الافتتاحية

دردشة شهرية

عقدت، أول أمس بمجلس المستشارين، الجلسة الشهرية المخصصة لرئيس الحكومة حول موضوع «تحديات تأهيل الرأسمال البشري»، دون أن تسفر كسابقاتها عن أي قيمة مضافة تذكر منذ تبني الدستور لهذه المسطرة الرقابية لرئيس الحكومة، والتي أفرغت من معناها الديمقراطي الذي يجعل رئيس السلطة التنفيذية وسياساته العمومية تحت المجهر.
والحقيقة أنه أصبح من المشروع أن نتساءل: لماذا يعقد البرلمان هذه الجلسات الشهرية أصلا؟ وما الجدوى منها بالضبط؟ لأن ما يحدث في هذه الجلسات الشهرية وما يتخللها من بوليميك سياسي ممل أصبح سيناريو محفوظا تماما لدى الرأي العام، الذي اعتاد على الإنصات لخطاب إنشائي لرئيس الحكومة، يردد فيه أقوالا من قبيل استعداده للتعاون والتشارك وعدم تبخيس المؤسسات والتنمية والتحذير من التشويش والتدليس.. وهكذا تحولت هاته الجلسات الدستورية إلى دردشة برلمانية أقرب منها إلى جلسة محاسبة دستورية لسياسات الحكومة التي تتجاوز الاختصاصات القطاعية.
المشكلة هنا أن مثل هذه الجلسات أصبح لها مردود سلبي جدا، وما ينتج عنها لا يرتقي لما ابتغاه الدستور والسياق السياسي الذي منح لممثلي الأمة هوامش أكبر لإعمال سيف الرقابة على عنق الحكومة ورئيسها. فهاته الجلسات تؤكد للرأي العام في كل مرة أننا أمام آلية دستورية شكلية تعيد تكرار نفس المواضيع ولا تحقق للمواطن أي إضافة تهم مصالحه المعيشية، باستثناء الخطاب الإنشائي المؤيد والمعارض الذي لا يقدم ولا يؤخر من الأمر شيئا.
بدون شك يتحمل عبد الإله بنكيران كأول رئيس حكومة أنيطت به ممارسة هاته الجلسة الدستورية، مسؤولية الانحراف الذي أصاب تنزيلها طيلة خمس سنوات من ولايته، فنزعته السياسوية وهوسه الانتخابي وجريه لاستغلال أي سلاح دستوري، خصوصا إذا كان منقولا على القناة العمومية لكسب بعض النقاط، جعلته يحول هاته الجلسة إلى «شو إعلامي» يسطو به على عقول البسطاء لإظهار انتصاره على معارضة مريضة، وتصدير الوهم للمواطنين والاتجار بأصواتهم من أجل صناعة نصر مزيف، والتباهي بوزرائه وبسياساتهم الفاشلة والإبداع في تحويلها إلى نجاح غير مسبوق.
واليوم أصبحت الحاجة ماسة لإعادة النظر في الجلسات الشهرية لرئيس الحكومة، وضخها بالمعنى والروح وتحويلها إلى لحظة سياسية تسمو على الحسابات السياسوية الضيقة، وتجعل منها منصة لتقديم حلول للمشاكل وليس لعرض أرقام بعيدة عن الواقع، والوعد بتشكيل لجان وزارية واستراتيجيات وهمية. المغاربة محتاجون لأن تتحول الجلسة الشهرية إلى مناسبة لاقتراح الحلول لمشاكلهم وليس جلسات شكلية لتنفيذ قدر دستوري ينص على عقدها مرة كل شهر حتى ولو كانت بدون جدوى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى