الرأي

رجل من ورق

ها أنا الآن أعيد تكرار نفسي بك. أعيد تكرار قصتنا الدرامية كما سميتها أنت، أتذكر قولك جيدا أن قصص الحب تنتهي نهاية تراجيدية، وانتهينا وفرغ كل منا من الآخر، لأبدأ في كتابة قصتنا ليشهد الأدب على فاجعتنا الكبرى ولأقتل حبك.. على مرأى من الناس بمسدس كاتم للصوت. وكما تقول: أحلام مستغانمي «إننا نكتب الروايات لنقتل الأبطال لا غير، وننتهي من الأشخاص الذين أصبح وجودهم عبئاً على حياتنا». أكتب عنك لأهرب منك، أكتب لأقفل جميع نوافذ الذاكرة وألغي جميع الاحتمالات بإعادة المياه إلى مجاريها.. كلما كتبت عنك انتهيت منك. ها أنا الآن أجرد الذاكرة من ثيابها، فما أبشع أن تصبح ذاكرتنا عارية أمام الجميع بدون نقاب يحميها من عيون المتطفلين.. أسرارنا لم تعد حكرا علينا لا سر بعد اليوم سوى ما انتظرت ولم يأت..
ها أنا الآن أحاول جاهدة استنطاق الذاكرة بتوقيت الماضي، صعب عليّ أن أعيد حياكة الماضي من جديد بذاكرة مثقلة بالوجع والألم هل أكتب عنك أم عنه؟ ها أنت الآن تتحرش بي من جديد بين عشر خطوات وسلمة مساحة كبيرة من سوء الحظ.. تراك تقرأ كلامي هذا؟ ترفع حاجبك تتنهد بهدوء وتحتسي فنجان قهوتك الخالي من السكر. كنت كعادتك تجلس في المقهى المجاور للحي ترتدي قميصا أبيض وبنطلا أسود وتقرأ مجلة طبية بالمقلوب كانت هذه إحدى طرقك الغريبة لتقول «أنا هنا».. هل حقا كنت أنت أم كنت شخصاً آخر يحاول لفت انتباهي بتصرف أحمق؟ كنت أحمق وأعمق من كل الترهات التي قيلت عنك.. اتهموك بالجنون والهرطقة
وأنك من أنصار حركة «نحن هنا» المتهمة بدعم الفساد وفي الأعياد الرسمية بمحاربة الفساد. كنت ساخرا من نوع خاص تملك قدرة عجيبة في تحويل مآسيك إلى أحجيات مضحكة تقصها على أطفال القرية كلما أخذك الحنين إليهم، صنعت بسخريتك القاسية قنطرة خشبية صلبة لتحويل الألم إلى أمل، سخرت من الدخان الذي تنفثه السيارات، من القطط المتشردة ومن الحقائق التي في الغالب هي مجرد أكاذيب.. كلماتك طالتني أيضا بحجة تغيير طريقة حياتي الفوضوية وغير المتزنة، فصلت تفكيري على مقاس حذائك أردتني أنثى الصمت، أنثى المهمات المستحيلة لإزالة أصعب البقع عن ثيابك.. أغرقتني في قاع يستحيل إخراجي منه، ورغم كل هذا اخترت لنفسك نهاية تناسب رجولتك القابلة للكسر.. الرحيل..
تاركا وراءك ثوبا أبيض وطرحة مزينة بأحجار الزمرد وباقة ورد بيضاء، لتجبرني على تنظيف ممرات ذاكرتنا المشتركة بطردك خارجا، وخلق رجل ورقي في نفس المكان الذي قتلتك فيه وقتلتني فيه أيضا.. رجل لا يفصلني على حسب مقاساته أو مقاسات أمه المصون، ورغم كل التعديلات التي أجريتها عليك في النسخة الورقية ستظل رجلا ناقصا قابلا للقص والحرق فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى