الرأي

حول عمل الوعي الإنساني

بقلم: خالص جلبي

 

 

 

من النقاط التي تثار حول آليات عمل الوعي وكيفية عمله، فلقد تم رصد مجموعة من الملاحظات الملفتة للنظر:

 1ـ أولا: لقد لوحظ أولا: أن إمكانية الاستيعاب في الوعي محدودة، فبإمكان الوعي أن يلتقط سبع وحدات من المعلومات في الوقت الواحد لا تزيد.

2ـ ثانياً: يعمل الوعي ببطء شديد إذا قورن مع أجهزة الكمبيوتر، فلا يستطيع التمييز بين أكثر من أربعين حدثا في الثانية الواحدة.

في حين أن أجهزة الكمبيوتر العادية تعمل بطاقة تزيد عن هذا بملايين المرات في كمية المعلومات، فالوعي مقارنة بالكمبيوتر يبدو جهازا سخيفا! ولكن هل هو كذلك؟  

3ـ ثالثاً: مع كل تركيز الوعي فإن الدماغ لا يشتغل بكل طاقته، بل يستخدم في المتوسط فقط واحدا بالمائة من خلاياه العصبية…! لماذا يا ترى؟

4ـ رابعاً: يعمل الوعي ببلادة وتراخ ملفت للنظر، فهو يعرج خلف الزمن لاهثا متصببا عرقا بدون قدرة اللحاق به.

إنه خلف الزمن دوما بحوالي ثلث الثانية. وهذا يدخلنا الى أبحاث عالم النفس الأمريكي (برايان تريسي)، الذي لفت النظر إلى كيفية عمل العقل الإنساني، في كتابه «أسس علم نفس النجاح».

نظرية (براين تريسي) في كيفية عمل الدماغ:

يرى عالم النفس الأمريكي أن أفضل ما يكون عمل العقل عندما يكون مرتخيا؛ فالمسمار حتى تدخله الحائط، يجب أن تضربه بالمطرقة بقوة وتوجيه؛ حتى تقتحم بالمسمار صلابة الحائط، في حين أن الدماغ لا يعمل بالطريقة نفسها؛ فعند الانفعال يهتز عمله، وخير الأوساط لعمل الدماغ الإنساني هو أن يعمل بهدوء وحب.

قشرة الدماغ تسيطر على العمليات العقلية، وتأخذ الوقود من الدماغ السفلي والمتوسط.

الدماغ السفلي هو دماغ التماسيح الرهيبة، لتأدية الأعمال التي تشبه في قساوتها سماكة جلد التماسيح.

والدماغ المتوسط مركز الزلازل والبراكين العاطفية، وهي مثل طاقة البخار؛ فيمكن إدخالها في مرجل العقل، كي تؤدي دورها على خير وجه. ولكن تسرب الطاقة من مفاصل ماكينة التفكير البارد التحليلي العقلاني يقود إلى الانفجارات المروعة، وتأرجح عمل الماكينة العقلية إذا صح التعبير.

يضطرب الإنسان عندما ينفعل؛ فترتجف أصابعه، ويجف عرقه وينحبس بوله، ويرتفع الضغط عنده. يصاب بالإمساك، وتجف عصارة المعدة، وتبدأ بالتقرح، ويصب الأدرنالين في الدم صباً…..!

كل هذا يتولد في جو الانفعال، والأهم من هذا هو اضطراب التفكير المتوازن، وهذا هو قسم من تفسير المنازعات الإنسانية، فالحرب جريمة وجنون وإفلاس أخلاقي، ولكن من يخوضها تعلق على صدره النياشين؟

ذلك أن مشاعر الخنازير والتماسيح وصراع الغابة يَمسح ودفعة واحدة؛ كل قشرة الدماغ وتطورها الذي استغرق نصف مليون سنة، لنرتد وننهار دفعة واحدة من الإنسانية إلى قعر خندق الحيوانية البئيس.

لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين.

يجب أن نضع أمام مكتبنا هذه الحكمة دوما:

(يجب ضبط النفس في انفجار بركان الغضب، وعند اشتعال نار الانفعال، في كسرة الحزن، وانهيار الخوف، وعند كثافة ضباب الشهوة).

اكتشاف عجيب: سحرية العدد سبعة 

لقد استطاع العالم الأمريكي (جورج ميللر GEORGE  MILLER) عام 1956م، أن يفك طلسما آخر من كيفية عمل الدماغ والوعي الإنساني، إنه القانون السباعي؛ فطريقة فهم الإنسان تعتمد على نوع من النظم المعين السباعي: إذا بلغت الكلمة سبعة حروف التقطها الوعي برشاقة وساقها إلى ساحات الإدراك؛ وعند تجاوزها فوق سبعة حروف اضطر إلى تهجيتها وتقسيمها من جديد؛ فالوعي يلتقط الكلمة كقطعة واحدة، تقذف في فرن الوعي لهضمها. (قارن مع الطواف سبعا وأمواج البحر المتكسرة سبعا وحلقات الإلكترون حول البروتون في الذرة سبعا).

الشيء نفسه ينطبق على فهم مجموعة أو حزمة الكلمات، حيث تقفز إلى مستوى المغزى المحدد، في إطار السبع كلمات، فإذا تجاوز المعنى الكلمات السبع المثاني، اضطر الفهم من جديد إلى تقسيم الكلمات.

ويبدو أن كل اللغات الإنسانية المنطوقة تعتمد مثل هذه القاعدة السحرية السباعية، وتعرف بطريقة (شان كينغ CHUNKING).

الشيء ذاته ينطبق على المحادثات التلفونية في الأرقام (من هنا اعتمدت الأرقام التلفونية كسبعة أرقام كحد أقصى) ـ هي كذلك في المدن وفي الموبايل قفزت إلى عشرة ـ  كذلك في اللغط وتمييز الأصوات من أي شخص تصدر؛ كلها يفككها ويتعامل معها الوعي بنفس الطريقة، وتحويلها إلى أفكار أو صور ذهنية.

كوانتم الوعي (ميكانيكا الكم في إطار العمل العقلي):

هذه الظاهرة من محدودية الوعي بقيت إلى فترة قريبة غير ملاحظة، بسبب التقلب الدائم بين حقول التأثير، بل حتى التدفق الدائم لتيار الوعي وانقلابه المستمر يمشي ببطء ملفت للنظر؛ فــ(نوافذ الوقت) إذا صح التعبير التي يعمل عليها الوعي تبلغ حوالي ثلاثين ميلي ثانية (أي ثلاثون جزءا من الألف من الثانية)، والوعي يتعامل مع وحدات الزمن بهذه القسمة، حيث تم التأكد من ذلك بتطبيقها على بشر متطوعين لمثل هذه التجارب؛ فــ(تكة الساعة) مثلا يستطيع الوعي أن يفرق بينها وبين التي بعدها، حتى إذا انضغطت وحدة الزمن إلى عشرين ميلي ثانية، أي إذا تسارعت حركة تتالي نظم الصوت، بين الصوت والذي بعده، بمعنى الفاصل بين الوحدتين، أمكن للدماغ استيعاب ما يأتيه، ويكلّ إذا تجاوز هذا المقدار. 

ويقفز عمل الوعي إلى ما يشبه قوانين الكوانتوم (ميكانيكا الكم)، حيث يمكن للعقل الإنساني أن يستقبل العالم الخارجي، إذا تلقى وحدات الصوت هي موسيقى أو شعر، قصائد أو أهازيج، أفكار أو تجليات روحية؛ فيما إذا خضعت لقانون الثلاث ثواني.

فكما يقوم الكون كما فهمه العالم الألماني (ماكس بلانك) على الانفصال على صورة وحدات، كما في كومة حبات القمح؛ فعند النظر إليها تبدو كأنها كومة متصلة، فإذا اقترب الإنسان منها أدرك أنها مكونة من حبات منفصلة. هكذا أيضا يتعامل الوعي. وإذا كان قانون الكم لماكس بلانك له وحدة رياضية؛ فقد تم كشفها الآن في مستوى الوعي، فوحدة الوعي 30 ميلي ثانية، والفرق بين النبضتين الصوتيتين 20 ميلي ثانية، ولكن وحدة الفهم يجب أن تكون في حدود ثلاث ثوان. 

فإذا تجاوزت الجملة أو الحركة الصوتية هذه الحبسة الزمنية، اضطر العقل من جديد إلى تجزئتها وفق قانون الثواني الثلاث.

فهذه معلومات مثيرة عن الوعي يجب تكرار قراءتها للاستيعاب.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى