الرأي

حقيقة بطلان انتخاب مكاتب مجالس الجهات والجماعات لعدم مراعاة التمثيلية النسائية؟

أثيرت بصدد انتخاب مكاتب مجالس الجهات ومكاتب الجماعات إشكالية التمثيلية النسائية بين الوجوب والاختيار وما يترتب عنه من إبطال أو مشروعية بحسب الحالة للعملية الانتخابية، لاسيما وأن مجموعة من اللوائح الانتخابية المطعون فيها لم تنتخب فيها لمنصب نواب الرئيس أي مترشحة مطلقا، أو لم يتم ترشيح فيها الحد الأدنى المتمثل في الثلث بالمخالفة للفقرة السادسة من المادة 17 من القانون التنظيمي 113-14 المتعلق بالجماعات الترابية الناصة على أنه «يتعين العمل على أن تتضمن لائحة ترشيحات نواب الرئيس عددا من المترشحات لا يقل عن ثلث نواب الرئيس».
ومن وجهة نظرنا، نعتبر أن صيغة المادة المذكورة وردت على سبيل الوجوب واللزوم بدليل استعمال عبارة «يتعين»، طالما أن صيغة اللزوم والوجوب تعني بداهة ترتب الإبطال عن أي خرق لقواعد الانتخاب، مادام أن القاعدة هي إجبارية، ومن النظام العام المطلق التي لا يسمح بمخالفتها، أو بالاتفاق على خلاف مقتضياتها، لأنها ليست مجرد قاعدة مكملة.
ودليلنا في اعتبار قاعدة احترام التمثيلية النسائية في انتخاب نواب الرئيس بما لا يقل عن الثلث من النظام العام، فضلا عن صيغتها الإجبارية هو ربطها بعدم جواز النزول عن الثلث، لأنه لو كانت القاعدة اختيارية مكملة لما كان المشرع في حاجة إلى ربطها بنصاب معين في حده الأدنى لا يجوز مخالفته، وسيترتب عنه إفراغ الدستور والقانون التنظيمي من محتواه، بل وروح المناصفة التي يتبناها، كما أن محاولة ربطها من طرف البعض بكونها اختيارية فقط يتناقض والتنصيص التشريعي عليها، ويعد في الحقيقة انقلابا على هذه المقتضيات القانونية، لأن مثل هذا التفسير لا يعدو أن يكون عاكسا لواقع متسم بتجاوز التمثيلية النسائية، يجعل النص التشريعي لم يضف شيئا جديدا لواقع الحال، فيحين أن الهدف من التشريع والغاية أصلا منه هو سعي المشرع إلى تحقيق المناصفة وتحسين التمثيلية النسائية الانتخابية، والتي بدونها يغدو التشريع في هذا الجانب مجرد أحلام وأماني وتمنيات لا تتوافق وطبيعته ومرماه وأسباب نزوله.
ومما لاشك فيه فإن الفقه والقضاء أجمعا على أن القواعد الدستورية تعتبر في أعلى الهرمية التشريعية، بحيث تحتل مكانا متقدما في أعلى الهرم القانوني، لكونها تتربع على عرش التشريع، طبقا للفصل السادس من الدستور الناص على أنه تعتبر دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها مبادئ ملزمة.
وهكذا تبعا لذلك تنص الفقرة الثانية من الفصل 19 من الدستور على أنه «تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء».
ولا مراء أن ارتباط التمثيلية النسائية وتحسينها ورفعها إلى درجة الإلزام والإجبار القانوني في المادة 17 من القانون التنظيمي 14-113 المتعلق بالجماعات الترابية، يدل دلالة أكيدة من المشرع على ضرورة احترام هذه التمثيلية والخضوع لها باعتبارها قاعدة آمرة من النظام العام لا يجوز مخالفتها، أو النزول عن مقتضياتها.
ومن المهم الإشارة إلى أن دورية وزارة الداخلية رقم 3834 D الصادرة بتاريخ 4 شتنبر 2015، حول موضوع انتخاب رؤساء مجالس الجهات ومجالس الجماعات ونوابهم وكتاب المجالس المذكورة ونوابهم أكدت على الطابع الإلزامي للتمثيلية النسائية ونصابها، مؤكدة على ما يلي «وتجدر الإشارة إلى أنه يتعين أن تتضمن كل لائحة من اللوائح المقدمة مترشحات لنواب الرئيس لا يقل عددهن عن ثلث النواب، طبقا لأحكام المادة 17 من القانون التنظيمي 113-14».
وتبرز أهمية هذه الدورية وصيانتها للمناصفة الانتخابية، كونها تم تدعيمها بدورية أخرى أكثر تشبثا بمبدأ المناصفة وأكثر تقيدا بالطابع الإجباري للتمثيلية النسائية، وهكذا جاء في دورية وزارة الداخلية رقم 5684 الصادرة بتاريخ 8 شتنبر 2015 حول موضوع: انتخاب رؤساء مجالس الجهات ومجالس الجماعات ونوابهم وكتاب المجالس المذكورة ونوابهم ما يلي: التمثيلية النسوية داخل مكاتب مجالس الجهات ومجالس العمالات، إذ ينص كل من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات والقانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الترابية على أنه: يتعين العمل على أن تتضمن لائحة ترشيحات نواب الرئيس عددا من المترشحات لا يقل عن ثلث نواب الرئيس.
«وفي هذا الإطار فإنه يتعين العمل على تفعيل المقتضى سالف الذكر، وفي حالة تعذر ذلك، يمكن ملء الخصاص من خلال إدراج مترشحين ذكور في لوائح الترشيح، تفاديا لعدم اكتمال تكوين مكتب المجلس المعني».
وحالة التعذر من وجهة نظرنا هنا مرتبطة بمعطى موضوعي وليس شخصي، يتعلق بعدم وجود تمثيلية نسائية أو عدم كفايتها وليس المقصود منه بالمرة إقصاء التمثيلية النسائية من الترشح، لأنه لا يمكن الحديث عن الاستعاضة بالرجال إلا في حالة عدم وجود نساء، أو عدم وصول نصابهن للثلث.
والحقيقة أن مجموعة من اللوائح الانتخابية المطعون فيها تجاهلت معطى موضوعي يتجلى في وجود عدة مرشحات تم إقصاؤهن ضدا على الدستور والقانون والدورية التنظيمية التفسيرية بنزوعات ذكورية مغرقة في التقليدانية.
ولاشك أنه متى كان النص واضحا في إجبارية التمثيلية النسائية، فإنه لا يقبل التفسير ولا اجتهاد مع صراحته، فيكون تبعا لذلك واجبا إعماله والتقيد به تقيدا تاما.
وهذا التفسير يستخلص أيضا من اجتهاد المجلس الدستوري الذي ينبع من روح الدستور ويتوافق مع أحكامه المؤكدة دوما على دستورية التشريعات المتضمنة لإجراءات محسنة لأحكام التمثيلية السياسية النسائية في مجال الانتخابات.
وحيث جاء في قرار المجلس الدستوري رقم: 11/821 م، وتاريخ 2011/11/19 في الملف عدد: 11/1177» في شأن الأحكام المتعلقة بالدائرة الانتخابية المخصصة للنساء: «حيث إن المادة 76 من هذا القانون التنظيمي تنص على إحداث دائرتين انتخابيتين على صعيد كل عمالة أو إقليم أو عمالة مقاطعات تخصص إحداهما للنساء، على أن لا يقل عدد المقاعد المخصصة لهن عن ثلث المقاعد المخصصة للعمالة أو الإقليم أو عمالة المقاطعات المعنية برسم مجلس الجهة، وفق مقتضيات المادة 77 من نفس القانون؛
وحيث إن الفصل 146 من الدستور يجعل من ضمن مشمولات القانون التنظيمي المتعلق بالجهات والجماعات الترابية الأخرى تحديد «أحكام تحسين تمثيلية النساء» داخل مجالس هذه الجماعات؛
وحيث إنه، يعود للمشرع اختيار نوعية الأحكام التي يرتئيها ملائمة لتحسين تمثيلية النساء في مجالس الجماعات الترابية، وهي أحكام يقتصر دور المجلس الدستوري بشأنها على مراقبة مدى مطابقتها للدستور؛
وحيث إن ما يقره المشرع بخصوص مجالس الجهات من تخصيص إحدى الدائرتين المحدثتين على صعيد كل عمالة أو إقليم أو عمالة مقاطعات للنساء، على أن تمثل مقاعد هذه الدائرة على الأقل ثلث عدد المقاعد المخصصة للعمالة أو الإقليم أو عمالة المقاطعات المعنية برسم الجهة، جاء تطبيقا لمبادئ أخرى أقرها الدستور نفسه والمتمثلة، فضلا عن أحكام المادة 146 آنفة الذكر، في ما يتضمنه فصله 30 من دعوة المشرع إلى وضع مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية في أفق تحقيق المناصفة باعتبارها هدفا تسعى الدولة إلى بلوغه، وفقا للفصل 19 من الدستور.
وبناء على ما سبق بيانه، ومع مراعاة أن تكون هذه التدابير القانونية، التي تمليها دواع مرحلية ومؤقتة ترمي بالأساس إلى الارتقاء بتمثيلية النساء بالمجالس الجهوية، محدودة في الزمن يتوقف العمل بها بمجرد تحقيق الأهداف التي بررت اللجوء إليها، فإن مقتضيات المادتين 76 و77 ليس فيهما ما يخالف الدستور».
وتجد المرجعيات القانونية المتعلقة بتحسين أحكام التمثيلية النسائية السياسية أصولها المرجعية في الوثائق والصكوك الدولية، التي أكد دستورنا المغربي في تصديره وجوب الالتزام بها، باعتبارها تسمو على قوانينا الوطنية الداخلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى