الرأي

رهان محاربة الفساد في لبنان والعراق

محمد كريشان
شعار يرفع اليوم كما رفع من قبل، الدعوة إلى مقاومته والتصدي له متداولة بقوة في العراق ولبنان والجزائر مثلما كان في تونس وليبيا ومصر واليمن. إنه الفساد كأحد الأسباب الرئيسية التي غذت غضب الشباب في الشوارع، فخرجوا منددين به معتبرينه توأم الاستبداد وأحد أبرز المعضلات التي أوصلت بلدهم للحال التي هي عليه الآن.
ليس صدفة أن «منظمة الشفافية الدولية» في آخر تقرير سنوي لها، اعتبرت «الفساد السياسي التحدي الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، ذلك أن «العديد من الحكومات العربية تتأثر سياستها وتتحدد ميزانيتها ومصارف أموالها بنفوذ شخصيات تعمل على مصالحها الشخصية على حساب المواطنين». ليس صدفة كذلك، أن أغلب المتظاهرين في العراق ولبنان حاليا هم من الشباب، لأن هؤلاء أكثر الفئات شعورا بأن حاضرهم يُـنتهك ومستقبلهم يُصادر بسبب حفنة من الفاسدين، لا يهمهم لو أفلس الناس جميعا مقابل ازدياد ثرواتهم من المال الحرام.
كيف للعراق الذي يعد من أغنى دول المنطقة بسبب ثروته النفطية، أن يصل فيه الفساد درجة تجعله في ذيل القائمة العربية، متقدما فقط على كل من ليبيا والسودان واليمن وسوريا والصومال الأخيرة؟ وما تفسير أن يستفحل فيه الفساد ولديه «هيئة النزاهة»، التي تأسست عام 2004، مع مفتشين عامين في كل الوزارات والهيئات و«ديوان الرقابة المالية»، فضلا عن القضاء والبرلمان المنتخب لولا أن هذا الفساد اخترق الجميع فما عاد أحد قادرا على محاسبة أحد؟
الوضع في لبنان ليس أفضل حالا، الكل يشير بأصبع الاتهام إلى هذا المسؤول أو ذاك وهذا الزعيم السياسي أو ذاك دون تردد، لأن رائحتهم جميعا أزكمت الأنوف. ثم إن اتفاق الطائف الذي رسخ الطائفية هناك أدى إلى تقسيم النفوذ وإنعاش المحسوبيات، وأدى في النهاية إلى إغراق البلد في مزيد من الديون مقابل إثراء حفنة من المسؤولين، فالدين العام الذي كان عام 1992 يقدر بـ3 مليارات دولار، بات الآن ومع نهاية غشت الماضي أكثر من 86 مليارا، كما يتحدث الجميع عن مبلغ يقدر بـ11 مليار دولار تبخر من الميزانية عندما كان فؤاد السنيورة رئيسا للوزراء بين 2006 و2008!
وبين العراق ولبنان بعض النقاط المشتركة، سواء في ملفات فساد أو المقاربة الرسمية في التعاطي الحالي مع هذه القضية. لنأخذ مثلا قضية الكهرباء: لقد مكثت شخصيا في العراق لشهرين بعد سقوط بغداد في أبريل 2003، وكانت الكهرباء تنقطع باستمرار، لكن الجميع كان يتحدث وقتها أن هذه القضية ستعالج في غضون أسبوع أو أسبوعين، فإذا بها ما زالت مطروحة بعد 14 عاما. في لبنان أيضا، سنوات طويلة ومشكلة الكهرباء تؤرق الجميع دون حل بعدما استهلكت ثلث الدين الحكومي منذ التسعينيات، ما أدى إلى انتعاش «مافيا المحركات الخاصة».
النقطة الأخرى المشتركة الآن بين العراق ولبنان هي أن جميع المسؤولين يتحدثون في بيروت وبغداد عن الفساد وأهمية مقاومته، إلى درجة أن المرء يمكن أن يصرخ: إذن من هم الفاسدون إذا كنتم أنتم على هذه الدرجة من الطهورية؟ يتحدث الرئيس ميشيل عون عن أن «التحقيقات لن تستثني أحدا» وأن الخطوات المقبلة ستكون لرفع السرية المصرفية والحصانة عن المتورطين، وأن التوجه جاد لاستعادة الأموال المنهوبة وإنشاء محكمة خاصة بالجرائم المالية، وكذلك يفعل بقية المسؤولين والزعامات، وفي العراق أيضا تخوض الرئاسات الثلاث في الموضوع، وكأن لا علاقة لها بالموضوع أو كأنهم من نشطاء المجتمع المدني وليسوا رجال دولة يتحملون وزر ما يجري بالكامل.
من حسن حظ لبنان ومدعاة فخره أنه لم يجابه الهبة الشعبية الغاضبة بعنف وعنجهية، كما حصل في العراق الذي سقط فيه العشرات برصاص قوات الأمن، ولكن العبرة بالنتائج في النهاية. لا بد أن يرى المواطن في كل من لبنان والعراق الإرادة السياسية اللازمة لقطع دابر الفساد، كأحد أبرز الملفات التي تحتاج إلى معالجة عاجلة، ولو أنه من المستبعد تماما أن يحارب الفسادَ الفاسدون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى