شوف تشوف

دفاعا عن دولة المؤسسات

كانت ردود فعل وزير العدل مصطفى الرميد مثيرة للرثاء، بالأخص عند تلكئه في تحريك الدعوى العمومية ضد التصريحات الخطيرة التي قالها شباط في فرانس 24 حول احتمال موته بشكل غير طبيعي، ثم بعد ذلك نشر اتهامات حول تورط الدولة في اغتيال سياسيين بواد الشراط.
إن الأفعال التي تصدر عن السياسيين في موقع القيادة يفترض فيها التحلي بروح المسؤولية والتجرد، لأن دور الحزب السياسي هو تأطير المواطنين وإعطاء المثل في المسؤولية، ولهذا فتصريحات شباط، وأخطر منها تباطؤ وزير العدل الرميد عن تفعيل القانون، ينذر بعواقب وخيمة، لأن الموقع الوزاري للسيد مصطفى الرميد يجعله ملزما، قانونيا وأخلاقيا وسياسيا، بضرورة فتح تحقيق في تصريحات شباط وأيضا في ما نشرناه في هذا العمود حول ما بات يعرف بقضية «ثروة آل شباط». والقضية الثانية المتعلقة بمزايدات شباط بعد تصريحاته في قناة فرانس 24، والمقال المنشور في موقع الحزب والذي بات معروفا بقضية «اغتيال الدولة للسياسيين في واد الشراط»، كالزايدي وباها.
لقد كان يفترض في وزير العدل إبلاغ الوكيل العام للملك بفتح تحقيق قضائي لكي يبرر فيه شباط ثروته المالية والعقارية، أمام القضاء المختص وليس عبر الواتساب والمواقع التي «يرشها».
ومن جهة ثانية ليعطي الأدلة حول الجهات داخل الدولة التي يقصدها باستهدافه من أجل قتله بشكل غير طبيعي، وهي جرائم معاقب عليها في القانون الجنائي، الشيء الذي لم ينهجه وزير العدل، مما يمكن اعتباره تقاعسا عن القيام بما يمليه عليه منصبه، وتقاعسه هذا يشكل بدوره مزايدة سياسية لا تقل عن مزايدات شباط، وبالتالي فمبررات وزير العدل سترتكز ككل مرة على زعمه بكونه «مافراسوش».
إن المنطق المؤسساتي كان يفرض على وزير العدل والحريات إعمال الفصول المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية، وخصوصا المادة 38 التي تنص على أنه «يجب على النيابة العامة أن تقدم ملتمسات كتابية، طبقا للتعليمات التي تتلقاها، ضمن الشروط المنصوص عليها في المادة 51»، وأيضا المادة 49 التي تنص صراحة على أن الوكيل العام للملك يتلقى الشكايات والوشايات والمحاضر الموجهة إليه، ويتخذ بشأنها ما يراه ملائما من الإجراءات، أو يرسلها مرفقة بتعليماته إلى وكيل الملك المختص، وكذلك المادة 51 التي تنص على أن لوزير العدل أن يبلغ للوكيل العام للملك ما يصل إلى علمه من مخالفات للقانون الجنائي، وأن يأمره كتابة بمتابعة مرتكبيها أو يكلف من يقوم بذلك، أو أن يرفع إلى المحكمة المختصة ما يراه الوزير ملائما من ملتمسات كتابية.
وإعمالا للقانون وترجمة لدولة المؤسسات كان يفترض أن تتحرك النيابة العامة بصفة مباشرة للمطالبة بفتح تحقيق في ما نشرناه في هذا العمود حول الثروة الهائلة لحميد شباط وعائلته، والتي ينكرها رغم نشرنا لأرقام رسوم الأملاك في المحافظة العقارية وأسماء الشركات وأصولها التجارية كما هي مسجلة في المحاكم، وأيضا التحقيق من جهة أخرى في ادعاءات شباط لما يفهم منها من معطيات من شأنها إثارة الفزع والهلع والرعب بين المواطنين، وتكدير الأمن والسلم الاجتماعي.
فالقضية الأولى فيها شبهة فساد وإثراء غير مشروع مع العجز عن تبرير مصادر الثروة، والثانية تتعلق باتهامات ليست بالسهلة تستوجب إعطاء الحجج عليها، والسعي لمعرفة الحقيقة كاملة في قضية وفاة وزير دولة وبرلماني، لما لها من تأثير في هز صورة الدولة في الداخل والخارج، وهو ما يصب في نهاية الأمر في صالح التنظيمات والحركات المناهضة للدولة التي دأبت خلال الفترة الأخيرة على الإساءة لمؤسسات الدولة، خصوصا بعدما أصبحنا نرى كيف يحرض شباط على الخروج إلى الشارع ضد الدولة كما صنع في تجمع بفاس عندما قال مخاطبا الشعب المغربي «رفع راسك فالحياة لا تساوي شيئا».
إن ما قاله شباط هي تصريحات لا يمكن إدخالها في خانة التصريحات السياسية، التي تعد من طبيعة الممارسة السياسية، لكونها اتهامات جنائية تمس الجانب المالي والأمن العام، وبالتالي مصداقية مؤسسات الدولة المغربية ككل.
لذلك فوزير العدل ملزم بمباشرة تحقيق قضائي يضمن فيه لشباط شروط المحاكمة العادلة، باعتباره رئيس النيابة العامة.
إن السكوت عن هذا الأمر يساهم في هز صورة البلد ويفقد الثقة في دولة القانون التي سعى لتكريسها دستور 2011، كما أنه يشكل ضربة قاسية للأصوات الداعية لإسقاط الفساد والاستبداد، خاصة وأن الرجل تبنى هذا النهج بشكل مستمر عبر تصريحات عشوائية، مما قد يولد انطباعا لدى الرأي العام بأننا أمام دولة فاشستية، مما يصب في مصلحة القوى العدمية ويدخلنا في منعرجات تقودنا نحو المجهول، في وقت تتطلب فيه الحالة السياسية تخليقا ووضوحا سياسيا يطرح سؤال مصداقية الفاعل السياسي وما يتطلبه ذلك من فرز جديد داخل الحياة السياسية.
إن مثل هذه التصريحات الخطيرة من شأنها أن تتسبب في قلاقل، لهذا فوزير العدل مدعو بشكل عاجل لإجلاء الحقيقة كاملة في فاجعتي واد الشراط وافتحاص ثروة شباط وعائلته، لأن الغموض والسكوت هو مشاركة في الجريمة، والخاسر الأكبر هو جدية سعينا الجماعي لتكريس دولة القانون، والقطع مع الفساد والاستبداد، وضمان التحول الديمقراطي الذي يوصلنا لمصاف الدول الصاعدة.
أما محاولة شباط تكييف مزايداته بتصويرها بكونها أكبر محاكمة سياسية ستكون في هذا القرن، فهي مجرد مزايدة لا تقل عن تصريحاته التي تثير مسألة الاغتيال السياسي وما تحمله من دلالات تتمثل في الغيلة والغدر وقتل السياسيين بصفة فجائية من قبل جهات في الدولة.
لذلك فشباط يحاول الهروب إلى الأمام عبر ابتزاز الدولة وتسويق ذلك بالتدليس أو الدسائس والكيد، وتحذير الدولة ومحاولة تخويفها بكون محاكمته ستدخل ضمن أكبر المحاكمات السياسية.
نحن مدعوون للتحقيق في ما نشرناه من معطيات تدخل ضمن مهامنا الإعلامية في توجيه وإخبار الرأي العام لكشف الفساد، لأن الإعلام شريك في مكافحة الفساد وهو المرآة الصادقة التي تعكس الحقيقة والضمير الحي للشعب.
إن قضية ثروة آل شباط هي قضية رأي عام وقضية مصداقية رفع الشعارات في إسقاط الفساد وفي تفعيل دولة القانون وعدم الإفلات من العقاب، والانتهاء مع زمن الابتزاز بدعوى المحاكمة السياسية التي يروج لها شباط.
وهنا لا بد من تدبير الأمر تدبيرا تسوده الشفافية، عبر محاكمة قانونية تضع حدا للمحاكمات السياسية التي لم يبق لها مجال في مغرب الحقوق والحريات، والعبور نحو زمن مساواة الجميع أمام القانون، لا فرق بين زعيم حزب أو صاحب ثروة أو ولد الشعب، فالمحاكمة القانونية لها مبرراتها ولا يمكن لعاقل أن يصنفها في إطار الأفكار السياسية، فما ينسب لشباط من أفعال لا يختلف عاقلان حول كونه موجبا للمساءلة القانونية، وهي مساءلة يجب أن تطول أي شخص، بغض النظر عن انتمائه السياسي أو موقعه داخل الدولة.
نتحدث عن المساءلة وفق القوانين المعتمدة في هذا المجال من لدن محاكم المملكة، لكي لا يسود الانطباع بأن شباط له حماية سياسية تجعل أفعاله محصنة من المسؤولية الجنائية.
لذلك فنحن أمام محك حقيقي في تفعيل القانون، ووزير العدل مدعو للانتصار لموقعه كرجل دولة عوض التصرف كعضو في حزب سياسي وحركة دعوية، والدليل الوحيد الذي يجب أن يقدمه على استقلاليته ومهنيته هو السير بهذا التحقيق إلى منتهاه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى