شوف تشوف

رضاعة في الهواء الطلق

في الوقت الذي تغلي فيه الأوضاع بتنغير احتجاجا على وفاة طفلة بسبب انعدام مستلزمات العلاج في المستشفى المحلي ومستشفى الرشيدية، نرى كيف أن الوردي وزير الصحة مكرر منشغل بتنظيم تظاهراته الصحية الغريبة.
وإذا كان لديهم في مصر شيخ في الأزهر أخرج لهم فتوى سماها «فتوى إرضاع الكبير» تجيز إلقام الموظفة ثديها لزميلها في العمل حتى يصبح جائزا لهما شرعا الاختلاء ببعضهما داخل المكتب، فإننا في المغرب لدينا وزير للصحة أخرج لنا هذا الأسبوع فتوى جديدة اسمها «تشجيع النساء على الإرضاع في الأماكن العامة».
وكل من سمع هذه الدعوة المفتوحة للنساء بإلقام أطفالهن أثداءهن في الشارع قال في نفسه «العيالات يقدرو حتى يبركو فالجردة ويعريو على رجليهم يتشمشو بقا عاد يجبدو بزازلهم ويرضعو ولادهم فالزنقة، بغيتي ما يشيط فيهم والو».
ويبدو أن وزير الصحة يجهل أن الرياضة الوطنية الأولى بالمغرب هي التحرش، إلى درجة أن النساء بدأن يطالبن بتخصيص أماكن لهن تكون ممنوعة على الرجال.
وهناك دول كثيرة قررت بلديات مدنها تخصيص أماكن للنساء في بعض وسائل النقل العمومية، كالهند والبرازيل واليابان وبلدية مكسيكو التي تخصص حافلات للنساء فقط، والتي ابتدعت الأسبوع الماضي شكلا تحسيسيا جديدا حول مشكل التحرش الذي تتعرض له ثمان من كل عشر نساء مكسيكيات، عندما وضعت مقاعد في حافلات «مجهزة» بأعضاء تناسلية ذكورية بلاستيكية، وهكذا عندما يجلس الرجال فوق هذه المقاعد يحسون بما تحس به النساء عندما يقفن أمامهم في الزحام، تطبيقا للمثل المغربي القائل «محاس بالمزود غير اللي مخبوط بيه».
وأستطيع أن أجزم بأن أي مجلس مدينة بالمغرب إذا قرر تطبيق هذا القانون وخصص حافلات للنساء وأخرى للرجال، فإن المجلس سيتلقى دعوات صالحة من كل النساء، فمحنة النساء داخل الحافلات لا تعلمها إلا الراسخات في ركوب الطوبيسات ذهابا وإيابا كل يوم.
وحتى فكرة تجهيز بعض مقاعد الحافلات بأعضاء تناسلية ذكورية ستكون مفيدة لإثارة انتباه «السمايرية» إلى أنهم أصبحوا يجسدون مشكلا حقيقيا داخل وسائل النقل العمومي، فالمغاربة لم يعد لديهم مشكل مع رؤية الأعضاء التناسلية المجسدة، والدليل على ذلك تلك التماثيل الرومانية التي يعرضها المهدي قطبي في أروقة متحف التاريخ والحضارات بالرباط، حيث يشاهد الزوار من الرجال والنساء الأعضاء الحميمية المنحوتة للتماثيل المنتصبة والممددة بكل طمأنينة وارتياح.
ولعل أحد أسباب ارتفاع مبيعات السيارات الاقتصادية في المغرب هو التحرش بالنساء في وسائل النقل العمومية. وهناك اليوم عدد كبير من النساء العاملات في القطاع الخاص وموظفات السلالم المتوسطة يخترن الاستثمار في شراء سيارة على الاستثمار في شيء آخر. وعندما تدخل المرأة إلى سيارتها فكأنها تدخل إلى عالم يشكل امتدادا لبيتها، وليس الأمر مشابها لدخولها الطوبيس، حيث يتحول جسدها إلى ملكية مشتركة بين الراكبين وتضيع سيطرتها عليه في الزحام. فتحت ذريعة الاكتظاظ يسمح بعض الراكبين لأنفسهم بممارسة رياضتهم المفضلة في اللصيق خلف الراكبات. ومنهم من يفضل لو أن كل الطوبيسات كانت بلا مقاعد، لكي تكون جميع الراكبات مجبرات على الوقوف.
هناك محنة حقيقية اسمها التحرش تعيشها النساء المغربيات في شوارع المدن وفي وسائل النقل وفي أماكن العمل. وما زال بعض الرجال يعتبرون أن توقيف المرأة والتحدث إليها في الشارع العام حق من حقوقهم المكتسبة. أما في القطار فهناك متخصصون في البحث عن المقصورات التي توجد بها فتيات، ومنهم من يترك كل الأماكن الفارغة في القطار ولا يحلو له سوى مقعد مقابل لامرأة تجلس وحيدة، فيأتي ويجلس قبالتها ويسألها ذلك السؤال البليد الذي يقول «الأخت خدامة ولا مزالة كاتقرا»، فالعقلية الرجولية المتخلفة لبعض المغاربة تفترض أن كل امرأة تجلس وحيدة في القطار أو الحديقة أو المقهى هي امرأة «باغيا تفاهم».
ولو أن مشروع الوزير اقتصر على خلق فضاء للرضاعة في أماكن العمل لهان الأمر، فسعادة الوزير ذهب به خياله إلى حد التفكير في البحث عن فضاءات لإرضاع الأطفال في الأماكن العامة، أي في الحدائق والساحات والشواطئ وأرصفة المقاهي.
وكأن وزير الصحة لا يعرف أن الأماكن العامة في المدن المغربية لا تتوفر حتى على أماكن للعب الأطفال فبالأحرى أن تتوفر على أماكن خاصة بإرضاعهم. وهناك أماكن عامة لا توجد فيها حتى الكراسي، أما المراحيض العمومية فما زالت ضربا من الخيال العلمي، وإذا فاجأت المرء حاجة مستعجلة من حوائجه الخاصة فما عليه سوى أن يقصد أقرب مقهى وأن يطلب من الله أن يكون «زكروم» باب المرحاض غير مغلق بالقفل.
ولعل ما يقوم به الوردي من ضجة بدعوته لتشجيع الرضاعة الطبيعية في الأماكن العامة، يكشف أن سعادة الوزير «مسالي قبو نيت» ويوجد خارج الزمن فعلا، والواقع أن وزير الصحة لديه أولويات، فهدفه الراهن هو بلوغ نسبة 80 في المائة من الأمهات اللواتي يلقمن الثدي لأطفالهن لأن هذا من شأنه أن يقلص أعداد النساء المصابات بسرطان الثدي والمبيض، وعوض أن يوفر الأدوية والمعدات الطبية في المستشفيات العمومية لمعالجة الحالات المتزايدة لمريضات سرطان الثدي يقترح سعادة الوزير على النساء الإرضاع في الهواء الطلق .
إن السبب الحقيقي في ارتفاع عدد الإصابات بسرطان الثدي لدى المغربيات هو عزوف الرجال عن الزواج بسبب البطالة التي تتحمل حكومة بنكيران التي شارك فيها وزير الصحة الوردي لخمس سنوات مسؤولية انتشارها، فالمرأة لديها تكوين جسماني معد للولادة والرضاعة يعمل بساعة بيولوجية داخلية، وعندما تختل مواقيت هذه الساعة فإن جسد المرأة يعرف بعض الاختلالات الهرمونية التي يمكن أن تؤدي إلى ظهور أمراض مستعصية.
وحتى عند الولادة، فإن إلقام الثدي للرضيع يساهم بشكل كبير في محاربة سرطان الثدي، وترجع النسبة الكبيرة لإصابة النساء بهذا النوع من السرطان إلى امتناعهن عن إرضاع أطفالهن وتعويض ذلك بحليب الرضاعة الاصطناعية.
ولذلك نرى كيف أن سرطان الثدي بدأ في الانتشار بكثرة منذ تفشي العزوف عن الزواج والإنجاب وظهور الحليب الاصطناعي وشيوع ثقافة المحافظة على أثداء النساء من التهدل بسبب الرضاعة انسجاما مع تعاليم المنظمات النسائية العالمية التي كانت ترى في هذه المهمة حطا من قيمة المرأة العصرية التي يحق لها أن تعوض حليب ثدييها بحليب الصيدليات حفاظا على مظهرها.
والفرق واضح بين أبناء «البزولة» وأبناء «الرضاعة»، فحسب دراسة لمعهد كارولينسكا في السويد، فالرضاعة الطبيعية تقلل من التوتر لدى الأطفال عند مواجهة المشاكل في الكبر، عكس ما هو سائد لدى الأطفال الذين يتلقون رضاعة بالحليب الاصطناعي.
في السبعينيات والثمانينيات كان الشباب عندما يغادر ملعبا لكرة القدم يفعل ذلك بهدوء سواء انتصر فريقه أو انهزم. أما أبناء اليوم فيغادرون الملاعب لكي يدمروا كل شيء في طريقهم سواء ربح فريقهم أو خسر.
في السابق، كان الأطفال يرضعون حليب أمهاتهم، واليوم أصبحوا يرضعون حليب الصيدليات.
هكذا نشأ لدينا جيل من العصبيين والغاضبين. جيل «على سبة» يشتعل لأتفه الأسباب، وكأنه رضع مكان الحليب مادة الكبريت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى