الافتتاحية

سباحة ضد التيار

مرة أخرى تخلف الطبقة السياسية وعدها مع التاريخ، وتخسر بسذاجة لحظة مهمة في تاريخ الشعب المغربي، وتفشل في صناعة جماعية لأهم قانون في الدولة يعول عليه لبناء مدرسة قادرة على إنتاج جيل المستقبل المتشبع بالثوابت الوطنية والمنفتح على القيم الكونية. ففي اللحظة التي كان السياق يفرض على الأحزاب والنقابات والحكومة والبرلمان والأغلبية والمعارضة، الإعلاء من لغة الإجماع والتوافق في قانون استراتيجي يهم إصلاح المدرسة المغربية، قرر السياسيون السباحة ضد التيار وتحويل قانون استراتيجي يهم 7 ملايين تلميذ إلى ساحة مليئة بالشعبوية لتصفية الحسابات السياسوية الضيقة، وانبرى كل فاعل، خصوصا الحزب الحاكم، إلى محاولة الركوب على بعض مقتضياته لرتق بكارته السياسية التي افتقدها طيلة سبع سنوات من التدبير الحكومي.
وبدل أن يحسم مصير القانون في مجالس الحكومة أو غرف البرلمان، فضل رئيس حكومة سابق مارس كل أنواع الحيف على حقوق المغاربة، اللجوء إلى نشر خطاب التجييش والاصطفافات وتضليل الرأي العام بمعطيات زائفة وإظهار القانون الذي أشر عليه الملك محمد السادس في مجلس وزاري بمظهر الخطر على الدين ووحدة بيضة المسلمين والتهديد للسان العربي الفصيح. وطبعا وجد بنكيران في حركته الدعوية والتيارات السلفية خير معين وجيشا شرسا للدفاع عن لواء العربية التي حفظ لها القانون مكانتها السامية.
وللأسف، لم تستفد الطبقة السياسية من الفشل الذريع الذي صاحب تجارب إصلاح التعليم منذ الاستقلال 1963/1977/1994/1997/2009، بسبب سيادة منطق الصراع السياسي واستغلال التعليم للضغط من أجل كسب مواقع سياسية وليس من أجل تشييد مدرسة وطنية عمومية ذات جودة عالية وللجميع فقراء وأغنياء. ولذلك وجدنا أنفسنا، بعد مرور 60 سنة، نعيد النقاش في القضايا نفسها التي أغرقت تعليمنا في مستنقع الشعبوية وجعلته حبيس الماضوية.
ورغم أن الملك محمد السادس حذر، في خطاب ثورة الملك والشعب قبل سنتين، من إقحام القطاع التربوي في الإطار السياسي المحض، أو إخضاع تدبيره للمزايدات أو الصراعات السياسوية، فإن الطبقة السياسية كان لها رأي مخالف للتوجيهات الملكية، بل بالعكس تماما رفعت من منسوب خطابها السياسوي الذي يدغدغ المشاعر ويجعل منه للانقسام المجتمعي.
لذلك لا يمكن أن نبني مدرسة المستقبل وأستاذ المستقبل وتلميذ المستقبل، بقانون خارج من الخيمة أعوج والحزب الحاكم يرميه بمختلف النعوت القدحية، وسنعيد التجارب السابقة نفسها رغم أن الزمن لم يعد يسعفنا اليوم، ولا أيضا سياقات العالم وتحديات الاقتصاد والسياسة تتيح لنا وقتا أطول لخوض حروب سياسية فارغة تضر أكثر
مما تنفع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى