الرئيسية

خديجة الشاوي.. أرملة الرايس أشهر معتقلي «تازمامارت» الذي تزوجته وهي طفلة

لم تكن هذه الطفلة تعلم أن زواجها من عسكري سيقودها إلى خندق مأساة لم تغادره إلا وهي تحصي خسائرها المادية والنفسية. لم تملك خديجة سلطة القرار حين وجدت نفسها زوجة لمحمد الرايس وعمرها لم يتجاوز بالكاد 12 سنة، وحين استفاقت من قدرها تأكدت أنها لعبت دور «إنتاج» الأبناء في حياة عسكري.
حين التقت فاطمة والدة الرايس بخديجة وهي عائدة من المدرسة، أعجبت بها وقررت «حجزها» لابنها، لكن أمها رفضت بداعي ضرورة استكمال تعليمها بعد الحصول على الشهادة الابتدائية، لأن شقيق خديجة وعدها بالتشغيل في قطاع البريد، ما أغضب والدة الرايس، التي طالبت بالهدايا التي سبق أن قدمتها للفتاة قبل الخطوبة.
تقول خديجة إن والدة الرايس استنفرت أقارب العائلة للضغط على والدتها كي لا تدفع بالابنة إلى الشغل، «لكن العقبات التي اعترضت زواجي من الرايس لن تقف عند هذا الحد؛ ففي يوم عقد قراننا، رفض العدلان أن يزوجانا بعد أن اطلعا على عقد ازديادي الذي يثبت أنني لم أتجاوز 12 سنة. في تلك الأثناء، زارنا أحد أبناء خالتي الذي كان قائدا في وزارة الداخلية، واقترح أن يتم عرضي على طبيب يسلمني شهادة تثبت أهليتي للزواج، وفعلا ذهبت إلى الدكتور بلونشار، فرنسي الجنسية، الذي كانت له عيادة في حي أكدال بالرباط، وبعدما فحصني سلمني شهادة طبية يقول فيها إن سني الحقيقي هو 16 سنة».
كتب العقد في مكتب عدلين بـ»السويقة» بالرباط، وأقيم حفل الزفاف سنة 1961، وبعد عامين رزق الرايس وزوجته بأولى بناتهما «إلهام»، التي تقيم بإنجلترا، والتي تعتبر أول من أثار موضوع «تازمامارت» لدى المنظمات الدولية وفي وسائل الإعلام الإنجليزية والفرنسية.
ومنذ زواج محمد وخديجة انتقلا للعيش في سكن إداري بـ«أهرمومو» إلى سنة 1971.
كانت خديجة تقطن سكنا وظيفيا بالمدرسة العسكرية لـ«أهرمومو»، لم يكن لها، وهي حديثة العهد بالزواج، سوى جاراتها من زوجات عساكر يحرصون على تعليمها المبادئ الأولى للأشغال المنزلية. لكن نقطة التحول في حياة هذه الثكلى وأبنائها بدأت حين خرجت كتيبة عسكرية ذات صباح صيفي من سنة 1971 في اتجاه قصر الصخيرات من أجل إنجاز مهمة لا علم لخديجة أو زوجها بتفاصيلها. في اليوم الموالي للانقلاب انقلبت حياة الزوجة رأسا على عقب. فقد تم ترحيلها من الثكنة وحكم على زوجها بالاعتقال المؤبد في سجن «تازمامرت» دون أن تتمكن من زيارته أو الاهتداء إلى مكان احتجازه إلا بعد نضال طويل، ذاقت فيه مرارة الألم وبؤس التسويف وقساوة التحقيق بعد اعتقالها في قبو الاكتئاب والقلق المزمنين.
حضرت خديجة ليلة النطق بالأحكام، وحين نطق رئيس الجلسة بالحكم أغمي عليها بعد أن صرخت بكل ما فيها من قوة: «لا، لا هذا ظلم، راجلي بريء»، ليتم إخراجها من القاعة ونقلها الحراس وبعض الأصدقاء إلى الخارج، فيما واصل الرئيس تلاوة الأحكام.
إذا كانت لفاطمة أوفقير بنت تدعى «مليكة» عملت على «تدويل» قضية اعتقال أسرة الجنرال، وللسرفاتي زوجة من قيمة «كريستين» «صدرت» نكبة زوجها للخارج، وساهمت في الكشف عن معتقل العار في الثلث الخالي من المملكة، فإن لخديجة الشاوي بنتا اسمها «إلهام» ندرت حياتها لخدمة قضية والدها ومن معه، وسعت إلى نقل المعركة الحقوقية إلى مجلس حقوق الإنسان بهيئة الأمم المتحدة في جنيف، بعد فشل والدتها رغم تمكنها من عرض القضية على لالة عبلة، والدة الملك الحسن الثاني، وعلى شقيقه الأمير مولاي عبد الله.
آمنت خديجة بقدرها ولكنها لم تفقد الأمل في البحث عن «متغيب» ليس مثل بقية المتغيبين. وحين علمت بعنوان الاعتقال ركبت صهوة الحافلة في مغامرة غير محمودة العواقب، فنجحت في الوقوف أمام معتقل «تازمامارت» الرهيب، بل إنها توصلت برسالة من زوجها عبر حارس لا فرق بينه وحراس المقابر..
تختزل الرسالة حياة الاعتقال وتنطق سطورها بنداءات استغاثة: «أنا في سجن أشبه بقبر»، ظلت هذه العبارة تحتل عقلها على امتداد رحلة العودة من الريش إلى العاصمة، دون أن تتمكن من فرملة سيول الدموع الساخنة التي لفتت فضول المسافرين.
غيرت السيدة المكلومة خطتها، وآمنت بأهمية التكتل وإنشاء رابطة سرية لزوجات خطف «تازمامارت» أزواجهن وجعلهن في منزلة بين منزلتي الترمل والتفكك الأسري. نسجت خديجة علاقات مع زوجة صلاح حشاد، الطيار المعتقل في القبو نفسه البعيد، وزوجة الجيلالي الديك وبشبكة من الحقوقيين والصحافيين الذين أصروا على كشف لغز المعتقل الرهيب.
في بداية التسعينات خرج الرايس من المعتقل برتبة «شخص محطم»، فتحولت زوجته إلى ممرضة دائمة لجسد عليل تكالبت عليه كل الأمراض الظاهرة والباطنة. ولأنها ممرضة مهنية، فإنها نذرت حياتها لإصلاح ما أفسده السجن بينما تكفلت ابنته «إلهام» بترميم الكسور النفسية.
في منتصف شهر أبريل 2010 انتقل الرايس إلى الرفيق الأعلى، بعد رحلة علاج طويل تكالب فيها السكري والقلب والأمراض الجلدية والكلي على جسد قاوم في الدفاع عن حقه في الحياة بـ»تازمامارت» قبل أن يسلم الروح لباريها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى