الرأي

ربحوا في الشوط الثاني وربحنا في الأول

متابعو الشأن الرياضي يعرفون القصة. فقد صدم فريق الأهلي بانتصار الزمالك عليه، بعد أن أحرز في الشوط الأول إصابة لصفر، سرعان ما بددها في الشوط الثاني بهدفين لواحد لصالح الزمالك. وحين سئل عميده عن النتيجة، قال وفق رواية متداولة: انتصر الأهلي في الشوط الأول، وانتصر الزمالك في الشوط الثاني.
تبدو القصة أقرب إلى استيعاب واقع المنتصرين والمنهزمين في أشواط انتخابات البلديات والجهات، فهناك من يتحدث عن الفوز بأعداد الأصوات وهناك من يعزوه إلى أعداد المقاعد، وهناك من لا يزال يتردد في الإقرار بالهزيمة، على أمل أن تساعد أي تطورات مرتقبة في احتواء الأضرار الحزبية الجسيمة، لكن الزمن دوار، يوم لك ويوم عليك.
غير أنه لحد الساعة لم ينزع الفرقاء المعنيون بالانتصار أو الهزيمة إلى تقديم قرارات موضوعية عن حقيقة ما حدث، إما في انتظار انقشاع المشهد الذي سيتلون به مجلس المستشارين، باعتباره نهاية المسلسل المحلي على المستوى التشريعي، أو بهدف استبعاد ردود الأفعال الساخنة التي تنجم عن حالات مماثلة، ويبقى أن من حق الرأي العام أن يضع نفسه خارج وصاية أي استقراءات، ويستخلص النتائج المرجوة، لأنه المعني الأول والأخير باختيار منتخبيه، وإن كان أعداد منهم غيروا رموز الاقتراع في آخر لحظة، عندما صوت الناخبون الكبار خارج منطق التحالفات.
اجتماعات القيادات الحزبية لاستخلاص المواقف والعبر ليس كافيا، ولابد من فتح حوار واسع النطاق للتأمل في نتائج الاقتراع، لأنه يعكس ميول الناخبين وتوجهات الرأي العام في فترة دقيقة، عدا أنه يحيل على أنواع التحولات التي طرأت على المشهد السياسي، بصرف النظر عمن يكون المستفيد الأول منها، وهذه قضية حيوية ترتدي أهمية بالغة لمعرفة المسار الذي تتجه نحوه الممارسات السياسية في البلاد.
أولى الخلافات أن انتخابات البلديات والجهات لم تخرج عن نطاق الصدمة التي أحدثتها تشريعيات العام 2011، على رغم الفارق بين البعدين السياسي والمحلي، وبين الظروف العامة التي جرى فيها الاقتراع الأول الذي كان سابقا لأوانه، والاقتراع الثاني الذي تأخر كثيرا عن موعده. بخاصة إذ نظر إليها من زاوية أن الأحزاب المشاركة في تدبير الشأن العام لم تتأثر بمضاعفات ذلك التدبير الذي ظلت المعارضة تنتقده بشدة.
والواقع أن الأمر لا يزيد عن استبدال أسماء ووجوه اللاعبين، لأن الحكومة الحالية، بصرف النظر عن مكوناتها وظروف مجيئها، استمرت في الاشتغال على نفس الملفات والقضايا التي تركتها حكومات سابقة، وربما كان الفارق الجوهري بين التجارب، أن السلطة التنفيذية الراهنة أخرجت تلك الملفات إلى العلن وباشرت في تنفيذ التزامات كثيرا ما ترددت الحكومات السابقة في الاقتراب منها.
في المحصلة لم يحدث تغيير في الاختيارات، ولكنه وقع في أسلوب ومنهجية التعاطي والملفات، وساعد السلطة التنفيذية أنها تستند إلى مرجعية دستورية متقدمة، فيما انحصر خطاب منافسيها عند الطابع الأيديولوجي لهويتها، وقد تجلى ذلك على مستوى الحملات الانتخابية التي تأثرت بالفرز السياسي أكثر مما انحازت إلى متطلبات التدبير المحلي في انتخابات البلديات والجهات.
أما ثانية الخلاصات فهي أن هيمنة الغطاء السياسي على الانتخابات المحلية لم تساعد في بلورة اختيارات حاسمة، بالنظر إلى طبيعة المشهد الحزبي، ما أبقى على رهان التحالفات عنصرا مؤثرا في تشكيل مكاتب المجالس، ولم يستطع استباق هذه التطورات، من خلال الإعلان عن مواقف تحظر وتقنن التحالفات من الخروج من النفق بلا تداعيات، وإن كان الراجح أن تحالف المعارضة تأثر أكثر من غيره، مع أن هناك سوابق في تجارب معاشة أكدت أن التحالفات على مستوى البلديات لا تلغي استمرار الصراع الحزبي على الصعيدين التشريعي والتنفيذي.
في الخلاصة الثالثة أن توقيت الانتخابات على مشارف العام الأخير من الولاية التشريعية، لابد أن يلقي بظلاله على أفق الاستحقاق التشريعي القادم، وعلى رغم تفاوت الأدوار بين المستويات المحلية والوطنية والتشريعية، فالثابت أن منهجية تدبير الملفات أصبح عنصرا محوريا في تكييف اتجاهات الرأي العام، أقربه أن مكونات المعارضة لم تكن بعيدة عن تدبير الشأن العام في مراحل سابقة، كما أن شركاء الائتلاف الحكومي لم يكونوا بدورهم بعيدين عن التدبير المحلي والوطني، ما يدفع الناخبين إلى اختيار ما يعولون عليه حاضرا ومستقبلا.
لن يضير الأحزاب السياسية في الأغلبية والمعارضة على حد سواء أن تعاود فتح ملف الانتخابات الأخيرة، من منطلق التقييم الشامل، ولن يضير الخبراء وأهل الاختصاص أن ينكبوا على دراسة الظاهرة الانتخابية في المغرب، فقد يفيد الأمر كثيرا في تلمس طريق المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى