الرئيسية

زناتة وشقيقتها

حسن البصري
يعرف أبناء جيلي شاطئ زناتة الكبيرة وشقيقتها الصغيرة، وجيرانها «النحلة» و«السعادة» وغيرها من الشواطئ الشعبية الممتدة على الشريط الساحلي الرابط بين الدار البيضاء والمحمدية. كانت هذه الفضاءات تتيح للبسطاء الحق في الاستجمام بأقل الأثمان شريطة أن تتحمل الازدحام في الحافلة وعلى الرمال وفوق المياه وتتحمل خياشيمك الرائحة النتنة للمياه الآسنة.
كان البسطاء يتمددون تحت أشعة الشمس، ويعودون في المساء إلى بيوتهم يروون لأقرانهم قصة يوم مشمس طاردوا فيه الكرة والفتيات وراوغوا الأمعاء ومراقبي حافلات النقل العمومي بحثا عن استجمام غير مكلف.
اليوم، تخلصت زناتة من فقرائها وأعلنت نفسها مدينة بمواصفات عالمية، غيرت ملامحها المجالية وطردت سكان أحزمة الفقر الذين كانوا يقتاتون من بحرها، وزرعت في جنبات الطرق إعلانات لزناتة أخرى غيرت جلدها وقطعت حبل الود مع البسطاء.
حتى بحر زناتة يرفض الفقراء ويقتل أحلامهم، ويرمي بجثثهم على رمال شاطئ كان رحيما بزواره قبل أن يعلن تمرده.
صباح أول أمس السبت لفظت زناتة جثث سبعة شبان مغاربة لفظهم البحر ورمى بهم قارب مطاطي كانوا على متنه خارج الزمن. كانوا إلى جانب آخرين ابتلعتهم مياه المحيط، مرشحين للهجرة السرية، فهاجروا سرا إلى دار البقاء.
من بين الضحايا شابة في الثامنة عشرة من العمر، قيل إنها كانت لاعبة لكرة القدم واعدة، قبل أن تعيش في أيامها الأخيرة حالة شرود ذهني، وتعلن نفسها مرشحة للهجرة السرية، صدقت، على غرار شبان آخرين، تاجرا يبيع الأوهام، ورسم لهم خريطة طريق الموت من شاطئ عين السبع إلى جبل طارق، وفي زورق مطاطي أسود تراقصت أمام عيونهم أحلام وردية.
ماتت الفتاة وأقرانها في عرض البحر، قبالة عين حرودة، لفظهم البحر وفي جيوبهم صور أمهات لطالما رفضن خيار «الحريك»، قبل أن يرضخن لواقع الأمر ويشيعن أبناءهن بدعوات وابتهالات. قبلها هاجر عميد أمل آسفي لكرة القدم الشاب علي حبابا، عبر قوارب الموت، لكنه نجا من الموت وأعلن نفسه ناجيا من كرسي البدلاء ومن البطالة.
كعادتها في كل النكبات، فتحت المصالح المختصة تحت إشراف النيابة العامة تحقيقا في الفاجعة، لتحديد الظروف والملابسات التي تمت فيها عملية الهجرة السرية، وتناولنا البلاغ كأقراص تخفف من وطأة القلق، رغم أن الحكومة لا تخشى هجرة البسطاء واللاهثين وراء حلم جنة الفردوس الأوربية، بقدر ما تخشى هجرة الأدمغة وتعتبرها من أخطر الآفات التي تعيق تقدم البلاد ورقيها.
الحكومة، في شخص ناطقها الخلفي، تحدثت عن تحذير سابق من شواطئ غير صالحة للاستعمال، من بينها زناتة وأخواتها، وقالت إنها نجحت في إحباط أزيد من خمسين ألف محاولة تهجير سري نحو أوربا، نعم نجحت في تكريس الإحباط من حيث لا تدري.
الهجرة السرية حلم يسكن شبابا ضاقت به سبل الحياة، يكفي أن نتمعن في كلمات أهازيج الإلتراس المغربي، لنعرف حجم حضور «الهجرة السرية» في وجدان هذا الشباب الذي لطالما كان يناجي زورقا ليحمله إلى روما، أو يتغنى بمركب الأحلام الذي يحمله في الظلام ووسط أهوال الموج الغاصب إلى مصير مجهول.
أحد السياسيين فطن للحلم الساكن في وجدان الشباب، فحاول استمالة الناخبين بوعد غريب، وهو مساعدة الشباب للحصول على التأشيرة للهجرة نحو أوربا مقابل منحهم أصواته للفوز في الانتخابات الجماعية، إنه يريد كتلة ناخبة تصوت عليه وتغادر البلاد دون أن تجني الثمار.
تبا لك يا زناتة، كيف استوعب صدرك شغبنا وطيشنا وكانت أمواجك رحيمة بنا قبل أن تعلن شطآنك غضبها وترمي بالحالمين جثثا هامدة على رمالها؟
«أين يا شط لياليك النديات الحسان
أين غابت أين واراها عن العين الزمان».
مع الاعتذار لعبد الهادي بلخياط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى