شوف تشوف

شرع فمك

عندما قرأت بلاغ وزارتي الداخلية والعدل، حول ضرورة التزام المواطنين بالقانون وعدم تطبيقهم له بأيديهم، وضرورة إخبار السلطات القضائية ومصالح الشرطة أو الدرك الملكي بالأشخاص الذين يخالفون القانون، لكي تقوم هذه المصالح بالتدابير اللازمة من أجل فرض احترام القانون، تذكرت ما قاله رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، في الندوة التي نظمها حزب الحركة الشعبية حول مسطرة القانون الجنائي، لمحمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
لقد قال رئيس الحكومة للصبار متسائلا ماذا تراه سيفعل إذا ضبط زوجته تخونه مع رجل آخر في فراش الزوجية؟ فأجابه الصبار بأنه لن يقتل زوجته وأنه يفضل الاتصال بالشرطة لكي يطبقوا القانون.
غير أن جواب الأمين العام للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لم يصادف هوى في نفس رئيس الحكومة، بل إنه وجد أن هذا الجواب يكشف أن الصبار يتمتع بشيء من «قلة النفس» والدين، فما كان منه سوى أن أجابه «ولاواه، ما ماتتش فينا النفس حتى لهاد الدرجة».
رئيس الحكومة يعتقد أن «النفس» و«الدين» يفترضان قيام الزوج بردة فعل مغايرة لردة الفعل الباردة التي اقترحها الصبار، وذلك بالإقدام على فعل آخر يظهر به الزوج أن «نفسو حارة»، كأن يرتكب جناية مثلا في حق زوجته أو في حق العشيق، أو في حقهما معا إذا ما أراد أن يجمع «المجد» من أطرافه.
عندما يريد مصطفى الرميد، وزير العدل وما تبقى من حريات، أن يقنع المغاربة بضرورة احترام القانون وعدم تطبيقه بأيديهم، فقد كان عليه أن يقنع رئيسه في الحكومة أولا بذلك.
لأن رئيس الحكومة، وخصوصا في جرائم الشرف، لا يؤمن بانتظار المؤسسات القضائية لكي تطبق القانون، فهو يفضل عليها الاقتصاص للنفس باليد، لأن ذلك من شيم النفوس الحية.
ولذلك فإذا كان من أحد يشجع على السيبة وتعطيل القوانين فهو رئيس الحكومة بدرجة أولى، ووزيره في العدل بدرجة ثانية، خصوصا عندما قال هذا الأخير متحديا إن من يريد أن يعرف حقيقة المجتمع المغربي فليجرب الإفطار في رمضان في شارع محمد الخامس.
وكأن معالي وزير العدل يريد أن يقول إن الشعب المغربي شعب همجي ولا يجب استفزازه وإلا فإنه يتحول إلى حيوان كاسر ومتوحش يحطم كل ما حوله. ذلك أن كل من يستعمل يده لكي يقتص لنفسه أو لغيره، علما أن هناك مؤسسات منظمة عهد إليها المجتمع القيام بهذه المهمة، هو شخص خارج عن القانون.
إن المفروض في وزير العدل هو أن يحرص على سيادة واحترام القوانين، لا أن يزكي الفتنة بدعوى أن المجتمع يطور سلوكيات بدائية سابقة للحضارة متجاوزة للقانون، وأنه يجد ذلك عاديا لأن المجتمع هكذا والسلام.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يزدري فيها وزير العدل القوانين ويعطلها، فقد فعل ذلك عندما اتخذ واحدا من أخطر القرارات التي صدرت عن وزارة العدل قال السيد الوزير إنه قرر تأجيل النظر في الشكايات الخاصة بالتدبير المحلي لأن «جل هذه الشكايات تتم على سبيل المماحكة والتشهير».
عندما يقول وزير العدل إن الشكايات التي تصاغ ضد المسؤولين الجماعيين، بناء على تقارير المجالس الجهوية للحسابات، تكون بغاية المماحكة والتشهير، فإنه إما يحقر عمل قضاة المجلس الأعلى للحسابات ويتهمهم بتسييس تقاريرهم، وإما يتهمهم بالقصور والخلل.
والحال أن قضاة المجلس الأعلى للحسابات هم من خيرة قضاة المملكة الذين تلقوا تكوينا عاليا في القضايا المالية إضافة إلى تكوين قضائي صارم.
والتشكيك في نتائج تقاريرهم من طرف وزير العدل أمر خطير بالفعل يدعو إلى وقفة تأمل.
إن من يمارس السياسة حقا في هذا المقام هو وزير العدل وليس قضاة المجلس الأعلى للحسابات، لأن وزير العدل، عندما اتخذ قرار إرجاء متابعة المسؤولين الجماعيين المشتبه فيهم إلى ما بعد الانتخابات، يكون قد غلب مصلحة السياسيين على مصلحة دافعي الضرائب، أي أنه انحاز إلى مصلحة المنتخبين عوض حماية المال العام.
لقد تناسى وزير العدل أن قوة القانون تكمن في تطبيقه، وتعطيل القوانين يؤدي إلى إضعاف هيبة العدالة وتحويلها إلى أداة في يد السياسيين يصفون بها حساباتهم ويلوون عنقها كلما أرادوا التوصل إلى صفقة سياسية على حساب أموال الشعب المنهوبة.
والواقع أن وزير العدل ورئيس الحكومة يلعبان بفصول القانون الجنائي لعبة سياسية خطرة، ولذلك سمعنا بنكيران يقول للصبار إنه مع الاقتصاص بيده عوض انتظار حكم القضاء، وسمعنا الرميد يهدد بتقديم استقالته في حالة سمح القانون بممارسة الجنس خارج الزواج.
فالوزيران معا يريدان أن يعطيا الانطباع للرأي العام بأن حزبهما إذا غادر الحكومة فليس بسبب فشله في تحقيق الوعود المعسولة التي أعطاها لمن صوتوا له، بل إنه غادر بسبب دفاعه المستميت عن القيم الأخلاقية المتجلية في حماية المجتمع من التفسخ والانحلال، مع أن آخر من يحق له الحديث عن الأخلاق، بعد فضيحة الوزيرين شوشو وسوسو، وفضيحة البرلمانية آمنة ماء العينين وزوجها المغبون، هو حزب العدالة والتنمية.
عندما يهدد وزير العدل بتقديم استقالته من الحكومة إذا تم رفع المنع القانوني عن العلاقات الجنسية خارج الزواج، فإنه يمارس هوايته القديمة المتمثلة في التلويح بالاستقالة بمناسبة وبدونها، ولو أردنا عد كل المرات التي هدد فيها الرميد بالاستقالة لما كفتنا أوراق هذه الجريدة.
وفي كل الدول الديمقراطية فالقوانين تعدل أو تغير أو تحذف في مؤسسة تشريعية تسمى البرلمان، وكل من يريد أن يلغي قانونا أو يعدله أو يضيف قانونا جديدا، عليه أن يتقدم عبر ممثليه في البرلمان بمشروع قانون، وأن يدافع عنه ويقنع الأغلبية بالتصويت لصالحه، وآنذاك يصبح القانون ساري المفعول بعد صدوره في الجريدة الرسمية.
هذه هي الطريقة الوحيدة لتشريع القوانين، أما «تشريع» الأفواه في الساحات والشوارع للمطالبة بسن قوانين تحمي الشواذ أو تشرعن للعلاقات الجنسية خارج الزواج أو تساوي في الإرث بين الذكر والأنثى أو تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام، فكلها استعراضات حنجرية لا فائدة من ورائها سوى تبرير أصحابها للميزانيات التي يتسلمون من الاتحاد الأوربي والسفارات الأجنبية بالمغرب.
من يريد أن يغير قانونا يجب أن تكون لديه الجرأة لصياغة مشروع قانون، وقبل ذلك عليه أن يملك داخل البرلمان أغلبية مريحة يستطيع من خلالها طرح هذا القانون من أجل المناقشة والتصويت. وإذا صوت البرلمانيون بالأغلبية على هذه القوانين، بما أنهم المعبرون عن رأي الشعب، فآنذاك لن يسع أحدا أن يناقش قرار البرلمان.
أما الاكتفاء برفع المطالب في الشوارع و«تشريع» الأفواه في بلاطوهات البرامج والموائد المستديرة في صالات الفنادق الفاخرة، فليس سوى حوار طرشان لا فائدة ترجى منه.
عندما طرح برلماني قبل أسبوع سؤالا على وزير الداخلية حول الإجراءات والتدابير التي على الدولة أن تتخذها لحماية حقوق مزارعي الكيف، أجاب وزير الداخلية البرلماني بفصول من القانون الجنائي التي تجرم زراعة الكيف.
وقد كان قصد وزير الداخلية واضحا، وهو أنه كوزير للداخلية مجبر على تطبيق القانون المتوفر حاليا في مجال زراعة الكيف، وعندما سيتغير القانون وينتقل من العقاب إلى الإباحة آنذاك سيطبقه.
في كل الدول التي شرعت لترويج وبيع الحشيش والزواج المثلي والقتل الرحيم وغيرها من القوانين، مرت القوانين عبر البرلمان قبل أن تحوز صفة القانون.
«أسيدي كونو رجال وسيرو للبرلمان وقدمو قوانين تبيح اللي بغيتو، وإلى تبعوكم المغاربة وصوتو عليها ما نزيدوكم من عندنا غير الله يبارك».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى