الرأي

جوزيف سماحة.. الناصرية والإسلام والأسد

نشرت صحيفة «السفير» اللبنانية حواراً، غير منشور من قبل، مع جوزيف سماحة (1949 ـ 2007)؛ يعود تاريخه إلى 17 فبراير 2006؛ كان قد أجراه، في بيروت، الباحث الفرنسي نيكولا دوت ـ بوييار. في هذا الحوار، الذي ترجمه بول أشقر، يتحدث سماحة عن مراحل مفصلية في سيرته السياسية، من التأثر بالناصرية، وأفكار السورييَن ياسين الحافظ وإلياس مرقص، إلى عضوية «حزب العمال العربي الثوري» و«منظمة العمل الشيوعي»؛ وكذلك سيرته المهنية، من الصحافة اللبنانية، إلى العربية المهجرية، فالعودة مجدداً إلى لبنان ورئاسة تحرير «السفير» (جرى الحوار، قبيل انتقال سماحة إلى تأسيس «الأخبار»).
لم يشأ الراحل التوقف عند محطات أخرى، إشكالية، في السيرتَين، وهذا أمر ليس هنا مقام الخوض فيه؛ ولكنه، مع ذلك، أضاء، بنبرة بوح لا تخفى، ما يجوز اعتباره سلسلة اختمارات مركزية في وعيه الفكري والسياسي يومذاك (وكان قد بلغ الثامنة والخمسين)، حول الناصرية، و«القراءة المتمركسة للقومية العربية»، والإسلام السياسي من زاوية «حماس» و«حزب الله» وأمثال راشد الغنوشي، والليبرالية واليسار في العالم العربي؛ آنذاك، بالطبع. «بلى، أنا ناصري»، قال سماحة، «لأنّ الناصرية ليست بالضرورة فكراً كالبعث أو الماركسية، ولكنها تجربة عملية، وحتى تجربة عاطفية. وقد غيرت بعمق العالم العربي آنذاك بما فيه نظرة العرب لأنفسهم إزاء الغرب»؛ وكذلك: «عندما أقول إنني ناصري، فذلك، أيضاً، وسيلة لأقول إنني لست بعثياً».
وعن الإسلام السياسي: «يبدو لي أن التيار الإسلامي، مع كل التغييرات التي عرفتها «حماس» في التسعينيات في فلسطين، وفي لبنان مع «حزب الله»، هو الذي أمسك بخطاب التحرر الوطني، وهو الخطاب الوحيد القادر على تحريك الجماهير العربية». وأيضاً: «كيساري متمسك بالقضية الوطنية، أرى أنهما سياسياً في الاتجاه الصحيح للتاريخ… و«حزب الله» أكثر من «حماس»، ولكن لنقل إن كليهما… في الاتجاه الصحيح للتاريخ». تُرى ما الذي كان سماحة سيقوله اليوم، إزاء مآلات التنظيمين معاً، في لبنان وسوريا وفلسطين؟ سؤال ليس نافلاً تماماً، بالطبع، وإنْ كانت الإجابة عليه أقرب إلى مجازفة معلَنة، إذا سلمت من تهمة الرجم بالغيب!
في المقابل، وجرياً على جسارته الفكرية والسياسية المعتادة، لا يتردد سماحة في عقد بعض الأمل على «كتابات مثيرة للاهتمام»، عند محمد حسين فضل الله، داخل «الفكر الشيعي الأوسع»؛ ولا يجد حرجاً في توصيف الشيخ يوسف القرضاوي هكذا: «هناك نظرتان ممكنتان حوله، تستطيع أن ترى فيه شيخاً أصولياً متخلفاً عن جدّ، وتستطيع أن ترى فيه شخصاً متقدماً لأنه يتجاوز البعض الآخر بسنوات ضوئية». وكذلك: «تحركت الأشياء عند الإخوان المسلمين في سوريا، وهناك حداثة ما في وثائقهم الأخيرة. ربما في تونس يقوم الشيخ راشد الغنوشي بشيء يستحق الاهتمام إنْ من حيث التجديد الثقافي، أو من حيث العلاقة بالعلمانيين».
طريف، إلى هذا، أنّ سماحة يستخدم مفردة «السوريين»، بدل تعبير النظام السوري مثلاً، حين يتحدث عن تعذر سفره إلى بيروت من باريس ـ حيث أقام منذ عام 1982، بعد الاجتياح الإسرائيلي ـ بسبب عمله في أسبوعية «اليوم السابع»، التي كانت ذات «لهجة عالية» إزاء السياسة السورية في لبنان. وفي 1995، يقول سماحة: «سمح لي السوريون بالعودة مرة واحدة ولفترة وجيزة جداً لزيارة والدتي التي كانت مريضة». والحال أنّ تبدّلاً نوعياً طرأ على الراحل بعدئذ، سواء في الموقف من النظام السوري، وكان بشار الأسد قد ورث السلطة عن أبيه، حين ساجل بإمكانية الإصلاح في عهد الوريث، بل راهن على زيد أو عمرو من «ضبّاط الإصلاح» في هرم السلطة؛ أو في النظرة إلى الوجود العسكري والأمني للنظام السوري في لبنان، والمشهد اللبناني الداخلي بصفة أعرض.
لقد طالب بوقف الحديث عن انسحاب هذه القوات، لأنه لا تتوفر سلسلة من «الجهوزيات» الضرورية، الداخلية والإقليمية والدولية؛ والانسحاب، في غيابها، يهدد «السلم الأهلي» اللبناني، وقد يصيب بالعدوى السلم الأهلي الشقيق في سوريا، فينتقل قوس التهديد إلى العراق، ثمّ إيران، وتتحقق بذلك أهداف قرار مجلس الأمن الدولي 1559. كذلك طالب المعارضة السورية بإصلاح العلاقات السورية ـ اللبنانية، وعدم ربطها بالإصلاح الداخلي السوري؛ ولهذا رفض التوقيع على عريضة المثقفين اللبنانيين، التي استنكرت اعتقال المعارض السوري البارز رياض الترك للمرة الثانية، وتغيّب عن اعتصام بيروت تحت رايات العلمين اللبناني والسوري. أخيراً، في توصيف خطاب حسن نصر الله خلال المظاهرة المليونية الشهيرة، مارس 2005، أطرى سماحة «نضج الكلمات: واضحة، قاطعة، حوارية، مبدئية، مسؤولة…».
يومها، في عداد «نضج الكلمات» إياه، قال نصر الله: «اجتمعنا اليوم للأهداف التي أعلناها في المؤتمر الصحافي، وفي مقدمها توجيه الشكر لسوريا الأسد، لسوريا حافظ الأسد، لسوريا بشار الأسد…»؛ الأمر الذي توجّب ألا يرضي ناصرياً، أو ماركسياً، أو حتى… جوزيف سماحة، شخصياً، دون سواه!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى