زلزال كاتم الصوت
حسن البصري
اقتربت ذكرى زلزال أكادير الذي ضرب حاضرة سوس ليلة 29 فبراير 1960، وتجدد الرعب الساكن في وجدان أبناء المدينة الذين عاشوا لحظات هلع حقيقية بعد هزة حولت الأحياء إلى حطام.
مات آلاف الضحايا فمنهم من أنعم عليهم بقبور وشواهد وأدعية، ومنهم من دفنوا في حفرة جماعية، ومنهم الراقدون تحت التراب الذين استعصى انتشالهم من تحت الأنقاض، لكن نادرا ما تنبش الذاكرة الرياضية السوسية عن ضحاياها في تلك الليلة المشؤومة، وكأن الرياضة غير معنية بالحدث، أو تعتبر الزلزال مجرد خصم شرس كبدها خسارة في عقر الدار ثم رحل يبحث عن ضحايا جدد في مدينة أخرى.
قبل يوم الزلزال المرعب، وتحديدا في 28 فبراير، خاض فريق حسنية أكادير مباراة ضد الفتح الرباطي على أرضية ملعب سوس المتاخم لشاطئ البحر، انتهت بفوز الحسنية بأربعة أهداف مقابل هدف واحد، وفي رحلة عودة الفريق الرباطي إلى العاصمة رافقه أحد لاعبي الحسنية على متن الحافلة فكان من الناجين.
يحكي أحد محبي فريق الحسنية موقفا طريفا حصل له ولكثير من لاعبي الفريق السوسي يوم الزلزال، فقد قرروا التوجه إلى سينما السلام، وتابعوا فيلم الرعب «كودزيلا» وعاشوا دقائق داخل قاعة العرض حبست الأنفاس، فقد كان هذا الحيوان الأسطوري يطارد الآدميين ويطيح بالبنايات، وحين لفظت القاعة ما في جوفها ليلا، ضرب الزلزال المدينة فاعتقدوا أن للفيلم بقية وأن «كودزيلا» انفلتت من عقالها وخرجت من سينما السلام لتدمر المدينة.
قضى عدد من لاعبي الحسنية نحبهم فضلا عن مسيرين كانوا يبحثون، في اجتماع بأحد مقاهي تالبورجت، عن حلول لرحلة طويلة إلى وجدة لملاقاة المولودية، لكن المباراة لازالت مؤجلة إلى يومنا هذا، فقد أصبح الفريق في عداد المنكوبين.
بقرار من ولي العهد الأمير مولاي الحسن، منح للحسنية لقب البطولة الفخري، وأعفي الفريق من إجراء باقي المباريات دون أن ينزل إلى القسم الثاني، كما تقرر إطلاق اسم رئيسه الحسين بيجوان، الذي مات وهو يمسك قلما وورقة، على ملعب سوس، وحين نسي الناس الواقعة مسح المجلس البلدي الذاكرة وحول الملعب إلى موقف للسيارات.
كان المرحوم الحسين بيجوان يعقد اجتماعا بمقهى «الأندلسية» في تالبورجت، وحين هوت فوق رؤوس زبنائها مات جزء من رصيد الحسنية، كاللاعب امبارك أمين، ومبارك البدري، المدير التقني للفريق. وفي فندق باريس مات لاعب إسباني كان يمارس ضمن الحسنية يدعى أنطونيو كاريتشو، كما مات تحت الأنقاض حارس المرمى مبارك لاكين، والكاتب العام حسن الطالب، فضلا عن مئات المشجعين.
أعدم ملعب سوس، وظل مطلب نقش أسماء شهداء الحسنية في مدخل ملعب الانبعاث معلقا، وحين اقترح أحد نشطاء الذاكرة إطلاق اسم «ملعب 29 فبراير» على المركب الرياضي بأكادير اتهم بتحريك المواجع وربط الكرة بالزلزال.
مسح القائمون على الشأن المحلي اسم بيجوان من الذاكرة، وقرروا وضع طبقات إسمنت مسلح على الواقعة، وجعل الزلزال حدثا مرعبا لا يستحق الوقوف عليه، إلا مرة كل سنة، فأساؤوا فهم مقولة الملك محمد الخامس الخالدة: «لئن حكمت الأقدار بخراب أكادير فإن بناءها موكول لإرادتنا وإيماننا».
لم يختر الزلزال لاعبي الحسنية فقط، بل قتل العديد من الوجوه الرياضية خاصة الأجانب الذين كانوا يمارسون لعبة التنس، وأشهر المدربين الرايسي، بل إن محمد بوضياف الرئيس الأسبق للجزائر، نجا من الزلزال وكان لاعبا للتنس ويشتغل بوكالة محاربة الجراد بأيت ملول، فضلا عن رحيل أسماء أخرى من فرق أنزا وإحشاش وأبطال في سباق الدراجات..
في بلد آخر يعطي للذاكرة قيمتها، يتم تخليد أرواح الرموز الذين افتقدناهم بمجسمات في مداخل الملاعب، وفي مقر النادي وفي متحف المدينة، لكن الزلزال أصبح له مفهوم آخر، لا هزة أرضية ولا حاجة لمقياس ريشتر، ولا خلية أزمة، فقد ظهر الزلزال السياسي الذي يأتي بين الفينة والأخرى ليحول بعض المناطق إلى بؤر زلزالية تطيح برؤوس أينعت وحان قطافها.