شوف تشوف

دموع التماسيح

حسب نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال فإن تعميم تدريس المواد العلمية بالفرنسية في المستوى الإعدادي خطأ يرقى إلى مستوى الإجرام في حق التلاميذ.
المشكل اليوم ليس في العودة إلى تدريس المواد العلمية في الإعدادي بالفرنسية أو الإبقاء عليها بالعربية، ولكن المشكل هو أن التلاميذ لا يعرفون لا العربية ولا الفرنسية.
فهم يتحدثون خليطا من العربية الفصحى المدرحة بالدارجة وبعض الكلمات الفرنسية، وعندما يكتبون يجدون أنفسهم عاجزين عن صياغة جملة مفيدة خالية من الأخطاء اللغوية والكوارث التعبيرية.
في موضوع التعريب حزب الاستقلال هو آخر من يحق له الكلام، وأكبر دليل على أن سياسة التعريب التي انطلقت مع عز الدين العراقي، كانت مؤامرة على أبناء الطبقات المتوسطة حتى يظلوا داخل الحدود الاجتماعية المرسومة لهم، وحتى لا يشكلوا في المستقبل القريب تهديدا طبقيا لأبناء هذه العائلات المائتين، هو أن اسم عائلة العراقي حمله 343 مرشحا لامتحانات الباكالوريا، في مدارس البعثة الفرنسية، المدرسة نفسها التي درس وتخرج منها نزار بركة.
فالظاهر أن دعوة عز الدين العراقي لتعريب التعليم استثنت، بشكل غريب، آل العراقي من هذا “الإصلاح” التعليمي التاريخي الذي لعب دور اللجام الذي تحكم في سير عربة التعليم بهذه الوتيرة البطيئة والمتعثرة.
وحتى حزب الاستقلال الذي قاد حروبا ضارية دفاعا عن تعريب التعليم وعن المدرسة العمومية، لجا أغلب قادته إلى مدارس البعثة الفرنسية لتعليم أبنائهم. وهذا ما يفسر تلعثم هؤلاء الأبناء عندما صاروا وزراء كلما اضطروا إلى إعطاء تصريح باللغة العربية.
ولعل اختيار الدولة الفرنسية لإنشاء مدارس البعثة في الكثير من الدول التي يوجد بها مواطنون فرنسيون، لم يكن قرارا يستجيب لبذخ فكري، وإنما لوعي عميق بضرورة الحفاظ على لغة وثقافة أبناء فرنسا في الخارج من إمكانية اختراقهم من طرف لغات وثقافات أخرى.
ووزير التربية والتعليم أمزازي الذي يذرف دموع التماسيح حسرة على حال المدرسة العمومية يدرس كل أبنائه في البعثة الفرنسية، التي وقف قبل سنوات أمام بابها احتجاجا على رفعها لرسوم التسجيل.
إن مسؤولية الدولة الفرنسية التربوية والثقافية تجاه أبنائها هو ما دفعها لتخصيص ميزانيات ضخمة لضمان تعليم عمومي فرنسي لأبنائها في الخارج. بالإضافة إلى استقطاب أبناء النخبة والعائلات المغربية “الثقيلة” إلى قلعة اللغة والثقافة الفرنسية. لأن هؤلاء التلاميذ سيكونون في المستقبل خير مدافع عن هذه اللغة والثقافة في بلدهم. وللتأكد من ذلك تكفي مراجعة التقرير الذي ألقي أمام مجلس الشعب الفرنسي والذي يقول بالحرف: “المدرسة الفرانكوفونية المتعددة الثقافات تبقى هي الأساس، لأن أي طفل يتلقى تعليمه عندنا، سيكون في الغد رجلا سيأتي ليخدم فرنسا”. وفي مكان آخر من التقرير نقرأ “ليس هناك أخطر من عدم قدرتنا على الاستجابة لانتظارات كل أولئك الذين يرغبون خارج فرنسا بالتعلم في مدارسنا وفي لغتنا وفي ثقافتنا. كثيرون من هؤلاء التلاميذ الأجانب، سيكونون ضمن دائرة النافذين مستقبلا في بلدانهم، وسيكونون بالتالي حلفاءنا”.
في كتابه “البرنامج التعليمي تحت الحماية الفرنسية والإسبانية” يتحدث الباحث أحمد زوكاري عن الغاية من استقطاب أبناء النخب المغربية للدراسة تحت جناح البعثة الفرنسية، فالأمر يتعلق بتأجيل الثورة ضد المصالح الفرنسية، ويورد في معرض شرحه شهادة الباحث “ديمومبينس” يقول فيها إن “النخبة إذا كانت مكونة على يدنا فإنها لا تشكل أي خطر علينا، لأنه تسهل مراقبتها لقلة عددها وللعلاقات الوثيقة التي تربطها معنا كفرنسيين”.
ويبدو الأمر جليا اليوم، ففرنسا تحافظ على مصالحها الاقتصادية في المغرب بفضل هذه النخبة التي كونتها منذ الاستقلال إلى اليوم في مدارسها، والتي يحتل أبناؤها مواقع متقدمة في هرم السلطة وعالم المال والأعمال. وليس هناك من طريقة لضمان عدم “الانقلاب” على هذه المصالح أحسن من ضمان استمرار هذه العلاقة الأبوية بين فرنسا والنخبة المغربية عبر واحدة من أهم القنوات وأخطرها وهي التعليم والتكوين.
ولعل المفارقة الغريبة بين فرنسا والمغرب هي أن المغاربة يفضلون التعليم الخصوصي لتكوين أبنائهم هربا من التعليم العمومي، فيما الفرنسيون يتقاتلون للاحتفاظ بأبنائهم في المدارس العمومية. فالتعليم العمومي في فرنسا وأوربا عموما يبقى أقوى وأهم، والتلاميذ الفاشلون عادة هم الذين يتوجهون إلى التعليم الخصوصي. أما عندنا فالذي يحدث هو العكس. أمام إفلاس التعليم العمومي أصبح التعليم الخصوصي هو الحل السحري لضمان تعليم طبيعي لأبنائهم.
والسبب هو تقديم الدولة لاستقالتها من التعليم. لقد وضعت الدولة مستقبلها في يد المدارس الخصوصية.
وفوق هذا كله ما زالوا يتساءلون عن السبب الذي يجعل المغرب كل سنة يتراجع إلى الخلف عوض أن يتقدم إلى الأمام، إلى درجة أصبح يحتل الرتبة 136 في ترتيب 137 عالميا على مستوى التعليم.
ولذلك عِوَض أن يضيع نزار بركة زعيم حزب الاستقلال الذي يوجد في المعارضة الوقت والجهد في شرح أسباب تردي التعليم، الذي يتحمل حزبه الذي كان دائما في كل الحكومات مسؤولية كبيرة عنه، عليه أن يشرح لدافعي الضرائب ماذا فعل حزبه المعارض لكي يطالب باسترجاع 43 مليار درهم التي أحصاها المجلس الأعلى للحسابات والتي تبخرت بين 2009 و2012 في البرنامج الاستعجالي، وهي بالمناسبة الفترة التي كان فيها حزب الاستقلال يقود الحكومة.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى