الرأي

شرارة الحروب.. التورط الروسي التركي إلى أين؟

مع دخول مفهوم الحرب الشاملة، لم يعد أي مواطن بمنأى عن الصراع ولو سكن في بروج مشيدة، كما رأينا في مسرح كاتابلان الفرنساوي في 13 نوفمبر 2015 م حيث كان ملك الموت يمد يده فيقبض في ضربة واحدة أرواح 129 إنسانا بريئا، يأكل ويشرب ويتمتع ويعد نفسه لأمسية مسلية؛ فتسلى بالموت؛ فإلى أهله لم يحر.
يحكي الروائي النمساوي ستيفان تسفايج عن الجو العام في أوربا وكيف كان كسولا مرتخيا قبل اندلاع الحرب، ما يدفع إلى التفاؤل بعام جميل ليس فيه أثر بارود ونار ودم ودمار.
أما برتراند راسل الفيلسوف البريطاني الذي عاصر النكبات فهو يكرر نفس الشيء بكلمات مختلفة، حين يقول أن الحرب العالمية الأولى كانت مفاجئة غير متوقعة، أما الثانية فكانت تحصيل حاصل بموجب معاهدة فرساي المذلة، كما كانت في قصة عربة القطار الفرنساوية (بالمناسبة فرض الفرنسيون على الألمان التوقيع على الاستسلام في نفس عربة القطار الملعونة مع غرامات الحرب).
في 15 جولاي من عام 1870م تقدم السفير الفرنسي (بنيديتي) إلى القيصر (فيلهلم) الألماني بطلب إعطاء ضمانة أن لا يسمح بتولية الأمير الألماني (ليوبولد هوهن تسوليرن) على عرش إسبانيا، وكانت العروش يومها من نصيب العائلات.
رفض الملك البروسي الطلب بأدب. وكان اللقاء في مدينة أيمز الألمانية، وحين أرسل القيصر نص البرقية إلى مستشاره (فون بسمارك) قام الأخير بتعميمها على الصحافة.
كانت حركة بسمارك مقصودة، مما حرك غضب إمبراطور فرنسا (نابليون الثالث)، وتحت ضغط من زوجته المغناج (يوجينيا) وحماس وزير الدفاع أعلن الحرب في خمسة أيام في 19 جولاي على ألمانيا التي رحبت بذلك، واندفعت الجيوش فهم من كل حدب ينسلون، والناس تصرخ في ألمانيا: إلى باريس، والفرنسيون يفتلون شواربهم ويزعقون من اللقاء في برلين.
كان وزير الحربية يومها (هيلموت كارل فون مولتكه) ـ ومساعده الدماغ الحربي كلاوسفيتس صاحب كتاب عن الحرب (Vom Kriege – Clauswitz ) من شياطين الإنس؛ فحبك خطة لتطويق الجيش الفرنسي المنقسم تحت قيادتين منفصلتين (مكماهون) و(بازين)، وجاء الحسم في معركة (سيدان) التي هزم فيها الفرنسيون، وخسروا أكثر من مائة ألف قتيل، وسجن نابليون الثالث (ذو الشوارب الطويلة المرفوعة) ودخل الألمان باريس، وتوجوا (فيلهلم) قيصرا لألمانيا الموحدة، وتم توقيع معاهدة مذلة في عربة قطار، وفرض على فرنسا دفع تعويضات الحرب بما يعادل مليار دولار، ووقتها كانت هائلة. فقامت فرنسا بجمعها من جيوب مواطنين مهزومين في ثلاث سنين، وتهيئة النفس لرد الاعتبار في جولة قادمة! وهو ما جاء خبره في الحرب العالمية الأولى.
إعلان الحرب في حفلة جنون في خمسة أيام في حرب عام 1870 م ليست الوحيدة، فحرب عام 1914 بدأت في سراييفو بطلقة من (جافريلو برنسيب) زعيم عصابة الكف الأسود، حين قتل الأرشيدوق النمساوي فرديناند وزوجته صوفي في عربة مكشوفة، دفع الإمبراطور العجوز المخرف (جوزيف) أن يضع شروطا مستحيلة (14 شرطا جنونيا) على صربيا فبدأت الحرب، لتنحاز ألمانيا إلى جنب النمسا، وتقفز روسيا إلى جنب صربيا كما هو الحال هذه الأيام في تحالف (بوتين) مع طاغية دمشق البراميلي، ولتندلع الحرب العالمية الأولى بدمار نصف أوربا، ومقتل عشرات الملايين، ونزوح ملايين لا يحصيهم كتاب ولا يضمهم دفتر. كما هو في الكارثة السورية هذه الأيام.
في كل الحروب، كما في الحرب السورية الحالية وتورط روسيا وتركيا قد تندلع على مستوى إقليمي فنرى صواريخ إس 400 وهي تطير فوق أنقرة وإستنبول أو فوق موسكو وبطرسبورج، ولكن الحرب تخضع لقواعد لعينة؛ تقول الأولى منها أن الحرب يمكن أن تخوضها في أي لحظة، ولكن نهايتها لا يعلمها إلا ربي في كتاب.
لا يضل ربي ولا ينسى. ونتائجها تكون كارثية في العادة، تزول بها إمبراطوريات وتمسح دول، كما هو الآن في تقسيم سوريا بخلطة من تقسيم شمالي جنوبي كوري، وشرقي غربي ألماني، وحكومة مصابة بالعنة من نسخة البوسنة.
رأينا ذلك أيضا في نتائج الحرب العالمية الأولى حين اختفت الإمبراطورية العثمانية من الوجود ونحن ندفع ثمن تبخر آل عثمان لتتسلم سوريا عصابة الأسد الدمويون، ومعها الإمبراطورية الهنغارية النمساوية التي أشعلت فتيل الحرب، من أجل مقتل إنسان فقتل مقابله عشرة ملايين.
والأمر الثاني يقول أن الحرب إفلاس أخلاقي وجنون وجريمة خاضها من خاضها. والمشكلة كل المشكلة أنه ـ كما فعل عزت بيجوفيتش ـ على عدم خوضها أن الآخر يراها فرصة للإبادة كما رأينا في مذبحة سبرنشيكا بحصد سبعة آلاف بالماشين جن (الرشاشات) ودفنهم في مقبرة جماعية. وفعل الأسديون ما هو ألعن فدفنوا 380 ألفا في 380 سبرنيشكا سورية، مما يدفع الخصم في النهاية لأن يدافع عن نفسه، كما رأيت في عراك الديك والكلب الضخم في فيديو وكيف هزم الديك الكلب فهرب.
لقد دخل عبد الناصر حرب اليمن عام 1962 انتصارا لمذلة الانفصال السوري، فحمل عشرات الآلاف من جثث الفلاحين الصعايدة إلى مصر. كما جربت إيران الحرب مع صدام فحصد منجل الموت مليون شاب، ونتذكر كيف دخل الجنرالات الأمريكيون الحرب التي سميت بالأهلية لاحقا على ظن أنها ثلاث أسابيع؛ فدامت أربع سنين عددا، وقتل فيها 600 ألف إنسان عام 1661 م على يد جنرالات من نموذج (جرانت) و(لي) و(تشيرمان) الذي أدخل نموذج جروزني القديمة ويطبقها بوتين في عربين ونبل وحلب هذه الأيام.
وأشد منها وأرعب الحرب الأهلية الإسبانية بين عامي 1936 و1939م خلدتها لوحة بيكاسو في جورنيكا. حيث جرب النازيون فيها الطيران الحربي قبل أن يلتهموا النمسا ويقضموا السوديت ويمسحوا بولندا من الخريطة.
نفس الأوهام حملها الجنرال البريطاني (كيتشنر) في معارك السوم وفردان في الجبهة الفرنسية فحمل بحماقته إلى الموت حصدا بالرشاشات الألمانية 56400 نفس كهدية نفيسة لعزرائيل، ولا يروي المجرم كلمة للرأي العام أين دفن أولادهم قرابين بشرية.
حاليا نحن شهود مرحلة خطيرة نرى بوتين تحت تأثير أقداح الفودكا الروسية متهددا متوعدا والزبد على شدقيه أنه سينكل بسوريا وتركيا وكل إرهابيي العالم وهو من صنفهم وجبلتهم على ملة القتل.
ألا إن الاتحاد السوفيتي دفن نفسه في ملحمة أفغانستان فتشظى، وروسيا الاتحادية مع إيران ستنتهي وتنهار في الملحمة الشامية، فالغزاة والطغاة سيدحرون ويكنسون.
في القرآن، كان عمر رضي الله عنه يقرأ من سورة الطور: سيهزم الجمع ويولون الدبر؟ فكان يكرر أي جمع وأي دبر. وهو ما رآه لاحقا في نهاية متجبري قريش القساة أمام رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم وهو يخاطبهم أجداثا في القليب: يا عتبة بن ربيعة يا أبا جهل يا وليد.. لقد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟
سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر. إن المجرمين في ضلال وسعر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى