الرأي

رجل يشبه الوطن

غادرت وطني لوطن لا أعرف سوى أنه وطني وإن لم تطأه قدمي، فما أعلمه هو أن كل مكان تحل فيه وطني، عدت لحروبك ورجعت لأيامي البسيطة العادية.. عدت لأحقق لي اسما يصلك صداه لعلك يوما تعلم بوجودي. لكن لم يكن ذلك كل همي حقيقة، فقد كنت أبحث أيضا عن عالم يشبهني وأترك فيه نسخة مماثلة لي. ربما الحبر وحده يتقن رسم معالم ملامحي وأحاسيسي، ربما لأننا في أشياء ما نتشابه نتطابق بدأ قلبي يبحث عنك لدرجة إدمانك كالأفيون، الذي ينمو بشكل وحشي بين الجبال وعلى السهول. أرتاح كثيرا كلما فكرت فيك لأني أعلم حينها كم أنا أحتاج للحب، وهذا أكبر دليل على كوني أحمل قلبا وأني امرأة تمشي بقطعة ثوب لونها أحمر.
فاقد الشيء لا يعطيه
فاقد الشيء لا يعطيه، لكنه أعطاني أكثر مما فقد. أعطاني الوطن والأهل والكثير من الحب. أعطاني أحلاما وأمسا جميلا. جعلني أنسى كل تلك الدموع التي أغرقتني وأنا ربانة لسفينة الحزن والألم. فكم أغرقت أحزاني مدنا بحالها وأسقطت سلاطين وملوكا عن عروشهم. هي آلامي كما أحسستها يتمتني بعد يتمي مرتين، فقدان الأم بعد رحيل الأب. فقدان الأم من أقسى وأوجع الخسائر التي تصادر كل بطاقات الصبر والاحتمال، ذلك أن أمي كانت أكثر من الحياة بالنسبة لي، فماذا تساوي الدنيا بأسرها من دونها؟ ربما القدر كان رحيما بي إذ لم يحرمني منها هي الأخرى في سن أبكر من هذه، لكن الحقيقة تقول إن الوجع لا يتغير طعمه سواء استعجل قدومه لحياتنا أو أجله. لا نملك فعل شيء أمام الموت والحب معا لا يستأذنان، غير أن الموت يأتي ليأخذ والحب يأتي ليعطي. الموت بارد والحب محرق لافح، فقط في هذا هما مختلفان وربما هنالك أشياء أخرى لا ندريها. أنا لم أرد الحب بل أردت الموت. تمنيته أن ينتشلني ببروده وبدفء الحب، تمنيت لو أخطأ أمي وأصابني، وبرحيلي أترك لها الكثير من الحب دون الألم. آه أمي لو أشعل كل عيدان الكبريت، لينار لي الدرب إليك. وعندما تنتهي كلها أترك جسدي وأرحل، طبعا إليك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى