الرأي

حياة مليئة بالحفر

كيف تستطيع أن تضرب مواطنا يحتج فوق أرضه ضد من يجب أن يسمعوا صوته؟ ألا تُقدّر أن إسفلت الشارع وصلابة الممشى المبلط لا تشرب الدم ولا تبلعه؟
خرج أنصار الحزب الحاكم ظالما ومظلوما، ليدافعوا عن تدخل القوات العمومية ضد الأساتذة المتدربين، وكأن الحزب يكتري أبناءه ليدافعوا عنه بالوكالة، رغم أن وزراء الحزب أنفسهم قالوا بكل صفاقة إنهم لا يعلمون أي شيء بخصوص ما وقع قبل يومين في أكثر من مدينة.
كارثة حقيقية ألا يكون وزير العدل على علم بما يتعرض له أبناء المغاربة مهما كانت مطالبهم. والكارثة الأكبر ألا يكون على علم بأي شيء إلا من المواقع الإلكترونية والجرائد.
من جديد تعلق التهمة على الشبح أو الفراغ، وهذه ذريعة تتقنها الحكومة في كل مرة، وتلجأ إلى الأرقام والبيانات والإحصائيات لتبحث عن أي نسبة مئوية لتغمق بها على الشعب وتوهمه أنها تمضي في طريق الإصلاح، علما أن الطريق الوحيدة التي تمضي فيها الحكومة اليوم هي الطريق من الفيلا إلى الوزارة.
من العيب أن تتحول من شخص كان يعيش الأحداث إلى آخر يراقبها من خلف الزجاج. وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، يعرف القوات العمومية جيدا، وسبق لهم أن حملوه في الشارع مرة عندما خرج للاحتجاج ورفع اللافتات مبتسما. وهم للأمانة يملكون اليوم فكرة عن «وزنه».
أي مواطن مغربي، مر من تجربة الدراسة الجامعية، سيعرف ما معنى قوات التدخل السريع التي تستأسد على طلبة العلم وحدهم دون غيرهم.
رأينا بأعيننا كيف كانت الدماء تهرق في إسفلت الجامعة الذي كان أحرش أكثر مما يجب. ورأينا كيف أنهم يمارسون هواية ثقب الرؤوس وحشّ الركب حتى لا يفكر أصحابها في مواصلة المسير.
مشينا في طرق مظلمة هربا من القوات المساعدة التي كان أفرادها يشمون رائحة الدفاتر على بعد أميال، وكانت الأحياء السكنية تتحول إلى ساحة مطاردة واسعة. رأينا كيف أن الأسر كانت تفتح أبوابها لاستقبال الطلبة الفارين، وكأننا نعيش في ظل الحماية الفرنسية التي كانت تبحث عن المقاومين باستمرار. العائلات التي تقطن قرب الجامعات تعلم هذه الأمور جيدا، وبعضهم كانوا معروفين في أوساط الطلبة، وكلما توترت الأوضاع، كانوا يتركون أبواب منازلهم مواربة لاستقبال أفراد العائلة المؤقتين.
طلبة قادمون من هامش الحياة، يبحثون عن دروس جامعية لاستنساخها، ويطالبون الإدارة ربما بتأجيل الامتحانات أو إجبار الأساتذة المتغيبين على الحضور، فيكون الرد عنيفا. أسوأ ما كانت تتعرض له الجامعة هي حرب الفصائل، فترى الإسلامي الذي انتهى لتوه من أداء صلاة العصر، يجاهد في طالب يساري أنهى لتوه قراءة «رأس المال» ويفكر في اقتسام الثروة بشكل عادل بين جده ووزير الاقتصاد. وترى الطالب الأمازيغي الذي يعتبر نفسه أول من سكن المغرب والبقية مجرد غزاة، يحاول خوض معركة في حي هامشي لإجبار المغاربة أمثاله على العودة إلى الجزيرة العربية.
ترى كيف أن الحياة كانت أقصر من هراوة الذي يضرب بها، وكيف أن من تعرض للضرب مرات، وحُمل على أيدي القوات المساعدة كشاة مذبوحة لإبعاده عن مكان الاحتجاج، يتحول بين ليلة وضحاها إلى واقف خلف الخط يتفرج في من ظننا أنهم اجتازوا المباريات بنجاح ليصلوا إلى حقهم في التوظيف.
لن نخوض في مسألة المرسومين، لأن وزير التعليم وزملاءه لا يملكون أي فكرة عما يجب فعله في قادم الأيام على الأقل.
اتركوا الدم يسيح في الطرقات وفي مداخل المدن وقرب مراكز التكوين. أنتم تحاولون تقليص نفقات الدولة عندما يتعلق الأمر بمصاريف الفقراء، وتتحولون إلى «مجرد» وزراء عندما يتعلق الأمر بمراقبة طرق صرف الملايير الحقيقية. أجبروا الأغنياء على أداء ضرائبهم للدولة. لا تخافوا فإنهم لن يخرجوا للاحتجاج، وحتى لو خرجوا فلن يقوى أفراد التدخل العنيف على مسهم، فالهراوة تهوى عظام الفقراء وأبناء
الشعب فقط..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى