شوف تشوف

الرئيسيةملف الأسبوع

سياسيون برتب عسكرية عندما ينزع العسكريون بزة الجيش ويرتدون جبة السياسي

جنرالات وكولونيلات وضباط نزعوا البزة العسكرية وارتدوا جبة السياسي

حسن البصري
تكون ردود الفعل قوية حين ينضم ضابط عسكري إلى التشكيلة الحكومية، ويزداد الجدل حين يتقمص «العسكري» حقيبة مدنية لا علاقة لها بما راكمه من معرفة في المدارس والكليات الحربية. لكن حين اختار الملك محمد الخامس عسكريا يجتر معاناته من الحرب العالمية اسمه مبارك الهبيل، بارك الناس التعيين بالرغم من الاعتراض الصامت للسياسيين خاصة رموز حزب الاستقلال، بعدما جاء الاختيار لصرامة الرجل وجديته ووطنيته.
أغلب الضباط العسكريين المغاربة، الذين شملهم الاستوزار، يملكون خاصية لطالما غابت عن كثير من المدنيين، السياسيين أو التقنوقراط، وهي: «التنزيل الحرفي للتعليمات»، انسجاما مع قاعدة الانضباط العسكري «نفذ أولا اسأل في ما بعد».
الوزراء المغاربة الذين جلسوا على كراسي المسؤوليات الوزارية وتخلصوا من البزة العسكرية، تدرجوا في الكليات العسكرية وفى العديد من المناصب، ومارسوا السلطة في القيادة العامة للجيش وفي المناطق العسكرية وخاضوا معارك ميدانية سواء تحت لواء الجيش الفرنسي أو مع الحلفاء أو في طليعة الفيالق المغربية، قبل أن ينتهي بهم المطاف في وزارة لا يقدم لهم الموظفون التحية العسكرية التي ألفوها حين كانوا حكاما للثكنة.
نعود إلى المؤيدين للوزير العسكري، فهم يرون أن ضمه إلى التشكيل يرضي طموحاتهم رغم أنه من خارج القطاع، على الأقل سيكون هناك التزام وصرامة. أما المعارضون، فيرون أن القطاعات يجب أن تسند لأهل الاختصاص، وأن المنصب الوحيد الذي يمكن أن يسند لعسكري هو «وزارة الدفاع»، وأن استوزار الضباط عفا عنه الزمن لأنه يعود بالذاكرة إلى عهد المجالس العسكرية التي تحكم بعد كل تمرد، أو خلال الفترات الانتقالية التي تحتاج لعسكري يدبر الشأن العام بمقاربة أمنية.
في هذا الملف ترصد «الأخبار» سيرة أبرز رجال من خارج «المحيط السياسي»، تأبطوا في فترة من الفترات حقائب وزارية وأشرفوا على تدبير الشأن المدني.

العقيد القادري: «كنت سائحا في وزارة السياحة»
بعدما اعتزل السياسة، حرص عبد الله القادري على قضاء أكبر وقت ممكن في ملعب التنس بالوازيس، ويتناول وجبته اليومية في مطعم النادي، مصرا على أن يتخذ قراراته بصفته رئيسا للنادي بروح عسكرية انسجاما مع تكوينه العسكري.
كان الرجل يجد متعة في الحديث عن غزواته العسكرية، وهو الذي عاش رعب انقلاب الصخيرات، كما يروي بين الفينة والأخرى لجالسيه بعض المواقف الطريفة في مساره الذي تحول من الثكنات إلى المنتديات السياسية حين عينه الملك الحسن الثاني وزيرا للسياحة، وهو التعيين الذي فاجأ الرأي العام حينها، نظرا لغياب علاقة بين القادري الصارم والقطاع المرن، وقبل هذا حين أصبح قياديا في الحزب «الكاكي» الحزب الوطني الديمقراطي». لكن الحزب أصبح مع مرور الزمن في ذمة التاريخ.
في لقاءاته مع أبناء أولاد حريز، يفتخر القادري بإنجازاته حين كان رئيسا للمجلس البلدي لبرشيد، وكيف استطاع القضاء على الأحياء الصفيحية التي كانت تشكل حزاما يطوق المدينة. ويروي لرفاقه أسرار خلافه مع إدريس البصري ومزاجه «الصدامي» الذي كلفه منصبه كوزير للسياحة. قال الرجل ساخرا: «كنت سائحا في وزارة السياحة».
حين تقاعد القادري من الجيش برتبة عقيد، ظل يتحدث عن صولاته وجولاته في الثكنات والإدارات، وكان يردد: «عندما كان البصري ضابطا صغيرا في الشرطة كنت أنا عقيدا في الجيش»، وفي لحظات حزنه يعبر عن ندمه لإقدامه على إعدام أحد أصدقائه عندما كان القادري رئيسا لفرقة تنفيذ الإعدام في انقلابيين. يطوقه الندم ويطلب المغفرة من الرب ويقول إنه كان مجبرا لا بطلا، ويبدو أن الصديق هو الجنرال بنبراهيم عمي.
الراحل من مواليد منطقة الشاوية، سنة 1937، اكتسب اسمه شهرة في عالم السياسة بداية الثمانينات من القرن الماضي، بعد تأسيسه رفقة الراحل أرسلان الجديدي، الحزب الوطني الديمقراطي سنة 1982، بعد انشقاقه عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وعبره أصبح برلمانيا لعدة ولايات عن برشيد التي ترأس مجلسها الجماعي، وفي سنة 2009، اندمج حزبه مع عدد من الأحزاب لتأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، قبل أن يعلن خروجه. مساره السياسي، جاء بعد مسار عسكري طويل، حيث كان عقيدا في صفوف القوات المسلحة الملكية، قبل أن يتم إعفاؤه عقب المحاولة الانقلابية بالصخيرات، ويقضي ما تبقى من حياته بين ملعب التنس ومنتديات السياسيين.
في أيامه الأخيرة، عاش عبد الله القادري أسير سرير المرض في المستشفى العسكري بالرباط، وظل يعاني من مرض عمر طويلا، إلى أن انتهى به في غرفة العناية المركزة، وحين كان يستفيق من غيبوبته يمسح بعينيه غرفة العلاج ويجدد مطلبه بالدفن في تربة أولاد حريز مسقط رأسه، فقد كانت لمدينة برشيد مكانة كبيرة في وجدانه.

مبارك البكاي..عسكري وباشا ورئيس حكومة
تولى مبارك البكاي لفترة قصيرة تسيير وزارة الداخلية انتهى بوفاته في سنة 1961، غير أن الفترة التي شغل فيها البكاي حقيبة الداخلية شهدت عدة تحولات سياسية من قبيل الانشقاق الذي شهده حزب الاستقلال الذي خرج من رحمه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فيما بدأت بصمات ولي العهد المولى الحسن تظهر على الهيكلة الجديدة لوزارة الداخلية.
كان مبارك يستلهم أفكاره وهو في دائرة القرار من سيرة والدته القايدة طامو، التي كانت تتردد على الأولياء الصالحين، خاصة ضريح سيدي علي البكاي، فأنجبت الولد الوحيد وأطلقت عليه اسم المزار ‘البكاي».
يروي قدور الورطاسي جزءا من حياة وزير عسكري: «في سنة 1953 وفي ذات صباح يوم الأحد، كنت أشرب الشاي مع طامو والدة البكاي لهبيل، وأثناء ذلك دخل علينا البكاي فقال لوالدته: إن رئيس المقاطعة قد استدعاني، وإنني متشائم من هذا الاستدعاء، فقالت له والدته إذا كان الأمر يتعلق بما يمس جلالة محمد الخامس وخذلانه، فكل ما رضعته من ثدي طامو حرام عليك. فلما رجع البكاي من عند رئيس المقاطعة قال لي «الأمر خطير جدا، لقد عرض علي رئيس المقاطعة أن أوقع على عريضة ضد سياسة جلالة الملك محمد الخامس، لكنني رفضت».
كان مبارك لهبيل على رأس السلطة الإدارية لمدينة صفرو كباشا، لكنه لم يتردد في الاتصال هاتفيا بمحمد الخامس، حين داهم فيضان وادي أكاي المدينة وشرد الأهالي، داعيا القصر إلى التفاعل مع الواقعة والحضور إلى عين المكان لزرع الطمأنينة في نفوس سكان صفرو. على الفور لبى السلطان ملتمس الباشا وحل بالمدينة حيث رافقه الحاكم العسكري الفرنسي مع الباشا البكاي في جولة تفقدية بالمدينة المكلومة، ووزع المساعدات على المتضررين.
كان الباشا البكاي سعيدا بزيارة السلطان، كان يجوب الأحياء المتضررة متحديا إعاقته، إذ بترت ساقه حين كان محاربا في الحرب العالمية ضمن الجيش الفرنسي، وكان محدثا بارعا وخطيبا باللغة الفرنسية. لكنه سيتنازل عن منصبه ويعلن استقالته من بشاوية صفرو بعد ثلاث سنوات عن الفيضان، مباشرة بعد نفي محمد الخامس، هاجر إلى فرنسا ومكث هناك قرابة عامين، وقام باتصالات بعدة شخصيات في سبيل إرجاع جلالة محمد الخامس وأسرته إلى أرض الوطن. عاد الملك إلى بلاده في 16 نونبر 1955، وشكل حكومة وطنية كان البكاي على رأسها، وفي سنة 1958 استقال من منصبه، وانشغل بتكوين حزب سياسي، أطلق عليه التجمع الشعبي الذي سيتحول إلى حزب الحركة الشعبية. وفي 12 أبريل سنة 1961 توفي مبارك البكاي ودفن في مقبرة كدية مولاي الطيب ببركان.

الكولونيل زاروف يخوض غمار الانتخابات رغم فيتو البصري
ينحدر أحمد زاروف من الزاوية المشيشية المعروفة بالفيزازية بمنطقة مرنيسة إقليم تاونات، كان والده من حفظة القرآن الكريم، كما كرس جزءا من حياته للمقاومة وجيش التحرير، حيث اعتقل مرتين بتهمة «المس بأمن الدولة»، ويروى أن عبد الكريم الخطابي هو الذي أطلق عليه اسم «زاروف».
انضم أحمد إلى سلك الدرك، قبل أن يغادره طوعا ويرمي بالبذلة جانبا ويحتفظ بالنياشين في خزانته، ويعلن نفسه متسابقا في بطولة السياسيين، حيث عاش غمار الانتخابات في إقليم تاونات بكل تفاصيلها، وخلافا لصمته حين كان عقيدا في الدرك فقد أصبح متحدثا في شؤون السياسة عارفا بتضاريسها، رغم أنه توبع كبرلماني في أكثر من ملف طعن وقضى جزءا من حياته يرافع أمام المحاكم بحثا عن براءة.
من صف الدرك إلى اليسار السياسي، مسيرة فيها الكثير من المفارقات. ويذكر رفاق دربه حكاية صراعه مع إدريس البصري في الانتخابات الجزئية التي جرت بإقليم تاونات في 1997، صراع قوي بين أحزاب وشخصيات معروفة بالمنطقة، إذ اشتد التنافس بين خصمين قويين، الكولونيل السابق أحمد زاروف، والوزير السابق محمد عبو، فانحشر بينهما صحافي مشهور لقي الدعم والمساندة من قبل الراحل إدريس البصري، إذ حصل على تزكية من الاتحاد الدستوري بمكالمة هاتفية.
ويعد زاروف وأحمد الميداوي ومحمد عبو، من النخب السياسية لتاونات رغم أن البرلماني زاروف منع من الترشح لمدة ولايتين بعد اتهامه بالفساد الانتخابي في انتخابات تجديد ثلث مجلس المستشارين.

مبارك الطرمونية.. دركي في مدار السياسة
اختار مبارك الطرمونية التخلص من زي الدرك الملكي وفضل المغادرة الطوعية لقطاع تحكمه الأوامر الفوقية والتعليمات الصارمة، بالرغم من علاقته الوطيدة بالجنرال دو كور دارمي حسني بن سليمان الذي كان يتقاسم معه الانتماء لمنطقة أولاد افرج في عمق دكالة.
كان مبارك يعلم علم اليقين أن دخول السياسة من بوابة الانتخابات في منطقة أولاد افرج وخميس متوح بالتحديد ليس بالأمر الهين، في ظل هيمنة تاريخية للزهراوي على المنطقة التي لطالما تحولت إلى حلبة سياسية في الانتخابات الجماعية والبرلمانية.
لم يتقبل الدكاليون دخول دركي برتبة عالية تربة السياسة، فقد كان مبارك بالنسبة للكثير منهم «ضرسة في المخزن»، حين كان البعض يلجؤون إليه كلما تأبطوا ملف نزاع يحتاج لتدخل من «أصحاب الوقت»، وكان مبارك بالنسبة للفرجيين واحدا من أصحاب القرار في الرباط.
حصد الرئيس مبارك نسبة عالية من الأصوات في جماعة متوح وأضحى النائب البرلماني الأول بإقليم دكالة الذي حصد أعلى نسبة من عدد الأصوات المعبر عنها، فقد اختار في حملته الانتخابية التركيز على أسباب النزول وأسرار التحول من دركي إلى سياسي، وظل يؤكد في حملاته على رغبته في «خدمة دكالة» ليس كرجل سلطة أمنية بل كمنتخب.
احتل الرجل الرتبة الأولى بالإقليم أمام أقوى المرشحين وأشدهم شراسة بدكالة ولعل أهم خصلة في مجال السياسة الحقيقية يمتاز بها الطرمونية. قال بعض السياسيين إن الأصوات التي نالها أكدت أن الدركي حتى وإن تخلص من هندامه ووظيفته لازال «الجدارمي» مرادفا للسلطة. يقول مبارك إنه فاز في دائرة انتخابية تفوق مساحتها مساحة دولة بلجيكا.
ارتدى مبارك رداء حزب الاستقلال بديلا للبزة العسكرية، وانضم إلى السياسيين الذين لطالما كان وهو في سلك الدرك يحتاط من خطاباتهم، بل إنه أصر على أن يسلك ابنه عثمان نفس الطريق السياسي ويزج به في عالم الشبيبة الاستقلالية حيث أضحى نائبا لرئيس جهة الدار البيضاء سطات، عضوا في المكتب التنفيذي لمنظمة الشبيبة الاستقلالية مشكلا امتدادا حقيقيا لأسرة عملت على تنزيل ثوابت الدرك في التربة السياسية.

المارشال أمزيان.. من جبهات القتال إلى العمل الديبلوماسي
ولد محمد أمزيان في نهاية عقد الثمانيات من القرن ما قبل الماضي بمنطقة بني نصار بضواحي مدينة الناظور، قضى سنوات بالديار الإسبانية طالبا بالمدرسة العسكرية قبل أن يتخرج منها ويصبح عقيدا في عهد الجنرال فرانكو الذي حكم إسبانيا بقبضه من حديد.
حسب رواية المؤرخة الإسبانية «روزا دي مادارياغا» في مؤلفها «المغاربة الذين جلبهم فرانكو»، من خلال شهادات أشخاص عايشوا فترة أمزيان، فإن القائد المغربي كان مقربا من حاكم إسبانيا وكانت له صلاحيات واسعة لتدبير جيوش أغلب عناصرها مسيحيون.
بعد استقلال المغرب، طلب الملك محمد الخامس من محمد أمزيان الالتحاق بالمغرب «لوضع خبرته العسكرية الكبيرة في خدمة المملكة، بغرض وضع اللبنات الأولى للجيش المغربي. استجاب أمزيان للنداء الملكي وعاد إلى الوطن ليلعب دورا رئيسيا في تأسيس وتنظيم مؤسسة الجيش إلى جانب الجنرال أوفقير وولي العهد مولاي الحسن، وتقلد منصب وزير الدفاع بالنيابة».
في سنة 1959 قاد بنفسه الجيش لإخماد ثورة الريف وقاتل بضراوة ضد أبناء جلدته الريفيين. كانت هذه المرة الثانية التي يقاتلهم فيها، المرة الأولى كانت باسم إسبانيا، وهذه المرة باسم المغرب.
تقول الرواية ذاتها التي تداولتها صحف شمالية، إن الحسن الثاني كافأه على تفانيه في خدمة الوطن فمنحه أعلى رتبة عسكرية في البلاد وهي رتبة ماريشال، ليكون أول وآخر ماريشال في تاريخ الجيش المغربي.
انتقل للعمل الدبلوماسي في عهد الملك الحسن الثاني الذي عينه سفيرا للمغرب في إسبانيا سنة 1966، المنصب الذي شغله بقية عمره إلى حين وفاته سنة 1975 بمدريد، لتنطفئ آخر شمعة في حياة رجل مثير للجدل حيكت عنه قصص غريبة لم تثبت صحتها من زيفها، رجل عاصر الدكتاتور فرانكو وكان مساعده الأيمن ثم جاور السلطان محمد الخامس وحظي بثقته. إنه ابن الريف وعدوه اللدود.
توفي الماريشال أمزيان في أحد مستشفيات مدريد، في فاتح ماي 1975، بعد وفاة الجنرال فرانكو بفترة قصيرة، وقيل إنه حزن كثيرا على وفاة الزعيم الإسباني، علما أن الحسن الثاني كان يعتزم الاعتماد عليه في مفاوضات اللحظات الأخيرة مع فرانكو، إلا أن المرض استبد به وحال دون حضوره حدث استرجاع الصحراء.
ترك المارشال الكثير من الممتلكات العقارية في العديد من المدن حتى في المدن التي توصف في قاموس سكان الشمال بمدن الداخل مثل الدار البيضاء، فالعمارة التاريخية والشاهقة التي تحتضن المقر الرئيسي لرفاق بن سعيد آيت إيدر في الحزب الاشتراكي الموجود، في ملكية آل أمزيان.

الجنرال المذبوح يعتبر حقيبة البريد إجراء تأديبيا
لم يكن الماريشال الريفي محمد أمزيان يعتقد أن صهره محمد المذبوح سيتورط في انقلاب عسكري ضد الملك الحسن الثاني، ويكون من بين مهندسي تمرد الصخيرات صيف 1971، فقد كانت زوليخة أمزيان تتحدث بمناسبة أو بدونها عن إخلاص زوجها للعرش، وتروي غاراته على المفسدين.
حرص الماريشال أمزيان على تزويج بناته الست، كان ينتقي الأزواج بدقة، ويقدم شروطا صارمة لا تقبل النقاش، لذا فقد زوج خمس بنات لرجال لهم رتب عسكرية عالية، بينما تمردت ليلى على هذا القانون الداخلي الصارم واختارت الارتباط بمدني زاده المال وليس السلاح، وهو الثري عثمان بن جلون، قبل أن تحذو حذوها شقيقتها مريم.
كان المذبوح ينتمي فعلا لأسرة عريقة في السلطة، لكن ما تردد عن ذبح والده، الذي كان قائدا، من طرف أهالي الريف احتجاجا على وقوفه في صف الإسبان، خدش مكانته الاعتبارية.
تزوجت زوليخة، بالجنرال محمد المذبوح وهو في قمة تألقه، وظلت تتقاسم معه هواجس القلق التي سيطرت عليه، كلما بلغه تنامي ظاهرة الفساد، فقد كان قربه من الملك الحسن الثاني يفتح له أبواب الجاه إلا أنه لم يكن يسعى إلى ذلك، إذ كشفت زوليخة أنه ظل يرفض «إكراميات» الملك. وحسب شهادة أوردها عبد الحق التازي، فإن «الحسن الثاني كان يعطي المذبوح في كل مناسبة أغلفة مالية مهمة. ولاحقا، عرفت أن المذبوح لم يكن يفتح تلك الأظرفة بل كان يضعها في خزنة حديدية في بيته، وقد تم العثور عليها مغلقة بعد مقتله، وهو ما يعني أن المذبوح لم يكن راضيا بتلك الإكراميات.
كان الرجل يعبر لمحيطه عن عدم رضاه عن الفساد المستشري في دواليب السلطة، وحين عينه الحسن الثاني وزيرا للبريد والتلغراف والتيلفون، غضب أشد الغضب واعتقد أن وضعه في منصب مدني هو إجراء تأديبي، سيما وأنه لا يمت بصلة لهذا القطاع الذي كان دوما تحت رحمة السياسيين. وحين زار الولايات المتحدة الأمريكية وتم إطلاعه على تغلغل الرشوة في أوساط الحكومة، حكى الواقعة لزوجته التي طلبت منه إخبار الحسن الثاني بالنازلة، وهو ما فعله، دون أن يجد «رجع الصدى» من طرف الملك. طلب الجنرال إجازة لمدة شهرين بدعوى المرض وانزوى في بيته، وهكذا تسربت فكرة الانقلاب إلى ذهنه.
في 9 يوليوز 1971، بلغ خبر تورطه في انقلاب الصخيرات، لم تتقبل زوجته الخبر الصادم وانهارت لتدخل في غيبوبة، قتل زوجها برصاص صديقه امحمد عبابو لاختلافهما حول «تكتيك» الاستيلاء على السلطة، حتى لو نجا بجلده، ولم يقتل على يد شريكه في التخطيط للانقلاب.
كتب للماريشال أمزيان أن يعيش سنوات إضافية، ليشهد النهاية المأساوية لصهره الذي جاءه قبل سنوات من ذلك التاريخ ليطلب يد واحدة من بناته، بعد أربع سنوات مات الماريشال، وهو يشعر بأسى عميق حين علم أن جثة صهره المذبوح، الذي دان له الكثيرون بالولاء، ظلت طريحة عشب قصر الصخيرات لأيام قبل أن يتم انتشالها مع جثث الكثيرين الذين قضوا في ذلك اليوم.
دعيت زوليخة لتقديم شهادتها أمام المحكمة، في قضية الانقلاب، لكنها فاجأت هيئة القضاء والدفاع، حين صرحت أن مؤامرة الانقلاب كانت مدبرة قبل ذلك اليوم وتحديدا في 14 ماي بمدينة الحاجب، لكن سوء أحوال الطقس جعل المذبوح يأمر أعبابو بتأجيل الأمر إلى فرصة لاحقة.

الطاهر أوعسو.. أول عسكري يعين عاملا
يصنف القائد الطاهر أوعسو لوليدي، في خانة رجالات المخزن وأحد النماذج مكتملة الأوصاف للنخب السياسية الأمازيغية، ولد عام 1924، درس في ثانوية آزرو الشهيرة التي أنجبت كبار رجال الدولة وتخرج منها العديد من أقطاب السلطة في مغرب ما بعد الاحتلال الفرنسي.
عاش الطاهر عن قرب مخاض استقلال المغرب، حين عينته الإقامة العامة الفرنسية ضمن مجلس «حفظة العرش» عام 1955، بعد الإطاحة بالسلطان البديل بن عرفة، وكان المجلس يتكون أيضا من محمد المقري الصدر الأعظم وامبارك البكاي باشا صفرو ومحمد الصبيحي باشا سلا..
ساهم الرجل في تهيئة الأرضية لاستعادة محمد الخامس لأدواره السياسية، ومكنه منصبه في مجلس «حفظة العرش» من لقاء السلطان في اجتماعات استمرت إلى ساعة متأخرة من الليل، ونسج بالتالي علاقات مع المحيط الملكي.
أظهر الضابط الطاهر أوعسو صرامة في التعامل مع ما تبقى من الموالين للحماية الفرنسية والمنتفعين من وجودها، خاصة بعد أن اقترح عليه الملك محمد الخامس منصب عامل على عبدة وشبهه بالقائد الشهير «بنعيسى»، قبل الضابط العرض ونال ظهير التعيين من يدي محمد الخامس، كأول حاكم عسكري يعين عاملا على مدينة أسفي غداة نيل استقلال المغرب في مارس 1956.
قضى الرجل سنوات في هذا المنصب قبل أن يعينه الحسن الثاني عاملا على إقليم مراكش، وهو المنصب الذي قربه أكثر من الملك بحكم تردد هذا الأخير على المدينة الحمراء. لكنه سرعان ما سيقرر وزير الداخلية آنذاك الجنرال أوفقير تنقيله إلى مدينة وجدة في قرار اعتبره الطاهر تعسفيا. يروي الصحافي مصطفى العلوي في كتابه: «أحداث الصخيرات.. المذبحة السياسية» مبررات تنقيل العامل أوعسو، وهو صديق حميم للكاتب، وكيف قبله الحسن الثاني على مضض.
«هناك حالة تتعلق بالعامل الطاهر أوعسو، وكان عاملا على مراكش. في تلك الظروف، كان حاصلا على ثقة الحسن الثاني. ذات يوم، لاحظ وزير الداخلية أوفقير العلاقة الحميمية التي تربط الطاهر أوعسو مع الحسن الثاني، وبادر أوفقير إلى تعيينه عاملا في وجدة. وباعتباره رجل سياسة بدأ في عملية البحث والتنقيب، فتوصل إلى حقيقة تفيد بأن العامل الذي كان قبله هو الشلواطي، الذي نظم انقلاب الصخيرات انطلاقا من وجدة. وهكذا اكتشف الطاهر أوعسو باعتباره رجل أمن ما يحضره الشلواطي في وجدة، إذ كان الأخير يجمع المال ويجري الاتصالات ويختار الناس الذين يرتبط بهم».
طلب الطاهر مقابلة الملك، لكن القصر طلب منه الاكتفاء بتقرير سري، أرسله إلى الحسن الثاني، خلص فيه إلى القناعة التالية التي ختم بها تقريره: «يا صاحب الجلالة إن الشلواطي كان في وجدة مشغولا في التحضير لانقلاب بالمغرب». لكن الرسالة أحيلت على أوفقير الذي أقبرها.

المحجوبي أحرضان.. ضابط شارك في ثماني حكومات
يعد المحجوبي أحرضان شاهدا على العصر بامتياز، فهو من أبرز السياسيين المغاربة الذين عاصروا الحقبة الاستعمارية وبزوغ فجر الاستقلال، وبناء الدولة المغربية المستقلة. ولج السياسة مبكرا، وتقلد وظائف حكومية عديدة وارتبط بحزب الحركة الشعبية الذي يعتبر إلى جانب عبد الكريم الخطيب من مؤسسيه.
شارك في ثماني حكومات مغربية ومن بين الوزارات التي تقلدها وزارة الدفاع في أول حكومة يشكلها الملك الحسن الثاني، وظل على رأسها ست سنوات كاملة في مناخ سياسي عنوانه تصفية الحسابات.
على امتداد علاقته بالقصر، ظل أحرضان يشكل قلقا للسلطة، وكانت خرجاته الإعلامية تجلب له الكثير من المواجع، خاصة حين أشاد إعلاميا بعدي أوبيهي وأصر على أن يخصص للمتمرد جنازة «رفيعة» المستوى، حين توفي بعد صدور قرار بإعدامه، حيث أبنه المحجوبي أحرضان قائلا: «إذا مات عدي وبيهي فكلنا عدي وبيهي»، وبعد أربعة أشهر أصبح أحرضان وزيرا للدفاع الوطني.
لم تتوقف تصريحات «الزايغ» المثيرة للجدل، بل ذهب إلى حد الإشادة بمتمرد آخر اسمه أوفقير الذي كان يعتبر اليد اليمنى للحسن الثاني، الذي قال في حقه أحرضان إنه «كان وطنيا وكان ضابطا غيورا على البلاد».
ظل أحرضان يثير القلق بين الفينة والأخرى، خاصة في خرجته الشهيرة مباشرة بعد هجوم البوليساريو على مدينة طانطان سنة 1979، حيث تم أسر مجموعة من المواطنين العزل رغم أن المدينة غير متنازع عليها، فقد تخلص من روح الدعابة التي كان يصبغها على اجتماعات المجالس الحكومية، وقال للملك: «هناك خونة ولصوص بيننا»، وهو التدخل الذي فاجأ الجميع وأغضب الحسن الثاني.
لم يقتصر أحرضان على تنبيه الملك الحسن الثاني لوجود لصوص في محيطه، بل قام بخرجة صحفية أغضبت الملك، حين قال في حوار مع مراسل جريدة «الباييس» الإسبانية في المغرب ويدعى دومينغو، تحدث فيه بجرأة كبيرة قائلا: «إن المغرب مهدد بكوارث سيكون وراءها كديرة بدرجة كبيرة»، وأضاف في حوار كان وراء مصادرة الجريدة، «حين ستتعرض الملكية للتهديد سيفر محيط الملك إلى سويسرا».
لكن القطرة التي أفاضت كأس الخلاف بين الحسن الثاني والمحجوبي أحرضان، هي دعوة هذا الأخير للرئيس السنغالي ليوبول سيدار سينغور، من أجل حضور الجمع العام التأسيسي لجمعية أمازيغية، حينها انتفض الملك ومنع قيام الجمعية ودعا البصري لسحب البساط من تحت قدمي «الزايغ»، وأقيم مؤتمر استثنائي للحزب سنة 1986 أقيل خلاله أحرضان وانتخبت لجنة من ثمانية أمناء عامين استقلوا طائرة باتجاه مراكش ليستقبلهم الحسن الثاني ويقرر تعيين امحند العنصر أمينا عاما جديدا للحزب.
درس أحرضان في ثانوية تعرف بـ «ليسي آزرو»، والتي ستصبح في ما بعد «ثانوية طارق بن زياد». وهي المؤسسة التي مر منها عدد من كبار المسؤولين العسكريين ورجالات المخزن.

محمد أوفقير.. ضابط ووزير فوق العادة
يرقد جثمان الجنرال محمد أوفقير في مقبرة في ملكية عائلة لمرابط بمنطقة بوذنيب على مشارف الجزائر، في قبة بسيطة دفن الرجل الأكثر جدلا في تاريخ المغرب الحديث، منذ مدة ضاق فضاء المقبرة المهملة بـ «قاطنيه» ولم يعد به متسع للدفن أو مساحة لصلاة الجنازة، ومع مرور الأيام تحولت المقبرة إلى ملاذ للمتسكعين والمشردين.
دفن الجنرال في موكب جنائزي صامت بقبر في بوذنيب، بعد أن اتهم بتدبير الانقلاب «الجوي» ضد الملك الحسن الثاني سنة 1972، رغم أنه من مواليد قرية عين الشعير التابعة إداريا لبوذنيب المدينة التي كان والد الجنرال يشغل فيها مهمة باشا. يحكي سكان المدينة عن مضاعفات وجود جثمان الجنرال في جوف تربة مدينتهم ويؤكدون أن التنمية أدارت وجهها لهذه المنطقة منذ أن دفن بها أوفقير.
ولد محمد أوفقير يوم 14 ماي 1920 في قرية تسمى عين الشعير في نواحي مدينة بوذنيب، وتنحدر أصوله من سيدي بلعباس بالجزائر. نشأ في كنف والد من الأعيان تولى باشوية بوذنيب، ابتداء من عام 1910 بتزكية ودعم من فرنسا التي كانت تهيئ لإعلان الحماية على المغرب.
وكان والده أحمد بن قدور نموذجا للقيادات المحلية التي اعتمدت عليها سلطات الاستعمار من أجل بسط سيطرتها على التراب المغربي، وخصوصا القبائل. ترعرع وسط أسرة كثيرة العدد حيث بلغ عدد إخوته 16 فردا.
درس بمدرسة بوذنيب، ثم التحق بثانوية أزرو (طارق ابن زياد) التي كانت تعد من أشهر المؤسسات التعليمية في عهد الحماية. هناك اختمرت لديه فكرة اختيار الحياة العسكرية حيث انضم إلى كلية «الدار البيضاء» بمكناس التي أصبحت مقر الأكاديمية العسكرية، وتخرج منها بدرجة ملازم.
تولى أوفقير منصب مدير عام الأمن الوطني، ثم شغل منصب وزير الداخلية في عدة حكومات، إذ عين بعدها وزيرا للدفاع والمفتش العام للقوات المسلحة الملكية واحتفظ بنفس المنصب إلى غاية وفاته.

الملك يقنع الجنرال إدريس بنعمر بحقيبة البريد بعد انقلاب الصخيرات
في الوقت الذي تحدثت فيه الصحف المغربية عن انشغال كريم العمراني بإعداد تشكيلته الحكومية والتنقيب عن الوجوه القادرة على تدبير مرحلة ما بعد انقلاب الصخيرات، كان مقرب من الملك يطرق باب بيت كريم العمراني ويحمل له ورقة عليها أسماء يريد الحسن الثاني رؤيتها في لحظة التعيين الحكومي، وهو ما اضطر معه العمراني إلى إخضاع تشكيلته لتعديلات.
ألح الملك على إدراج أسماء لها حمولة أمنية، وقال للعمراني لا نريد حكومة لها برنامج سياسي نريد فريق عمل لتدبير المرحلة، بل إن ملك البلاد لم يتردد في القول خلال تصريح تلفزيوني: «لقد وفقنا الله إلى اختيار عدد من الرجال ألفنا منهم حكومتنا، وتتوافر في هؤلاء الأفراد الذين آثرت عنهم مزايا القلب والعقل، كفايات وأهليات خليقة بأن تترجم ما نتمناه».
ضمت الحكومة الجنرال محمد أوفقير، الذي أصبح وزيرا للدفاع ورقي في غضون ذلك إلى رتبة ماجور عام للقوات المسلحة الملكية، وتم تقليص عدد الحقائب بسبب الأسماء التي فرضها القصر، فيما برز للمرة الأولى اسم الجنرال إدريس بنعمر العلمي كوزير للبريد.
استغرب الجنرال إدريس بنعمر لوجوده على رأس وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، خاصة وأن بعض زملائه حاولوا إقناعه بأهمية هذه الحقيبة التي حملها جنيرال آخر اسمه المذبوح أحد مدبري انقلاب الصخيرات، تساءل إدريس عن دور رجل الميدان العسكري في ملف الاتصالات، فكان الرد من أوفقير الذي دعا بنعمر إلى قبول العرض دون نقاش، لأن الملك اعتبر خللا في المواصلات السلكية واللاسلكية من أسباب تمرد عسكري لا علم للدولة به، فقبل الحقيبة على مضض. وحين وقعت محاولة انقلابية ثانية بعد اعتراض طائرة الملك، عين الحسن الثاني الجنرال بنعمر مديرا للخطوط الملكية الجوية.
بعد وفاة بنعمر سنة 2002، استقبل الملك محمد السادس ابنه المهدي في القصر الملكي، حيث قدم هذا الأخير العزاء للملك في وفاة الجنرال الوحيد الذي تغنت به العيطة، لبطولته في حرب الرمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى