الرئيسيةمدن

حكاية أكثر من 100 عامل قضوا ستة أشهر أمام بوابة شركة كبرى للورق

طنجة: محمد أبطاش

لم يكن عدد من العمال الذين قضوا أزيد من 20 سنة في شركة للورق، تعتبر الأكبر في الشمال، يتخيلوا أن يجدوا أنفسهم خارج أسوارها، بعدما أفنوا أعمارهم في خدمة هذه الشركة، التي ارتبطوا بها بشكل وثيق، الأمر الذي جعلهم يطمئنون بعد وضع البنوك ثقتها فيهم، ومنحتهم قروضا، بعض منهم أضحى مكبلا بديونها وأصبحوا يبيعون أثاث منازلهم، في الوقت الذي تطالبهم الشركة ذاتها بأداء مبالغ مالية ضخمة أمام القضاء، بسبب «عرقلة العمل»..

في هذا الخاص تورد «الأخبار» حكاية عمال شركة للورق، في ملكية عائلة نافذة، ويعتبر صندوق الإيداع والتدبير أهم المساهمين في رأسمالها، تعرضوا للطرد بعد وضعهم لمطلب تأسيس مكتب نقابي لتحسين وضعيتهم، قبل أن تتخلى عنهم النقابة، ليتحول مطلبهم إلى جحيم.
حكاية «المكتب القيطوني»
خلال شهر غشت من السنة الماضية، فكر عدد من العمال داخل هذه الشركة في نقل تجربة مكتب نقابي يدافع عن همومهم إلى قلبها، فوضعوا طلبا لدى السلطات المحلية من جهة، وإدارة الشركة من جهة ثانية، وبتاريخ الثاني والعشرين من الشهر نفسه، وجد هؤلاء أنفسهم مطرودين، بسبب هذا المكتب الذي أضحوا يصفونه بـ«المكتب القيطوني» بعد أزيد من خمسة أشهر من اعتصامهم أمام مقرها دون جدوى، حيث لم تنفع كل الوساطات من عدد من المصالح بسبب الغياب المتكرر للمشغل، وبعد أن تخلى عنهم مكتبهم النقابي المتمثل في الاتحاد المغربي للشغل، رغم أنهم تسلموا وصل الإيداع القانوني لتأسيس المكتب داخل الشركة، بينما كان آخر ما تلقوه من المسؤولين محليا هو أضحية عيد، تلتها زيارات لبعض المشرفين على المكتب محليا لالتقاط الصور لا غير، تشدد بعض التصريحات التي استقتها الجريدة، ورغم سيل من الشكايات والمراسلات إلا أن الملف لا يزال يراوح مكانه، رغم أنهم راسلوا عبر مكتبهم النقابي، صندوق الإيداع والتدبير، باعتباره أكبر المساهمين في رأسمال الشركة.
تضامن وعقاب
بعد دخول العشرات من العمل في اعتصام إنذاري أمام مقر الشركة، للمطالبة بحقهم في العودة إلى الشغل كما تكفله القوانين الجاري بها العمل، فكر العشرات الآخرين في الانضمام إلى زملائهم، ليصل العدد التقريبي إلى حوالي 108 عمال، من ضمنهم تقنيون في مجالات وتخصصات عدة، الأمر الذي وضع الشركة في شلل تام، ليتم استقدام عمال آخرين مكان المحتجين، وهو ما لم يتقبله هؤلاء إلى حد التهديد بإغلاق الباب الرئيسي، ما جعل دائرة الغضب تتسع، حيث نظمت عدة وقفات أمام الشركة وأمام المصالح الولائية والجماعية، إلا أن القضية ستتخذ منحى قضائيا بعد وضعهم شكاية ضد الشركة موضوعها الطرد التعسفي، قبل أن ترد الأخيرة هي الأخرى بوضع شكاية مماثلة لتكبدها خسائر مادية، حسب بعض المعطيات المتوفرة، في الوقت الذي أخذ هذا التضامن شكلا عقابيا نتيجة تشرد الجميع.
مصالحة وغياب
ظلت إدارة الشركة تتهرب من كل اللقاءات الرسمية، حتى التي تقام داخل المديرية الجهوية للتشغيل بطنجة، حيث يكشف آخر محضر بتاريخ 27 نونبر 2015، أن المشغل أو من ينوب عنه تخلف من جديد عن لقاء يدخل في إطار مسطرة تسوية نزاعات الشغل الجماعية، بالرغم من تلقيه رسالة رسمية في هذا الموضوع، وذلك لأسباب مجهولة.
وقد حاولت «الأخبار» مرارا الاتصال بمدير الشركة، لأخذ وجهة نظره حول الملف، إلا أن هاتفه ظل يرن دون أن نتلقى أي رد منه، خصوصا أن العمال قالوا إن إدارة الشركة أكدت لهم بطرق غير مباشرة أن باب الرجوع إلى العمل مفتوح أمام جميع العمال، باستثناء 30 عاملا، بسبب كونهم وراء تأسيس المكتب النقابي الذي تسبب لهم في هذا الطرد، حسب تصريحات متطابقة.
طلاق ومحسنون
طيلة الشهور التي قضاها هؤلاء العمال أمام مقر الشركة، كانت الديون تشكل أكبر تحد آخر لهم، فبالإضافة إلى طردهم، وكونهم بدون مدخول، فإن للبنوك حكاية أخرى، حيث إن من ضمنهم من ارتبط عبر ديون اقتناء بعض المستلزمات الخاصة والمنزلية، وهو ما جعل ملفهم يتعقد كلما تقدموا في اعتصامهم أمام بوابة الشركة، في الوقت الذي شرع بعضهم في بيع أثاث منازلهم لمواجهة تكاليف الحياة، في حين سجلت حالة وصلت حتى حدود الطلاق. وكشف المعتصمون أنه في ظل تخلي الجميع عنهم يجدون بين الفينة والأخرى بعض المحسنين إلى جانبهم.
دعوى مضادة
بعد تأجيل أول جلسة إلى الشهر المقبل لإعادة النظر في القضية، بدأت معاناة أخرى من ضمنها تسجيل شكايات ضدهم من طرف إدارة الشركة، حيث استمعت إليهم الضابطة القضائية خلال الأسابيع الماضية، موضوعها عرقلة الأشغال وتكبد الشركة خسائر مالية فادحة، حيث طالبتهم بأداء أزيد من 400 مليون سنتيم، يقول هؤلاء، ورغم هذه المعاناة غير المنتهية، فإن الاتحاد المغربي الشغل وصل إلى حد التخلي عنهم، سواء على المستوى المحلي، أو الوطني، رغم مداخلة برلمانية في مجلس المستشارين، أعادت إليهم شيئا من الأمل في ظل ما يعيشونه، فيما أغلقت المصالح الحكومية من ضمنها رئاسة الحكومة التي توصلت بشكايات عديدة، الأبواب في وجوههم، ولم يتلقوا منها أي رد حول مآل هذا الملف، الذي أصبح ينعت بأقدم اعتصام بمنطقة مغوغة.

bw

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى