سري للغاية

حسن فرج : «أشك في أن خديجة نتيجة علاقة بين عبد الفتاح وخادمة سابقة في منزله»

يونس جنوحي

بالأمس حمّلت والدك المتوفى مسؤولية مآل الأسرة اليوم، بسبب معاملته التفضيلية لخديجة..
كانت تعتقد نفسها أميرة في لحظة من اللحظات. كانت مدللة جدا وتحصل على ما تريد. كنت ألاحظ أيضا أنهما يجلسان بمفردهما كثيرا ويضحكان، خصوصا عندما بلغنا معا سن المراهقة. في المقابل ازدادت الهوة بيني وبينه أكثر، إلى أن طردني بشكل مباشر من الأسرة.

  • قبل أن نصل عملية الطرد، أخبرنا بمسارك الدراسي، لأنه سيلعب دورا في السيناريو الأول لعملية إبعادك عن الأسرة، كما تقول.

في سنة 1984، بدأ مساري الدراسي بالمدرسة الأمريكية، وهو وقت مبكر جدا بحكم أنني من مواليد 1982. استمررت في الدراسة هناك إلى سنة 1989 بعدها نقلني والديّ إلى البعثة الفرنسية «أندري شيني» في الرباط دائما، وقضيت بها ثلاث سنوات تقريبا، وبعدها مباشرة التحقت بثانوية ديكارت. جاءت سنة 1999، وأصبحت خارج المغرب، وقررت أن أستمر في الدراسة بفرنسا لأحصل هناك على شهادة الباكلوريا.

  • طيب.. مسار أختك مشابه تماما لك، كيف كانت علاقتكما أثناء سن المراهقة؟

عبد الفتاح لم يكن يريدنا أن نتواصل، لكننا كنا نعيش معا، بشكل عادي. لا شيء تغير في واقع الأسرة طوال تلك السنوات. القطيعة بيني وخديجة ستبدأ مباشرة سنة 1999 عندما طردني عبد الفتاح من حياته نهائيا، لأجد نفسي مشردا.

  • كيف تصف لنا شخصية عبد الفتاح فرج في ذلك الوقت؟

كان يفقد صبره بسرعة، وازدادت عصبيته بشكل كبير، وبالطبع ازداد جبل الجليد بيني وبينه في التضخم. أما أمي فقد بقيت في مكانها، بنفس العواطف المكتومة.

  • قلت إنها كانت تحكي لأحد أساتذتك الذي أصبح صديقا للعائلة، عن معاناتك مع والدك.. ألا يعني هذا أنها لم تعد تكتم الأمور؟

أستاذي للموسيقى حاز على ثقة الوالدة بشكل كبير، لأنه كان ملتزما تماما ومنضبطا بمواعد العمل، وهو ما جعل أمي غيثة تقدر فيه هذه الأمور لأنها كانت صارمة ومنضبطة أيضا. في البداية أوصته بي خيرا وشرحت له أن وضعي صعب كما أنه لاحظ الأمر بنفسه. في ما بعد، أي بعد أن أصبحتُ خارج المغرب، كانت تحكي له عن معاناتي مع والدي عبد الفتاح.

  • سؤال مباشر: هل تكره أختك خديجة اليوم؟ لا أحد يعلم مكان وجودها، وكما سنعرف في ما سيأتي من حلقات فقد بلغك موتها بل وأقيمت لها جنازة في المغرب..

لا أكرهها إطلاقا. أنا متسامح جدا ولا تهمني ثروة عبد الفتاح فرج، وقد عبرت عن حسن نيتي في أقسى لحظات الأزمة العائلية سواء مع أمي وأختي أو مع عائلة عبد الفتاح نفسه.

  • لكنك كنت المتضرر الأكبر من حسن علاقتها بعبد الفتاح فرج، لماذا في نظرك كان يعاملها بشكل تفضيلي؟

في الحقيقة المسألة شائكة. عندما كنا في سن المراهقة لم أكن أفهم شيئا في ما بعد فهمت بعض الأمور، وعلمت، بطريقة خاصة، أن هناك إمكانية كبيرة في أن تكون خديجة ابنة عبد الفتاح فرج، أي من صلبه.

  • كيف؟ أ تقصد أنها ابنتهما بيولوجيا؟ لكنك قلت إن الأسرة جاءت بها قبلك من مؤسسة لالة مريم.

لا لا.. أقصد أنها ابنة عبد الفتاح فرج من سيدة أخرى. أمي غيثة ليس لها أبناء أبدا. لا تنس أنهما متزوجان منذ الستينات، ولم يرزقا بأبناء. لدي ما يزكي هذه الفرضية فعلا. لأن المعاملة التي خصصها عبد الفتاح فرج لخديجة لم تكن عادية أبدا، ولم تكن طبيعية أيضا.. ولا شيء يفسرها إلا أنها ابنته من صلبه، لذلك أحبها بذلك الشكل الكبير.

  • أليس في الأمر غيرة منك..؟ ربما يكون الأمر طبيعيا واتخذته أنت بحساسية مفرطة.. ما رأيك؟

بل أؤكد أن علاقته بها لم تكن عادية، ما معنى أن يترك عبد الفتاح فرج وصية قبيل موته بقليل، يفوت لها ما قدره 80 في المائة من ثروته، مقابل 20 في المائة فقط لزوجته غيثة التي شاركته مسارا طويلا. كما أنه كان يخصص لها وقتا طويلا ويجلسان ويسهران حتى وقت متأخر حتى عندما تكون علاقته بوالدتي غيثة متوترة جدا.
ترك لها 80 في المائة من كل شيء يملكه بالإضافة إلى صندوق حديدي لها وحدها حق الوصول إليه. لم يترك شيئا لإخوته ولم يترك شيئا لي على الإطلاق.
عندما سأحكي لك عن أيامه الأخيرة ومعاناته مع المرض، وطبيعة العلاقة التي كانت تجمعه بخديجة، ستفهم إلى أي حد كانا متقاربين. هذه الأمور زكت لي فعلا أنها ابنته من صلبه.

  • تحدثت عن سيدة أخرى.. هل لديك فكرة عمن تكون أم خديجة؟ وإن كان هذا الكلام صحيحا أو قريبا من الصحة.. من قد تكون أما لخديجة، وتقبل أن تعيش في الظل. ولا تستفيد بدورها من إرث عبد الفتاح ما دامت أما لابنته؟

قلت لك سابقا إنني عندما كنت طفلا كنت ألاحظ دائما أن عبد الفتاح فرج كان ينام في غرفة مستقلة عن والدتي. هذا الأمر كان يزعجني كثيرا كطفل. بالإضافة إلى الجمود الكبير بينهما، كانت هناك خادمة، قبل مجيئي إلى منزل الأسرة سنة 1982. سمعت عنها، وهناك فرضية كبيرة في أن تكون هي والدة خديجة. طبيعة شخصية عبد الفتاح فرج، تسمح له مثلا أن يتدبر أمر تبني الطفلة دون علم زوجته غيثة أو يخطر ببالها أن الطفلة قد تكون ابنته.

  • لكنك قلت إنها حصلت عليها من مركز لالة مريم، وإنها رقت لحالها لأن خديجة كانت مريضة جدا، وقررت أن تتبناها..

هذه أمور يصدقها إنسان عادي. أنا أعلم طباع أمي غيثة جيدا، كانت مهووسة بالنظافة، ولن يقع اختيارها أبدا على رضيعة عليلة. هذه روايتها، وأخبرتنا بها، لكني لم أصدقها يوما. لقد علمت بطريقتي الخاصة أن والدي عبد الفتاح فرج كان على علاقة بخادمة، وهي التي أنجبت خديجة. لا أعلم أي شيء عن والدتها الحقيقية للأسف، لكن ملفها محفوظ عكس ملفي الذي تعرض للتلف أو أُتلف على الأصح حتى لا أعرف أي شيء عن أصولي الحقيقية أو والديّ الحقيقيين قبل أن يتبناني عبد الفتاح.

  • هذا كلام خطير..

والدتي غيثة كانت غامضة. أشك في أنها تعلم الحقيقة، لكني لن أفاجأ، لأنها كانت كتومة أيضا.. كل شيء بينهما كان سريا.

  • إذن تفسر المعاملة التفضيلية لخديجة بأنها ابنة عبد الفتاح من صلبه؟

ليس المعاملة التفضيلية فقط، بل حتى الامتياز الذي حصلت عليه في وصيته بألمانيا. عندما زرته هناك في 2005، لاحظت أنهما متقاربان أكثر مما مضى، وكأنه كان يقضي معها اللحظات الأخيرة من حياته.

  • قلت إن «كل شيء بينهما كان سريا». هل أحسست يوما أن عبد الفتاح وغيثة يخبئان شيئا؟

طبعا. لقد كانا كتومين في كل شيء، إلى درجة أن والدتي لم تخبر أقاربها بطبيعة عمل عبد الفتاح فرج.

  • تقصد والديها؟

لا لا. أتحدث عن خالتها أو عمتها وابنتها في «أولم» حيث كنا نقضي أغلب العطل، وحيث كنا نقيم دائما أثناء زيارتنا إلى ألمانيا. رغم أنها لم تكن مسقط رأس والدتي، فهي تتحدر من مدينة برلين وبها قضت طفولتها. لكنها بعد وفاة والديها وانتحار أخيها، لم يتبق لها من عائلتها غير قريبتيها، وهكذا كانت تزورهما بانتظام في «أولم»، لكن المثير أنها لم تخبرهما أنها زوجة السكرتير الخاص للملك في المغرب.

  • كيف علمت بهذا الأمر؟

لقد كنا نذهب معها، وكانت تقول إن عبد الفتاح رجل أعمال وليس موظفا بارزا في الدولة. كل ما أخبرتهما به هو أنها متزوجة من رجل أعمال مغربي، وقاما بتبني طفل وطفلة. نقطة إلى السطر.
وهنا سأخبرك أمرا طريفا.. بما أن قريبتيها لم تكونا تعلمان أنني وخديجة، ابنا السكرتير الخاص بالملك، فقد كانتا تقدمان لنا مثلا «موزة» وتخبرنا باسمها، وكأننا قادمان من المريخ. لم تكونا تعلمان أي شيء عن المغرب.

  • لكن والدي غيثة كانا يعرفان عبد الفتاح.. صحيح؟

بطبيعة الحال، ووجدت صورا من أرشيف عبد الفتاح فرج، مع أبوي زوجته غيثة، الألمانيين، وبدا أنه قضى أوقاتا عائلية معهما. لكن هذا الأمر كان قبل مجيئي أنا وخديجة.

  • هل كان عبد الفتاح يلتقي ابنته خديجة خارج المغرب، بشكل مستقل مثلا؟ أتحدث هنا عن فترة ما قبل رحيلك عن المغرب.

لم يكن يسافر معنا على الإطلاق. لم يحدث أبدا خلال 16 أو 17 سنة أن سافر معنا عبد الفتاح فرج إلى ألمانيا أو إلى أي مكان آخر في العالم. أتحدث هنا عن الفترة الممتدة ما بين 1982 و1999، السنة التي طردني فيها.
سافر مع أمي عند عائتلها قبل مجيئي وخديجة. بعد ذلك لم يحدث أبدا أن سافرنا كأسرة. التقيناه 3 مرات تقريبا، في سنوات متفرقة بين الثمانينات والتسعينات، في مطارات عالمية، وكان اللقاء عابرا. غير هذه المرات يمكنني أن أؤكد أننا لم نلتقه أبدا، حيث يكون في مهمة مع الملك الحسن الثاني، ونكون نحن عابرين مثلا من نفس المطار أو في نفس المدينة، ونلتقيه في بهو الاستقبال لدقائق قليلة وينصرف. لا لم نسافر أبدا كأسرة إلى أي مكان في العالم.
بعد وفاة الحسن الثاني بفترة، رحل إلى ألمانيا وهناك أصبح متقاعدا، ولا شيء يمنعه من تمضية الوقت في المنزل، وأصبح يخصص وقتا أطول لخديجة وأمي، بينما لم يكن يسأل عني إطلاقا. أمي غيثة وحدها كانت تتذكرني وتلح علي في الحضور.

  • طيب حتى لا نستبق الأحداث.. لننتقل إذن إلى سنة 1999. استمر الوضع على ما هو عليه، إلى أن مات الملك الحسن الثاني في يوليوز 1999. وجدت نفسك مطرودا، احك لنا من البداية.

كنا نقضي شهر عطلة في ألمانيا رفقة أمي في «أولم» الصغيرة والهادئة. عدنا إلى المغرب بعدها، إلى منزل العائلة في الصخيرات. إقامة مطلة على البحر، باعها عبد الفتاح في أيامه الأخيرة بالمغرب. لكننا أمضينا فيها عطلا كثيرة. في اليوم الذي توفي فيه الملك الحسن الثاني كنا هناك بالضبط.

  • هل كان عبد الفتاح معكم؟

كان يأتي بين الفينة والأخرى.. في الساعة التي توفي فيها الملك الحسن الثاني كان عبد الفتاح داخل منزل الصخيرات. سمعنا الخبر عبر الراديو، ونهض عبد الفتاح يتحدث مع زوجته غيثة.

  • كيف كانت تصرفاته؟

بدا منفعلا. لم أعلم ماذا دار بينهما بالضبط. تحدثا قليلا، وتوجهت إلى المنزل، أي الفيلا التي كنا نعيش فيها بشكل رسمي. وفي المساء أخبروني، بدون مقدمات، أنني سأتوجه لقضاء عطلة في الولايات المتحدة الأمريكية.

  • هل كانت العادة أن تقضي عطلا لوحدك خارج المغرب؟

لا أبدا. قالوا لي اجمع أغراضك ستسافر. كانت الرحلة منظمة من طرف «رباط الفتح» وتضم نخبة من أبناء المسؤولين المغاربة، للإقامة في مخيم هناك وتعلم اللغة الإنجليزية.

  • يعني أن الأمر يتعلق بعطلة.. فقط.

لا بالعكس، فالطريقة التي تحدث بها عبد الفتاح مع أمي مباشرة بعد سماعه خبر موت الملك الحسن الثاني في الصخيرات، لم تكن عادية. الرحلة إلى أمريكا كانت مدبرة في آخر لحظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى