شوف تشوف

شوف تشوف

حامل المصباح في ليل الذئاب

أستعير هذا العنوان من ديوان للشاعر العراقي الراحل «سركون بولص»، لأنني أجده الأليق لوصف حال عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، هذه الأيام.
وإنني أعترف بأنني كنت شرسا في انتقاد بنكيران عندما كان يتحمل مسؤولية رئاسة الحكومة، انسجاما مع الدور الرقابي المفروض في الصحافي المستقل القيام به، لكنني عندما أرى اليوم أولئك الذين كانوا يأكلون من يده ويتملقون له ويحنون رقابهم له خوفا وطمعا، يرجمونه اليوم في الساحات ويصفونه بالحمق معلنين نهايته، فإنني أستغرب لقدرة هؤلاء المنافقين على تغيير الأقنعة بحسب تغير موازين القوى.
ويبدو أن الوحيد الذي حفظ لعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، مكانته واعتباره هو الملك محمد السادس، فقد أصدر أوامره بالاحتفاظ لبنكيران براتبه كاملا وسيارة الخدمة والحراسة الخاصة.
وهذا ليس بغريب على ملك درج على حفظ مكانة الناس الذين اشتغلوا إلى جانبه، مثل حسن أوريد، الناطق السابق باسم القصر الملكي ووالي مكناس السابق، والذي يحتفظ إلى اليوم براتبه وسيارة الخدمة رغم أنه غادر خدمة البلاط منذ سنوات ويمارس حريته في انتقاد المخزن وسياسة المخزن.
اليوم هناك تراشق داخلي بين قيادات الصف الأول للحزب، وتبادل للاتهامات والتخوين، فالبرلمانية ماء العينين تعاتب وتسائل الوزير الرباح عن سبب عدم تقديمه لاستقالته إذا كان ضد دخول الاتحاد الاشتراكي للحكومة، والوزير الرباح يسائل ماء العينين عن سبب قبولها منصب نائبة رئيس مجلس النواب إذا كانت ضد انتخاب المالكي رئيسا للمجلس.
أما البرلماني حامي الدين، فقد كتب ينصح إخوانه بالحرص على بيضة التنظيم، ونسي أن بيضة التنظيم «دار بيها الحزب لومليط سنة 2011».
وهناك نقاش ساخن اليوم داخل حزب العدالة والتنمية، أو بالأحرى بين حزب بنكيران وحزب العثماني، حول نقطة فريدة هي هل مات بنكيران أم أنه حي يرزق.
من خلال خرجاته الأخيرة، يحاول بنكيران أن يرسل إشارات قوية عن كونه لازال ينبض بالحياة، خصوصا عندما قال إن الناس لم يقبلوا إبعاده من رئاسة الحكومة.
المشكلة أن الناس الذين يتحدث عنهم بنكيران لم يحركوا الأصبع الصغير من أجله وظلوا متكئين فوق كنباتهم يتابعون «التبهديلة» التي يتعرض لها بنكيران على يد ذويه وإخوانه، ضاربين كفا بكف متحسرين على عزيز القوم الذي يتعرض للإذلال.
وإذا كان بنكيران يعتقد أن الناس لم يقبلوا بإبعاده من رئاسة الحكومة، فإن الوقائع تدل على أن أقرب مقربيه قبلوا بذلك بل زكوه وباركوه.
أما الواقفون في صف بنكيران فهم قلة قليلة يمارسون معارضة حنجرية ضد العثماني، وليست لديهم السلطة التقريرية داخل أجهزة الحزب، مما يعني أن بنكيران تحول فعلا إلى أقلية داخل الحزب وحشر في الزاوية الضيقة تمهيدا لإخراجه من الباب الضيق للحزب، وهذه هي المؤشرات الموضوعية على ما نذهب إليه:
أول مؤشر هو خروج مساعد بنعرفة على أمواج الإذاعة ينفي عنه تهمة الخيانة معلنا عن انتهاء حقبة بنكيران وبداية حقبة العثماني «رئيس الحكومة الشرعي».
والرميد الذي ينعي اليوم على الأثير بنكيران ويقسم إرثه وهو لا زال حيا يرزق، يعتبر المسؤول الرئيسي في نكبة هذا الأخير، وسيحتفظ له التاريخ السياسي المغربي بدور يهودا الأسخيروطي أحد تلامذة المسيح الاثني عشر، والذي لم يمنعه حب المسيح له إلى درجة أنه كان يغمس اللقمة ويضعها في فمه، من خيانته وتسليمه للرومان لصلبه، «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم»، صدق الله العظيم.
ثاني مؤشر على تحول بنكيران إلى أقلية هو الفشل في جمع نصاب عقد المجلس الوطني، والذي يتطلب جمع تسعين عضوا من أعضاء برلمان البيجيدي، مما يعني أن بنكيران تحول إلى أقلية داخل المجلس الوطني، وتحول أيضا إلى أقلية في الأمانة العامة للحزب، فبعد تشكيل الحكومة أصبح 12 وزيرا عضوا بالصفة في الأمانة العامة، أي أن هؤلاء عمليا هم مع العثماني وليسوا في صف بنكيران.
ثالث مؤشر هو ظهور بنكيران كمن ليست له سيطرة على الفريق البرلماني، حيث إن 121 نائبا «بايعوا» برنامج العثماني، فيما أربعة غابوا.
رابع مؤشر هو أنه إلى حدود اليوم بنكيران لم يجمع الأمانة العامة بعدما كانت هذه الاجتماعات أسبوعية منتظمة.
خامس مؤشر هو ظهور الانقلابات في مواقف أقرب مقربيه، الخلفي، يتيم، الرميد، الشيخي، العمراني، وسحب البساط من تحت قدميه في حركة التوحيد والإصلاح عندما ذهب العثماني للقاء الشيخي حيث جددت الحركة دعمها للعثماني وباركت حكومته.
هذا دون أن نتحدث عن المؤشرات الطفيفة من مثل تأخير نشر فيديو بنكيران مع البرلمانيين لعشرة أيام واضطهاد أتباعه وحوارييه من طرف رجالات العثماني، وحادثة انتخاب النائب الأول لرئيس مجلس النواب، حيث إن بنكيران أمر بإعطاء هذا المنصب لماء العينين، لكن أصواتا معارضة داخل فريق البيجيدي عارضت هذا الأمر، وعلى رأسها بوانو الذي يعتبر نفسه أحق بهذا المنصب، فاضطر الفريق للجوء للتصويت فتم انتخاب عبد العزيز العماري، عمدة الدار البيضاء، في هذا المنصب.
السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بخصوص هذا المشهد الحزبي المقبل على التشظي، هو لماذا كل هذه الحروب داخل حزب ظل يعطي عن نفسه صورة الحزب الطهراني الذي يشتغل أعضاؤه مع الله في سبيل الله؟
الجواب هو أن المحرك الرئيسي لهذا الانقلاب ليس هو المبادئ وإنما المصالح، فالعثماني لديه اليوم ما يعطي لأبناء العدالة والتنمية فيما بنكيران ليس لديه ما يعطيهم، فهناك 330 منصبا في الفريق الوزاري، منها عشرة مرتبطين بالديوان وستة يأتي بهم الوزير مكلفين بالدراسات بمبالغ محترمة أقلها 15.000 درهم، ولدى الوزير الحق في التعاقد مع 12 خبيرا بمقابل يصل إلى 40.000 درهم وفق مرسوم التعاقد الذي تركه بنكيران والذي أحدث زوبعة في حينه.
الكعكة التي يسيل لها لعاب تابعي العثماني لا تقف عند هذا الحد، بل هناك مناصب المسؤولية التي سيكون التعيين فيها تحت إمرة الوزير، الذي تحته 12 كاتبا عاما، وأكثر من 30 مديرا مركزيا، وأكثر من 150 رئيس قسم، وأكثر من 300 رئيس مصلحة. ناهيك عما سيوفره القانون المالي من مناصب شغل في 13 قطاعا حكوميا يسيرها وزراء المصباح.
زد على ذلك مئات عمليات الإلحاق من وزارات ومن جهات نائية نحو الرباط، مثلما فعلت آمنة ماء العينين عندما ألحقت زوجها المعلم الفائض عن الحاجة في تيزنيت ليصبح رئيس مصلحة في وزارة «الشوباني لذيذ» عندما كان وزيرا للعلاقة مع البرلمان.
فأتباع العثماني يتبعون القاعدة الفقهية الأصولية التي تقول «أينما كانت المصلحة فتم شرع الله»، والمصلحة هنا هي المنصب وامتيازاته.
إن الانقلاب على بنكيران أماط اللثام عن حقيقة لم نمل طيلة سنوات من تكرارها، وهي أن هؤلاء الذين يتدثرون بالدين للوصول إلى السلطة ليسوا طهرانيين كما يدعون بل هم جماعة من الوصوليين والانتهازيين المستعدين لتغيير جلودهم من أجل أصغر منصب مسؤولية.
وهم مستعدون للتناحر والانقلاب على بعضهم البعض، فأشرس الحروب التي وقعت في التاريخ هي بين الإسلاميين، وإذا كانوا يتقاتلون بينهم هكذا على المناصب فكيف سيصنعون معنا نحن الذين لسنا معهم عندما سيحصلون على السلطة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى