الافتتاحية

حطيئة زمانه

تحول عبد الإله بنكيران إلى حطيئة زمانه يهجو وينتقد كل ما يتحرك أمامه، فلم يسلم أحد من لسانه السليط، فهو لم يترك وزيرا إلا هاجمه ولا حليفا إلا ناله نصيب من الجلد، ولا معارضا إلا شتمه ولا صحافيا أو مثقفا إلا رماه بأبشع الكلام واتهمه بأحط التهم. حتى أصبحنا أمام شخص مدمن على محاربة الغير ويستلذ بإطلاق ألفاظ لا تليق بسياسي مخضرم مثله فبالأحرى برئيس حكومة سابق يفرض عليه منصبه بعضا من التعفف في الكلام وأشياء أخرى.

في هجائه الأخير عبر “لايف” صفحة سائقه في “الفيسبوك”، أضاف بنكيران ضحية جديدة إلى اللائحة الطويلة لضحايا لسانه السليط، ويتعلق الأمر بوزير التربية الوطنية سعيد أمزازي الذي كال له الاتهامات بخدمة أجندة اللوبي الفرنسي، ودفاعه عن مشروع يشكل خطرا على اللغة العربية والدين الإسلامي، مهددا إياه بالتصدي للقانون الإطار المتعلق بالتعليم.

وبدل أن يتوجه بنكيران بنقده اللاذع إلى رئيس الحكومة وأمينه العام سعد الدين العثماني، لأنه هو من يتحمل المسؤولية السياسية عن أداء وزرائه، وبدل أن يوجه سهامه نحو «دزينة» من وزراء حزبه الذين يتحملون المسؤولية الحكومية بشكل تضامني، فضل صاحب المعاش الاستثنائي القفز على الحائط الصغير الذي يطبق مشروع القانون الذي وضعته حكومة بنكيران قبل أن تجري رياح السياسة بما لا يشتهيه ساكن فيلا حي الليمون.

لكن، بعيدا عن سلاطة اللسان، فإن الرسائل التي بثها بنكيران عبر لايفه خطيرة للغاية وغير ودية تجاه المؤسسات الرمزية. فما معنى أن يتهم مشروع القانون بتهديد اللغة العربية وخدمة اللوبي الفرنسي، وهو يدرك أن هذا الصنف من القوانين لا تتم إحالتها على البرلمان إلا بعد التداول بشأنها أمام المجلس الوزاري والتأشير عليها من طرف الملك محمد السادس الذي يعتبر، طبقا للفصل 42 من الدستور، الساهر على حماية الدستور، وخصوصا الفصل 5 الذي يجعل من اللغة العربية اللغة الرسمية للبلد.

فقرارات الملك منزهة عن العبث وصفاته الدينية والتاريخية والدستورية تجعل منه أحرص الناس على حماية ثوابت المملكة وصيانة أسمى وثيقة في الدولة.

فضلا عن ذلك، فكلام بنكيران يحمل الكثير من أسلوب الاحتقار تجاه رئيس الحكومة وباقي وزراء «البيجيدي»، ويظهرهم بكونهم مجموعة من المتواطئين على ضرب اللغة العربية في الخفاء وخدمة أجندة اللوبي الفرنسي، وأنه اكتشف أمرا عظيما وخطيرا لم ينتبه إليه وزراء الحزب الحاكم .

والحقيقة أن بنكيران، الذي يتحدث مع زوجته بلسان فرنسي، لا تهمه حماية اللغة العربية، وهو يدرك أن مشروع القانون لا يشكل أي خطر على لساننا الرسمي، بل يبحث عن جواد سياسي للعودة إلى ساحات الصراع بعدما فقد بريقه بسبب تجربته الحكومية الفاشلة، وبعدما أنهكت رأسماله فضيحة الاستفادة من معاش غير مستحق. لذلك لم يجد من فرصة مناسبة للعودة سوى ركوب موجة المدافع الشرس عن التعليم والعربية التي يعلم مدى قداستهما لدى المغاربة، لكن الذي لا يعلمه جيدا أن المغاربة لا يمكن أن يلدغوا من الجحر مرتين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى