساب الودائع والأداءات وجداول الملفات بالمحاكم وملفات التطبيب بالتعاضدية، سوف يجعلنا نعرف مَن من الزملاء في حاجة إلى المساعدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى